توطئة في إطار فعاليات المهرجان الجهوي الثامن لمسرح الشباب، عُرضت بالمركب الثقافي بالناظور يوم 04 مارس 2011 المسرحية الأمازيغية" اعيش أباغور: فليعش باغور"،لنادي مسرح الشباب بأزغنغان، وهي مسرحية من تأليف الأستاذ عبد الواحد عرجوني، ومن إخراج جماعي للنادي. تستند المسرحية على حكاية أمازيغية متداولة في الريف، مرتبطة أساسا بقلعة "ثازوضا" التاريخية، وبحاكمها المستبد المسمى"باغور"، الذي عاث في هذه القلعة فسادا وسام أناسها الذل والهوان حتى تم التخلص منه، وهي من الحكايات الشعبية الرائجة في المنطقة، تتداولها الألسن، وترويها الجدات ، حتى غدا باغور في المخيال الشعبي الأمازيغي رمزا لكل ظالم مستبد. ولمزيد من الاطلاع يُرجع في هذا الصدد إلى الكتاب القيم لكل من يوسف السعيدي وعبد الوهاب برومي الموسوم ب" إقليم كرت: التاريخ والثقافة"، وهو كتاب يشير إلى هذه الحكاية الشعبية ويسرد متنها كما هي متداولة لدى الساكنة المتاخمة لقلعة ثازوضا المندثرة، كما يحاول الكتاب أن يربط الحكاية بسياقها التاريخي، وعرض الاسم الحقيقي أو المرجّح للحاكم "باغور". فما هي أهم القيم الفكرية والجمالية التي دافعت عنها المسرحية؟ وإلى أي حد استطاعت أن تقدم فرجة مقنعة ومتناغمة، لا سيما وأن الجو الطاغي على المهرجان هو جو التباري وفرض الذات؟ المكونات الفكرية تبدأ المسرحية أحداثها انطلاقا من بروز شخصية الراوي الذي يظهر على الركح، ساردا حكاية "باغور"، إذ يُقرّ أنه لا يعرف من أين سيبدأ هذه الحكاية، نظرا لتشابكها، ولكونها مدونة في ورقة قابعة في أحد الصناديق المسيّجة بالقضبان. وهو الأمر الذي دفع به إلى كسرها، ومن ثم إماطة اللثام عن الحكاية، ونفض غبار النسيان الذي علق بها، وكأن هذه الحكاية، وهذا التاريخ الذي ترويه أُريد له أن يبقى مُغيّبا ومحاصَرا. وبانتشال الورقة من غَيّابة سجنها، تبدأ أحداث المسرحية، ويُصرّح الراوي أنه أفلح في التوصل إلى بداية الحكاية، وإن كان لا يدري في أي خانة سيصنفها: هل تنتمي فعلا إلى حقل الحكاية(ثحاجيت)، أم إلى القصة (ثقصيصت)، أم إلى التراث (أمزروي). والظاهر أن الراوي بهذا أراد أن يقول إن أحداث هذه المسرحية منفلتة عن قضية التجنيس، ولا يمكن أن يختزلها الفن عموما، وهي أكبر من التراث على رحابته، فهي الواقع نفسه في أبعاده المختلفة وأزمنته المتداخلة. فالمسرحية تشعرنا بأنه لا يوجد فصل بين الوهم والحقيقة، أو العام والخاص. تُظهر لنا المسرحية شخصية باغور محمولا على كرسي، يسبقه حراسه ممتشقين سيوفهم، وجاريته تحمل مروحة تذُبُّ عنه، لتبدأ طقوس التقديس المرفوقة بالموسيقى والرقصات الاستعراضية. وهكذا يتم إضفاء هالة من التعظيم على باغور شأنه في ذلك شأن كل المستبدين. وبعد مشهد تقديم (الحاكم/ باغور) تنتقل بنا المسرحية إلى مشهد آخر، إذ على نقرات طبل المنادي أو البرّاح، الذي هو شخص الراوي نفسه المتقمص لأكثر من دور، ينادي أناس "ثازوضا" حاثا إياهم على الحضور واستقبال الحاكم في لهجة متوعدة، وإلا فإن أي غائب أو ممتنع عن الانصياع للنداء سيكون مُلْزما بأداء غرامة. وأثناء حضور سكان "ثازوضا" أمام مجلس باغور، يقوم بمخاطبتهم مبجّلا نفسه، ومبينا أنه (الكبير، والعارف، والفاهم، والملك،...)