لما ذهبت المادة 64 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات، إلى إمكانية لجوء عمال الأقاليم للقضاء الإداري قصد المطالبة بعزل رؤساء وأعضاء المجالس الجماعية المرتكبين لأفعال مخالفة للقانون، فإن المشرع أراد من هذا النص حماية مصالح المرفق العمومي و التصدي لكل ما قد يضر بأخلاقيات تدبير الشأن العام، وذلك في إطار التطبيق السليم للمبدأ الدستوري "ربط المسؤولية بالمحاسبة" المنصوص عليه في الفقرة الثانية من الفصل الاول. المادة 64، وإن كانت عبارة عن نص قانوني أفرزته طبيعة أعمال الإدارة بالنظر إلى ضرورة محاسبة المسؤولين عن الاخطاء و الخروقات القانونية التي يرتكبونها وتؤثر بطريقة أو بأخرى على المرفق العام، فإنها تثير نقاشا عموميا كلما التجأ إليها ممثلي وزارة الداخلية للمطالبة بعزل أعضاء أو رؤساء الجماعات ما يقلص نسبة تطبيقها بالرغم من صدور تقارير لمفتشية الإدارة الترابية والمجلس الأعلى للحسابات تحمل إدانات واضحة لعدد من أعضاء الجماعات الترابية. وكان إقليمالناظور خلال هذه السنة استثنائيا بالمقارنة مع باقي عمالات المملكة، لكون المادة المذكورة نوقشت لمرات عدة في المحكمة الإدارية بوجدة وصدرت بموجبها أحكام بعزل ثلاثة أعضاء بمجالس جماعية في بوعرك (1) وراس الما (2)، وما إن طويت هذه الملفات، إلا وانفجرت قضية ستعتبر الأشهر في التاريخ السياسي بالمنطقة، بعدما قرر العامل علي خليل اللجوء للقضاء عبر الوكيل القضائي للمملكة لطلب عزل كل من رئيس جماعة الناظور سليمان حوليش و نائبيه الثالث والرابع علال فارس والحسين اوحلي، بناء على تقرير مفصل رصدت فيه مفتشية الإدارة الترابية خروقات همت مجال التعمير والشواهد المرتبطة به، إضافة إلى اختلالات مالية حرمت مدينة الناظور من ملايير السنتيمات التي كانت ستستفيد منها كاستثمارات في مشاريع التنمية. طلب العزل أجازت المادة، 64 لعامل الإقليم او من ينوب عنه، بعد التوصل بالإيضاحات الكتابية من طرف أعضاء المجلس الجماعي المتهمين بارتكاب خروقات تضر بأخلاقيات المرفق العمومي ومصالح الجماعة، اللجوء إلى القضاء الإداري لطلب عزل المعنيين بالأمر من مجلس الجماعة أو عزل الرئيس أو نوابه من عضوية المكتب أو المجلس. وتبت المحكمة في الطلب داخل أجل لا يتعدى شهرا من تاريخ توصلها بالإحالة تحت طائلة توقيف المُطَالَب بعزلهم من ممارسة مهامهم إلى حين البت في طلب العزل. ولا تحول إحالة الأمر إلى المحكمة الادارية دون المتابعات القضائية، عند الاقتضاء، أي إتاحة إمكانية اللجوء إلى محكمة جرائم الأموال. فالقراءة الدقيقة للمادة 64، تشير إلى امكانية لجوء العامل في طلبه لعزل الأعضاء المرتكبين لخروقات قانونية من مكتب المجلس فقط، او من المجلس ككل، أي التجريد النهائي من العضوية، وهو الأمر الذي استقر إليه الوكيل القضائي للمملكة في حالة سليمان حوليش، حيث طالب في مقاله بعزل المذكور من مهام رئاسة وعضوية مجلس جماعة الناظور، ما يعني إبعاده نهائيا