يصادف كل واحد منا في حياته اليومية شابا أو شبابا متذمرا من وضع اقتصادي أو اجتماعي أو تعليمي لا يرضون عنه تماما.. ومنهم شباب ملأ فكره بموضوع واحد هو الهجرة إلى الخارج؟؟.... أكيد أن مجتمعنا العربي الكبير مليء بالآلاف بل و الملايين منهم، لكن، هل توازي هذه الكفة كفة أخرى لشباب مليء بالحيوية و الطموح و الثقة و الإنطلاق؟؟... أتمنى ذلك فعلا، لأنه لولا الأمل لصار الشباب شيابا. الواقع أن كفة الشباب المتذمر الحانق بل و الحاقد أحيانا على وضع اجتماعي و مادي لم يخلقوه قطعا، لكنهم يكرسونه باتكاليتهم المفرطة التي لا تزيد وضعيتهم إلا سوءا و تعقيدا هي الكفة التي أود الكتابة عنها اليوم في محاولة للنقاش بصوت مسموع. تختلف صور هذه الإتكالية من شخص لآخر، ومن حالة لأخرى، بحسب وضعها المادي والاجتماعي و العائلي و لثقافي، ولعل زيارتك لبعض صالات الانترنيت أو الألعاب أو المقاهي، قد تحيلك إلى ما أقصد، فالشباب العاطل بهذه الصالات أكثر عددا من الشباب العامل، و الغريب في الأمر هو إصراره على المداومة على هذه الصالات أكثر من إصراره على المداومة على البحث عن عمل، بل والأغرب من هذا أنك تجد في صالات الأنترنيت حلم الهجرة باديا و مكرسا في الدردشات الآنية اليومية التي يجريها أولئك الشباب و يداومون عليها باعتبارها الخلاص الوحيد و الأوحد في نظره، و ربما الجميل في الأمر – إن صح الوصف – هو أن العديد من هذه الدردشات تفضي فعليا إلى تلك النتيجة التي يبتغيها أصحابها، أي الزواج بالأجنبية و الهجرة إلى بلدها، أو الزواج بالأجنبي و الهجرة إلى بلده بغض النظر عما غن كان زواجا فعليا أم صوريا... و إذا كان الأمر انتصارا لذلك الشاب العاطل، أفلا يكون خسارة لوطنه الذي لم يحسن تدبير كفاءاته البشرية و أضحى يبددها في هجرة شرعية أو غير شرعية؟؟؟؟. أعتقد أن المشكلة هي أعقد من أن يحيط بها هذا التساؤل أو أن تحللها هاته المحاولة الكتابية المتواضعة، فالأمر هو مجموعة تراكمات تصل حد التواطؤ فيما بينها لتخلف لنا هذا الوضع المزري لمجموعة من الشباب ... فكثير من الحكومات تتحمل كثيرا من المسؤولية، أو ربما الجانب الأكبر منها، و كثير من الشباب يتحمل جانبا مهما من المسؤولية بسبب اتكاليته ، سيما حين تتاح له مجموعة فرص للتغلب على بطالته أو حين لا يسعى أصلا وراء تلك الفرص لأنه يضع في ذهنه أحد أمرين : إما الوظيفة في القطاع العام، و إما الهجرة إلى الخارج ، متناسيا أن الرزق لا توفره الوظيفة أو الهجرة فقط، بل يمكن أن يكون أطيب وأغلى بحرفة متقونة أو تجارة حلال يبارك الله فيها بشكل أكبر و أعظم . وبالتالي، فإن كان شباب اليوم مجني عليه في جانب ما، فإنه جان في الجانب الآخر، وإذا تحدثنا هنا عن البطالة كمثال، فأكيد أن الأمر قد يقاس عليه فيما يخص عزوف الشباب عن الزواج أو عن السياسة أو عن القراءة مثلا ...