يرى رشيد بداوي رئيس منتدى الشباب القروي أن الانتكاسات الكبيرة للشباب راجعة إلى اختلاط الأوراق أمامه وانتشار البطالة في صفوف المتعلمين منها، دفع بالعديد من الشباب القروي إلى البحث عن ملاذ آخر لم يكن سوى العزوف عن كل شيء عن التعلم عن السياسة عن الرياضة ...الخ وشدد على أن وضعية الشباب في المغرب ليس سوداويا وقاتما، وإنما الإخفاقات والتوجهات المتناقضة كالإقصاء الاجتماعي والفشل في إرساء سياسة عمومية في مجال الشباب هي التي أفرزت بدورها تراكمات سلبية لها نتائج وخيمة على المجتمع. وفي ختام هذا الحوار مع “نبراس الشباب”، اقترح الباحث الجامعي رشيد بداوي أن التغيير الإيجابي رهين بفعل سياسي قوي وديمقراطي يكون الشباب من خلاله فاعلا رئيسيا حقيقيا ومباشرا. حاوره: عمار الخلفي – نبراس الشباب. ماذا يمثل لكم اليوم العالمي للشباب كفاعلين شباب في مجال القروي؟ بصفتي باحثا جامعيا في قضايا الشباب وكرئيس منتدى الشباب القروي يشكل لي اليوم العالمي للشباب والذي أصبح العالم يخلده منذ 12 أغسطس 2000 بموجب القرار المتخذ من طرف الأممالمتحدة في دورتها الرابعة والخمسين المنعقدة في 20 يناير 2000، فرصة من أجل تأكيد ضرورة التزام الدول بتعزيز وحماية حقوق الشباب وتمتيعهم بها بصورة تامة، كما يجب إقرار حق الشباب في جميع أنحاء المعمور في المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي المساهمة بآرائه ومقترحاته في صياغة البرامج والسياسات التي تعنيه والتي يشكل أحد مطالبها الأساسية. فرغم المبادرات التي تم اتخاذها في العشر السنوات الأخيرة بمجموعة من الدول النامية ومنها المغرب لفائدة الشباب إلا انه وللأسف لازالت تسجل بهده الدول العديد من النواقص ولاسيما في مجال التشغيل والصحة والفقر والمشاركة السياسية في الحياة العامة الخ إذ يوجد عدد كبير من الشباب خاصة في الأرياف والمناطق النائية في وضعية صعبة ويعيشون حياة هشة الشيء الذي يحول دون وصولهم إلى مراكز القرار. ما مميزات الشباب المغربي في المجال القروي؟ الشباب القروي, بما هم فئة اجتماعية تنحدر من أصول طبقية متباينة وتختلف من حيث وضعيتها الإقتصادية ومستواها الثقافي وبالتالي السياسي, عموما مرحلة الشباب في كل المجتمعات تتميز بالعديد من المميزات ولكن أهمها ميزة الاندفاع والعطاء المتواصل حين تتوفر شروطه كما تتميز أيضا بالإخفاقات حين تتراكم عوامل مضادة. الشباب طاقة إنسانية تتميز بالحماسة والحساسية بالجرأة والإستقلالية وازدياد مشاعر القلق والمثالية المنزهة عن المصالح والروابط وتتميز أيضا بالفضول وحب الاستطلاع حيث يبدو الشاب دائم السؤال والاستفسار في محاولة إدراك ما يدور من حوله والإلمام بأكبر قدر من المعرفة المكتسبة مجتمعيا لأجل تأكيد ذاته كل هذه المميزات تجعل منه فاعلا أساسيا لا يمكن تجاوزه لتحقيق تقدم المجتمع و التنمية المستديمة إن وفرت له الشروط الضرورية. وفي بلدنا خاصة في العقدين الأخيرين من القرن الماضي عرفت هذه الفئة الاجتماعية انتكاسات كبيرة راجعة إلى اختلاط الأوراق أمامها وانتشار البطالة في صفوف المتعلمة منها مما دفع بالعديد من الشباب القروي إلى البحث عن ملاذ آخر لم يكن سوى العزوف عن كل شيء عن التعلم عن السياسة عن الرياضة الخ. ماهي المشاكل التي يعانيها الشباب القروي؟ يعاني الشباب القروي من عدة مشاكل تتمثل في غياب البنيات التحتية في المجالات ذات الأولوية ولا سيما في مجال التعليم والتشغيل والصحة والمشاركة في الحياة العامة ومحاربة سوء التغدية والفقر، فالملاحظ أن عدد كبير من الشباب القروي يعانون الفقر والبطالة والتهميش والإقصاء الإجتماعي وغياب آفاق مشرقة في المستقبل. العديد منه للأسف لا يستطيع الولوج إلى الخدمات الإجتماعية الأساسية مما يحول دون مشاركته في الحياة العامة والوصول إلى مراكز القرار. هذه الخلاصة تعكسها الإحصائيات الرسمية المرتبطة بالشباب القروي والتي تبين بالملموس مدى خطورة الأزمة التي يتخبط فيها الشباب القروي ومن المعدلات المخيفة