وتعويضه بالمرشح الذي يليه في لائحة الأصالة والمعاصرة، في حالة تأييد المحكمة للتهم الموجهة للمعني بالأمر. وسيسري الإجراء نفسه في حق كل من علال فارس النائب الثالث لرئيس جماعة الناظور، و النائب الرابع حسين أوحلي، اللذان ارتكبا حسب تقرير اللجنة التابعة للمفتشية المركزية للإدارة الترابية، خروقات قانونية تتمثل في منح شواهد إدارية تهم مجال التعمير عبارة عن رخص للسكن وقرارات لغرض التحفيظ قصد تمكين أصحاب بعض العقارات من استغلال بنايات شيدت بطرق غير قانونية وتسوية وضعيتها العقارية...إلخ، دون احترام المقتضيات الجاري بها العمل. التوقيف عن ممارسة المهام وحل مكتب المجلس يعتبر القانون التنظيمي للجماعات، أي عضو أحيل ملفه على المحكمة الإدارية في إطار المادة 64، موقوفا عن ممارسة مهامه إلى حين البت في طلب العزل، أي إلى غاية سلك هذا الأخير لجميع مراحل التقاضي، ما يعني أن قبول عزل حوليش ونائبيه من عدمه، لن يغير في المسطرة المتبعة أي شيء إلا بعد صدور حكم نهائي يدين المعنيين أو يبرئهم. وذهبت المادة 71 إلى اعتبار إقالة الرئيس أو عزله من مهامه، سببا كافيا لحل مكتب المجلس، ويترتب عن ذلك إعادة انتخاب مكتب جديد (الرئيس ونوابه)، يصوت عليه الأعضاء المشكلون لمجلس الجماعة من ضمن وكلاء اللوائح المحققين للمراتب الخمس الاولى في الانتخابات الجماعية. ويتم انتخاب مكتب المجلس، بعد تعويض الأعضاء الذين جرى عزلهم، وفي حالة الناظور فإن المجلس الجماعي سيعرف إذا ما قضت المحكمة بقبول طلب الوكيل القضائي للمملكة، تعويض سليمان حوليش و الحسين أوحلي بالمرشحين اللذان يليان اخر فائز في اللائحة والحامل للرقم 14، وذلك من أجل استعادة الحزب لعدد المقاعد المتحصل عليها برسم اخر عملية انتخابية عرفتها الجماعة. نفس العملية، ستطرأ على لائحة حزب العدالة والتنمية، لكونها مهددة بفقدان عضوية علال فارس، وسيعوض هذا الأخير إذا ما تم عزله من طرف القضاء، العضو الذي يلي المترشح رقم 5 في لائحة "المصباح" ويتعلق الأمر بالعضو البرلماني فاروق الطاهري المرتب سادسا في اللائحة المذكورة، ليكتمل بذلك العدد القانوني لأعضاء جماعة الناظور والبالغ 43 مستشارا ومستشارة موزعين على أربع لوائح 16 منهم ينتمون للأصالة والمعاصرة، و13 للحركة الشعبية، 8 للتجمع الوطني للأحرار و 6 للعدالة والتنمية. الترشح للرئاسة وتشكيل مكتب جديد حينما لجأ المشرع في الباب الثالث من القانون التنظيمي للجماعات المخصص للنظام الأساسي للمنتخب، إلى حل مكتب المجلس في مجموعة من الحالات وإعادة انتخاب مكتب جديد، فإنه لم يقصد بذلك تنظيم انتخابات سابقة لأوانها أو تكميلية يشارك فيها الناخبون بالتصويت المباشر، لاسيما في الجماعات التي تنظم فيها الاستحقاقات عن طريق الاقتراع باللائحة كجماعة الناظور التي تدخل في هذا الإطار، حيث إذا ما تم الحكم بإدانة رئيس المجلس ونائبيه، فإن باقي أعضاء المجلس الجماعي إضافة إلى المستشارين الثلاثة الذين سينضافون إليهم