، لذا فإنه يخلص إلى أن "ثازوضا" تُخْتزل في باغور، والعكس صحيح. فالحاكم هنا محيط بالمكان، كما أن المكان دال عليه ضرورة، أي أن العلاقة وجودية بينهما، في حين أن الآخرين(الرعية) هامشية وتقوم على خدمتهما، لا سيما وأن باغور يُجْبِر كل شهر فردا من أقوى أفراد القلعة على حمله، واستعماله مطية يمتطيها ويجول بها البلاد، وليس هناك منزلة أعظم من هذه في العبودية والإذلال، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل سيختار إحدى حسناوات القلعة ويتزوجها عنوة. وهذا ما سيخلف استياء عارما، وصدمة قوية لأم الفتاة التي ناشدت السكان تخليص ابنتها من المستبد الذي يفعل ما يريد دون رادع له، ويبطش برعيته كيفما يشاء. ولقد أضفت المسرحية على شخصية باغور طابعا كاريكاتوريا، فغالبا ما لا يحسن الكلام والتعبير عن حاجياته، وهو الدور الذي يضطلع به خادمه/ حاجبه نيابة عنه، وهو ما يدفعه إلى اللجوء إلى لغة الإشارات والإيماءات. ويتأزم الوضع أكثر بتزوج باغور بالحسناء، وإقامة الطقوس الاحتفالية، وانخراط الرعية في الرقص والغناء بأهازيج محلية ومعبرة(رالا بويا). وفي الوقت الذي اعتقد فيه الكل ألا أحد بإمكانه أن يقف في وجه سلطة الحاكم القاهرة، سيظهر أخ الفتاة"أهمّار" حاملا سيفا يريد الثأر لأخته، ويسعى لقتل المستبد، وهكذا يدخل في عراك معه. وفي الأخير يتمكن من غلبه، إلا أنه لم يقتله بل سيأسره، لنرى مشهدا آخر، وهو مشهد قبوع الحاكم "باغور" وراء القضبان ومحاكمته وتذكيره بجرائمه المروعة والماحقة في حق شعبه. وسيتم التركيز في هذه المسرحية على أجواء المحاكمة الجماهيرية للحاكم، ليصبح الشعار المتردد في أرجاء الركح (الموت لباغور)، وهو شعار يردده كل سكان "ثازوضا" الحاملين لمعاولهم ولآلياتهم الفلاحية، وهذا يدل على أن رفض الحاكم لم يكن من قبل شخص واحد بل من طرف رعية بأكملها. و"أهمار" ما هو إلا الشرارة الأولى التي تصدت للطاغية، الذي كان عقابه المستحق في الأخير هو الإعدام شنقا جزاء لما اقترفته يداه. ويظهر الراوي من جديد خاتما هذه الحكاية ومشيدا بها، مشعرا الجمهور أنهم بصدد تتبع أحداث حكاية غناها المغنون وتواترت خلفا عن سلف. فالمسرحية دائرية تبتدئ من حيث تنتهي وتنتهي من حيث تبدأ. كما أنها تبدأ بالقضبان وتنتهي بالقضبان. فالقضبان الأولى منصوبة حول الحكاية، لكنها صغيرة وقابلة للتحطيم أمام عظمة الحكاية وقوتها، وغير قابليتها للمصادرة. أما القضبان الأخرى المحاطة بالحاكم، فهي تمثل سطوة الزمن نفسه أمام زهق الباطل، وهي النهاية الحتمية للظالم وغلبة الخير للشر. فالقضبان الأولى شاذة مثل لبنة وُضِعت في غير مكانها، في حين أن القضبان الثانية طبيعية واحتوت من هو أجدر بالاحتواء داخلها كلبنة أُرْجعت إلى مكانها الأصلي. ولعل ثنائية الحياة والموت من الثنائيات المهمة في هذه المسرحية، وهذا ما ترسخه منذ الوهلة الأولى عتبة العنوان الموسوم ب" فليعش باغور". فالمسرحية تؤسس لغواية تستفز المتلقي، وتشي بشخصية بطلها، داعية له بالدميمومة والاستمرارية، ولكن في الوقت نفسه يبقى العنوان منفتحا على نقيض المعنى الظاهري الذي يشير إليه، وكأن هذه الدعوة للحياة والمجد لباغور الطاغي قدْحٌ ونفي لها. والعنوان يضمر تتمة له، أو فراغا يتطلب ملأه من قبيل"فليعش باغور مادامت رعيته ميتة"، الذي استحال فيما بعد وبالملموس ومن خلال تطور أحداث المسرحية " فليمت باغور مادامت رعيته حية". فهاتان الحالتان أضفتا على المسرحية