قبل حوالي شهرين، خصصت قناة الجزيرة القطرية قضية حصادها المغاربي لتبين للعالم بأسره قرىً ومداشر نائية بضواحي خنيفرة وجبال الأطلس التي حاصرتها الثلوج والأمطار والصقيع، وعزلتها عن العالم الخارجي، وجعلت سكانها يعتكفون رغما عنهم وسط حيطان مهددة بالانهيار بين عشية وضحاها. قناة الجزيرة تدخلت وأزالت النقاب عن معاناة هذه الشريحة المظلومة بعدما عجزت أو ” تعاجزت ” قنواتنا عن ذلك، بحكم أن بعضها مازال يعيش المراهقة، والبعض الآخر يفرض عليه الماسكون بزمام الأمور إدراج سهرات ” اشطح ردح ” و” شهيوات ” وجلسات البرلمان المملّة، حتى يغرق الشعب في نومٍ عميق ويكف عن المطالبات وعن تضييق المسؤولين . وكان ضيف القضية حينها أحد النواب البرلمانين عن حزب ” الميزان ” الحاكم في هذه البلاد السعيدة ،وعندما انتظر الكل السيد النائب ليعترف أولاً بهول الكارثة، ثم ليبين ماذا أعدت حكومتهم لمواجهتها تدخل قائلاً ” الحمد لله أن بلدنا يعرف هذه السنة تساقط كمية مهمة من الثلوج، وهذا سيؤثر إيجاباً على حقيبة السدود وعلى المردود الفلاحي” ولم يعلق سعادته ولو باقتضاب على ما وقع ويقع في جبال الأطلس كل فصل شتاء. وليس هذا بالغريب أبداً، في مغرب معهودٍ فيه أن الكبار لا يعرفون الصغار، ولا يعيرونهم أدنى اهتمام. فالنوّام،( معذرة على زلّة اللسان ) فالنواب البرلمانيون لا يعيشون في الأكواخ المهترئة التي يحتضنها الثلج من كل جهة، ولا ترتعد أسنانهم وأياديهم من شدة القر، ولا أمعاؤهم جوعاً، بل يقطنون في ” فيلات ” فاخرة مكَيَّفة تتوسطها المسابح، وتلف حولها الحدائق. النواب البرلمانيون لا ينامون جيّاعاً مفترشين الأرض وملتحفين السماء، ولا يستعملون الطرق التقليدية للتداوي، بل ينامون على الأرائك رفقة أبنائهم المدللين وكلابهم الصغيرة، وإن ألم بهم مرض فالعيادات الأوربية والكندية وجهتهم . النواب البرلمانيون لا تعزل الثلوج أبناءهم عن المدرسة، ولا تقطع فلذات أكبادهم الجبال الوعرة بحثا عن شيءٍ اسمه ” التمدرس ”، بل يدرسونهم في المدارس الخصوصية، بعدها يستكملون دراستهم خارج المغرب. خلاصة القول أن النواب والوزراء وكبار هذا البلد لا تعرف قلوبهم معنىً للعاطفة، ولا يعرفون من العوز المبرح والفقر المُدقع شيئا، ولو كانوا كذلك لوقفوا وقفة رجلٍ واحد، وتدخلوا لفك العزلة عن سكان جبال الأطلس الأبرياء، الذين لا ذنب لهم، إلا أنهم كانوا ضحية الحكومات الانتهازية التي تناوبت على هذا البلد المغلوب على أمره.