سيكونون أمام مرحلة ثانية تتعلق بانتخاب رئيس جديد و 8 من نوابه وكاتب المجلس ونائبه، وهذا ما يقصده القانون بالمكتب. ويتعين على الراغبين في الترشح لمنصب رئيس مجلس الجماعة، ان تتوفر فيهم مجموعة من الشروط أوردتها صراحة المادة 11 من القانون التنظيمي، وأولاها أن يكون المترشح للرئاسة من بين الاحزاب الحاصلة على المراتب الخمس الاولى بناء على مجموع المقاعد المحصل عليها، ما يعني ان جميع اللوائح الفائزة بالناظور من حق وكلائها الترشح لكونها أربعة فقط والمشرع يمنح هذا الحق للخمسة الاوائل. ومن ضمن شروط الترشح الأخرى للرئاسة، فإن المادة المذكورة تفرض على الراغب في التنافس على منصب الرئاسة الحصول على تزكية الحزب الذي ينتمي إليه، ويتعلق الامر هنا بالمرتبين على رأس لوائح الترشيح التي فازت بمقاعد داخل المجلس الجماعي، وتبقى إمكانية ترشح أحد وكلاء اللوائح لرئاسة المجلس من عدمه بيد الأحزاب التي ينتمون إليها، وعدم إدلائهم بالتزكيات سيفقدهم أهلية الوصول لهذا المنصب. ويقصد برأس اللائحة، المترشح الذي يرد اسمه في المرتبة الاولى في لائحة الترشيح حسب الترتيب التسلسلي، ليبقى حلم خلافة حوليش محدودا بين وكلاء لوائح الأحزاب الأربعة الفائزة في جزئيها الاول والثاني (النسائية)، وباقي الاعضاء يحق لهم الترشح لمنصب النواب وكاتب المجلس ونائبه. آثار إحالة ملف حوليش على المحكمة و عزله تبقى من الناحية القانونية إحالة ملف سليمان حوليش بصفته عضوا في المجلس الجماعي للناظور ورئيسا له، من ضمن الخطوات التي تعزز المبدأ الدستوري ربط المسؤولية بالمحاسبة، فالمذكور ارتكب خروقات قانونية رصدها تقرير مفتشية وزارة الداخلية ووصفها الوكيل القضائي للمملكة في طلب العزل الذي تقدم به للمحكمة الإدارية ب "الخطيرة و الجسيمة"، لكن السؤال الذي طرح في هذا الإطار تعلق بالجهة أو الشخص الذي سيتولى إدارة شؤون جماعة الناظور بعد توقيف المعني بالامر عن مهامه، وذلك حفاظ على استمرارية المرفق العام، وطبيعة الممارسة أفرزت اسم عبد القادر مقدم بصفته نائبا أولا للرئيس والذي سيتولى تدبير هذه المرحلة إلى غاية بت القضاء في طلب العزل. وبالرغم من أن المشرع صمت في هذا الإطار، ولم يحدد الجهة التي ستتولى تدبير شؤون الجماعة في حالة توقيف رئيسها عن ممارسة مهامه، ولأن الجماعة مؤسسة منتخبة فيها أعضاء يمارسون مهامهم عن طريق التصويت في الدورات، فقد أفضت الممارسة إلى إبلاغ النائب الأول من طرف سلطة الرقابة بقيامه مقام الرئيس، وذلك لكون هذه المهام يمارسها بشكل طبيعي في حالة غياب الرئيس أو مرضه، باستثناء الصلاحيات التي يتم تفويتها إليه عن طريق قرار عاملي يبلغ من خلاله باقي المؤسسات لاسيما الخازن والقابض الإقليميين حتى يتسنى الحفاظ على المعاملات الإدارية المتعلقة بالشؤون المالية للجماعة وصرف أجور الموظفين والتأشير على ما تبقى من ميزانية التسيير والتجهيز. ولكون التوقيف مرحلي ومحدد بحيز زمني أوضحه القانون، فإن البت في الطلب