صراعا دراميا محتدما. المكونات الجمالية بالقدر الذي كانت فيه المسرحية طافحة بقضايا فكرية وسياسية (الارتباط بالأرض، رفض الاستبداد، الدعوة إلى المقاومة،...) كانت كذلك تعج بعدة تقنيات وأساليب جمالية وفنية، فكل شكل يحمل في جوفه مضمونه كما يقال. فالبناء المعماري للمسرحية يبدأ بالبرولوغ (الاستهلال)، وهو ما مثله الراوي بتقديمه للأحداث، وكشفه عن الحكاية الشعبية باعتبارها مرجعية للانطلاق، ومادة للتمسرح. كما ينتهي ب إبيلوغ(الخاتمة)، الذي هو عبارة عن خطاب إجمالي، يبين الخط النهائي الذي آلت إليه المسرحية، ولقد قام بهذا الدور أيضا الراوي، الذي أنهى حكايته وأشاد بها. أما أحداث المسرحية التي هي عبارة عن مشاهد متداخلة، فهي متسلسلة بشكل غير متقطع، لا زمنيا ولا مكانيا، ودون خرق للوحدات الثلاث (الزمن، المكان، الحدث). فالأحداث تتطور عارضة المشكل في البداية، ثم تأزيمه وتذليل العقبات بعد ذلك. فالحبكة متسلسلة تسلسلا منطقيا (عرض أفعال إنسانية، ظهور أزمة وتطورها، الدخول في صراعات نفسية ومادية ، حلول لهذه الأزمة وانتفاء للصراع بغلبة طرف على آخر). فبخصوص وحدة الفعل نجد المسرحية تتحكم فيها قصة أو حكاية واحدة من غير مضاعفة للأفعال أو تطعيمها بحكايات أخرى جانبية. وبتمعننا في وحدة المكان نلاحظ أن شخصيات المسرحية غالبا ما تتحرك في مكان واحد وهو فضاء القلعة أو باحتها، ودونما إحالة إلى أمكنة أخرى ولو على مستوى التلفظ أو الإشارة. ففي فناء القلعة دارت معظم الأحداث، ويرى الدارسون أنه عندما يتعلق الأمر بفضاء مفتوح وساكن للقلعة أو القصر فإنه يشكل مكانا مثاليا لكشف الأسرار الخاصة والعامة وإفشاء الحقائق، وهذا ما وقع مع باغور وفضائحه إزاء شعبه. أما وحدة زمن المسرحية، فهو زمن لصيق بالحكاية وأحداثها ومرجعيتها التاريخية إبان قيام فترة حكم خاص بحيز جغرافي يطلق عليه "ثازوضا"، منفلت وثائر عن الحكم المركزي في المغرب آنذاك. وزمن الحكاية مرتبط بفترة حكم "باغور" الاستبدادي ذي الطابع الأسطوري. لكن رغم محدودية زمن المسرحية، فإن أحداثها قابلة للتعميم، لأن الاستبداد واحد، والشخصيات الطاغية تتكرر في جميع الأزمنة. فكما هو معلوم فالارتداد إلى الزمن الماضي (توظيف التراث) ليس غاية في حد ذاته، وإنما هو وسيلة لربط الماضي بالحاضر، وطرح قضايا معاصرة في قالب تاريخي. ولقد سعت المسرحية إلى توظيف ديكور مرن يحدد موقع الأحداث ومنطقة الأداء دون بذخ أو التزام بالدقة التاريخية بكل تفاصيلها. فالديكور عبارة عن ستارة معلقة في فوندو الخشبة مرسوم عليها القلعة بأسوارها والتضاريس المحيطة بها، فهي اقرب إلى اللوحة التشكيلية، لذا فإن فعل الدخول والخروج لم يكن يأتي من هذه الستارة/الحاجز، أو من أحد أيقوناتها المشيرة إلى منافذ وأبواب معينة، بل كان في الغالب الأعم آتيا من يمين أو يسار الخشبة. وهذا ما يجعلنا نعتقد أن الديكور الموظف في هذه المسرحية والدال على المكان يحيل إلى فضاء كلي، ذي طابع محايد وقابل للتعميم. كما أن هذا الديكور مركب ومتعدد الوظائف، إذ تم طََوْي هذا الستار الحاجز وتحويله إلى سجن وُضِع فيه في نهاية المسرحية المستبد(باغور). هذا فضلا عن ديكور آخر ظرفي ومتنقل، وهو مرتبط بالمهمات المسرحية، لكنه جد مهم ومعبر. فالإعدام يستلزم أدوات لذلك (المشنقة)، والعراك يقتضي (السيوف). وعلى العموم فإننا يمكن أن نميز بين صنفين من هذه الأدوات: أدوات في خدمة باغور وتسعى إلى تمجيده من قبيل(الكرسي، الطبل، المزمار، المروحة، القفة، الكيس،...)