نجد 400 ألف تلميذ ينقطعون سنويا عن الدراسة بالعالم القروي، أضف إلى ذلك ظاهرة الأمية المتفشية في أوساط الشباب القروي والتي تصل إلى 48 % بالنسبة للفئة العمرية [24-15]. وتتحمل البطالة جزءا كبيرا من المسؤولية في معاناة الشباب القروي حيث تصل نسبة البطالة سنة 2008 إلى 8,7% بالعالم القروي بالنسبة للفئة العمرية [24-15] ويترجم الطابع الموسمي للأنشطة القروية دائما واقع البطالة غير المنتجة، أكثر ما يعبر عن تشغيل حيوي. بالإضافة إلى أن آفة الفقر تمس أزيد من 4 ملايين من سكان القرى والبوادي المغربية، وتشير الإحصائيات إلى أن 70 في المائة من الفقراء بالمغرب يعيشون بالعالم القروي، و30 في المائة من الساكنة القروية تنفق 3000 درهم سنويا،ً وهو ما يقارب إلى حد ما عتبة الفقر التي حددتها المنظمات الدولية. وما تزال معظم مناطق العالم القروي تعاني من فقر حقيقي في بنياتها التحتية لاسيما بالمناطق المعزولة، حيث يسجل غياب واضح في خدمات الصحة، وتبلغ نسبة وفيات الأمهات 307 لكل 100000 ولادة بالوسط القروي، مما ينعكس سلبا على الوضع الاجتماعي للشباب القروي. النظرية الرسمية ترمي اللوم على الشباب بسبب قلة فاعليتهم, والعنصر الشبابي يرجعون فشلهم للحكومات المتعاقبة, من المسؤول في نظرك؟ المسؤولية مشتركة بين الشباب والحكومات المتعاقبة والجماعات المحلية, صحيح أن الحكومة تتحمل النصيب الأكبر من الإخفاقات, وبسبب تراكماتها السلبية على جميع الأصعدة لازال العديد من الشباب يعاني من الإقصاء الاجتماعي وفشلها في إرساء سياسة عمومية في مجال الشباب يزيد من تعقيد وضعهم المزري والمرتبط بواقع محلي لا يشجع على التحسن وغير قابل لذلك في المستقبل. وبالمقابل يتحمل بعض الشباب نصيبهم من المسؤولية بسبب قلة المبادرة و المراس وضعف النشاط والخبرة. نرى أن بعض الشباب تم استلاب عقليتهم للنمط الغربي، من أدى إلى هذه النتيجة؟ صحيح أنه بدأت تظهر في المجتمع المغربي تعبيرات واهتمامات من نوع آخر حيث ازداد اهتمام فئة من الشباب بالموسيقى الأجنبية والفنون الأخرى في ترسيخ صورة ايجابية عن الذات وتقليد النمط الغربي في الإستهلاك اليومي سواءً تعلق الأمر بالأكل أو اللباس الخ. هذا التغيير راجع إلى عدة عوامل مرتبطة أساسا بالتحولات التي يعرفها العالم على جميع الأصعدة فالعولمة والتقدم التكنولوجي تتيح الفرصة للشباب لمعرفة ما يدور من حوله في العالم والإطلاع على الإمكانيات المتاحة لشباب العلم دونه. العزوف السياسي والبطالة والهدر المدرسي وغيرها من العناوين السلبية العريضة, تطبع المشهد العام الشبابي, في إطار اشتغالك على ملف الشباب, هل الوضع قاتم وسوداوي إلى هذه الدرجة؟ هو ليس قاتم وسوداوي بهذه الدرجة، صحيح أن الجميع يعرف أن هناك مجموعة من الإختلالات التي تغدي الإخفاقات والتوجهات المتناقضة والتي تفرز بدورها تراكمات سلبية لها نتائج وخيمة على المجتمع كالهجرة السرية والتعاطي للمخدرات والتطرف الخ. لكن بالمقابل نبقى متفائلين ونطالب الحكومة والجماعات المحلية بتسريع وتيرة الإصلاحات لمحو أثار هده الوضعية السوسيو اقتصادية السيئة. أثناء حديثنا عن هاته المشاكل التي نعتبرها قديمة, هل من حلول جديدة تفاؤلية يمكنها أن تغير الوضع نحو الفضل؟ إن معالجة رهانات الشباب لن يتأتى إلا بإرساء سياسة عمومية في هذا الميدان تكون موضوع الدولة والجماعات المحلية والفاعلين السياسيين وفعاليات المجتمع المدني بغية إعادة الثقة للشباب في مستقبل بلادنا الواعد وإعادة تنظيمه على أساس طموحه الديمقراطي والقطع مع كل الأساليب المؤدية إلى العزوف عن العمل السياسي المنظم والحزبي وتوجيهه نحو مشاريع التنمية الحقيقية من اجل مستقبل أفضل. كما أن معالجة الرهانات والتحديات المطروحة على المغرب تبقى رهينة بفعل سياسي قوي وديمقراطي يكون الشباب من خلاله فاعلا رئيسيا حقيقيا ومباشرا مما يحتم عل كل الفاعلين رسم سياسة عمومية تكون محصلتها وضع الشباب في سياقه المجتمعي الصحيح كقوة متغيرة رئيسية ومبادرة.