من خلال جميع مراحل التقاضي المعروفة، وما يليها من الإجراءات الإدارية بعد العزل، والمتعلقة بتعيين لجنة خاصة لتولي تصريف الاعمال في أجل أقصاه 15 يوما، واعادة انتخاب مكتب جديد، سيسقط الجماعة في إهدار جزء من زمن الولاية الانتخابية، إذ سيصبح المكتب الجديد أمام سنة ونصف أو أقل بالنظر إلى اقتراب موعد الانتخابات الجماعية في 2021، لن تمكنه من إبداع وابتكار برامج جديدة والبحث عن الموارد المالية بناء على شراكات مع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، ليظل في الاخير مجلسا مجبرا على تنفيذ الحد الأدنى من المقررات التي صودق عليها في الدورات السابقة. ولتجاوز هذا التأخير، فقد لجأ القضاء الإداري سابقا، في إصداره لحكم يتعلق بعزل رئيس إحدى الجماعات، إلى ترتيب الآثار القانونية على ذلك مع النفاذ المعجل، معللا بأن عزل المطلوب من مهامه يترتب عنه توقيفه إلى حين البت نهائيا في القضية، وفقا للفقرة ما قبل الاخيرة من المادة 64، يأتي تجاوزا لما سيؤدي إليه ورود الفراغ على مستوى منصب رئاسة مجلس الجماعة علما ان المادة المذكورة لم تحدد آليات تجاوز هذا الفراغ ومن ثم فإن استمرار هذه الوضعية خلال الفترة اللاحقة على الحكم وإلى حين صيرورته نهائيا، ستنتج عنه حتما مساوئ لا يمكنها إلا ان تؤثر سلبا على السير الحسن للمجلس نتيجة عدم إمكانية انتخاب خلف للرئيس الموقوف. وعودة لسليمان حوليش، فيعتبر عزله من عضوية ورئاسة جماعة الناظور، قرارا سيفقده أيضا عضوية مؤسسة التعاون بين الجماعات الناظور الكبرى، لكون دخوله لهذه المؤسسة المنتخبة كان عن طريق الاقتراع غير المباشر يشارك فيه أعضاء المجالس الجماعية المنتمين للإقليم، وفي المقابل لن يؤثر ذلك على عضويته في مجلس الجهة ومجلس النواب، إلا إذا ما تمت إحالة ملفه على المحكمة الزجرية وصدر في حقه حكم يقضي بعدم أهليته الانتخابية. نقطة ضوء.. يبقى قرار عامل الإقليم، إيجابيا بالرغم من كل ما قد يقال عنه من الناحية السياسية أو القانونية، لكونه يأتي في وقت يعرف جدلا واسعا حول محاسبة المسؤولين، وهو ما طبقه انطلاقا من الصلاحيات التي يتوفر عليها وتفعيلا للفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور، وإن عزل حوليش ونائبيه أو أعيدوا إلى منصبهم بناء على حكم يدينهم أو يبرئهم، فإن ذلك لا يشكل أي عيب لكون طلب العزل يعكس بادرة حسنة تأتي في سياقات عدة و يجب أن تتكرر لأن الهدف من المحاسبة لا يعني دائما البحث عن توريط المسؤولين والزج بهم في السجون نتيجة ارتكابهم لمخالفات مادية أو اختلالات في المهام، بل ينصرف إلى جوانب أخرى سياسية واقتصادية واجتماعية تخلف أثارا ستساهم مستقبلا في تقويم سلوك المنتخبين الفاسدين ودق جرس الانذار في آذانهم للقيام بواجبهم في احترام تام لأخلاقيات المرفق العمومي، وهذه البادرة ان تكررت ستكون من ضمن أبرز الآليات التي ستحسن من صورة وسمعة المجالس المنتخبة وتعيد الثقة للمواطن في العملية الانتخابية.