، وأدوات قوضت أركان قلعته وعجلت بنهايته من مثل( السيف، السجن، المشنقة،...). ولأن المسرحية تحمل تكثيفا دراميا وصراعا بين الخير والشر، فإنها ميزتها حركات متنوعة، يمكن تلخيصها في الآتي: - حركات إيمائية إشارية دون تلفّظ مصاحب، في مشهد باغور مع حاشيته، وهو مشهد أقرب إلى البانتوميم، حيث نابت حركات الممثلين عن الكلام، ولعبهم كان صامتا لكن معبرا. - حركات القتال والعراك في مشهد المبارزة بالسيوف بين "باغور" و"أهمار". - حركات راقصة تعتمد على بلاغة الجسد، باعتباره نصا دراميا موحيا، وله قدرة كبيرة على التواصل وتحقيق المتعة للجمهور. والحقيقة أن الجانب الكوريغرافي الراقص والمتماهي مع الموسيقى كان حاضرا منذ بداية المسرحية. ولقد تجلى هذا في الحاشية المرافقة للحاكم التي مارست طقوسا راقصة بالسيوف بشكل متناغم، وتَرسّخ أكثر في الرقصات المصحوبة لأهازيج (رالا بويا) التراثية، أثناء الاحتفال بعرس باغور، وهي رقصات جماعية مؤثرة تَجاوب معها الجمهور كثيرا. - حركات عادية(التعبير المادي المحسوس للجسم)، المركونة إلى نظام من الدلالات والإشارات البدنية والصوتية المتبادلة بين الممثلين، وهي متنوعة نقتصر على اثنتين منهما: - حركات خاضعة تدل على الخنوع كالانحناء والتقهقر، وتنم عن تبجيل شخص، كما وقع مع الطاغية باغور، إذ تنْحني له حاشيته وتحمله على الأكتاف. - حركات متسيّدة، تدل على السيطرة والجبروت، وهي حركات باغور نفسه، وإن كان طرأ تغيير على طبيعتها في نهاية المسرحية، نتيجة تطور الأحداث وانعطافها، فأصبحنا أمام جدلية السيطرة والخضوع، "فباغور" يتحول من متسلط متسيد إلى قابع في السجن، جاثم على ركبتيه، وخانع مطوق بحبل مشنقة. لا يمكن أن تكون الحركات متطورة وجلية دون تطور موازي في أساليب الإضاءة وتنوعها، أو التقليص من مساحة الخشبة دون استعمال الإضاءة والتركيز على منطقة معينة بتصغير دائرة الضوء، كما أن سرعة الإضاءة المصاحبة لمختلف أنواع الحركات، من أنجع مكونات العرض المسرحي في تشكيل الإيقاع الدرامي. إلا أن الملاحظ في هذه المسرحية أن الإضاءة كانت في مجملها ثابتة، ولم تعرف تنويعا في الألوان، أو تحوّلا في درجتها وقوتها حسب الحالة الانفعالية والشعورية للممثلين، فهي لم تتوَلّ التعليق على الأحداث، فانحصرت مهمتها في الانتقال من مشهد لآخر عن طريق الإظلام والإنارة. أما الموسيقى التصويرية فكانت متنوعة، وجعلت المتلقي في بعض الأحيان مشاركا في العرض/الحفل، خاصة عندما يتعلق الأمر بالموسيقى الراقصة. وفي هذا الصدد وظفت المسرحية أغاني جاهزة محاولة التوفيق بين الموقف والموسيقى المصاحبة، والاعتماد على توليفات فرجوية وإبراز العنصر الجمالي من منظور سمعي. ثمة ملاحظتان جانبيتان لا بد من إبدائهما ونحن نتابع هذه المسرحية: الأولى تتعلق بالممثل الذي أدى دور "باغور"، فالظاهر أنه ينقصه في بعض الأحيان التعبير بملامح الوجه، سواء وهو ثاوٍ على كرسيه، أو وهو يجوب الركح. إذ لا نجد تنغيما كبيرا فيها حسب تبدل المواقف. فهي شخصية نمطية في تعبيراتها، ولم تتجاوب كثيرا مع تطور الأحداث نفسيا وجسديا. الثانية ترتبط بالتركيب الدرامي الذي كان مُتقنا، وعرفت أحداثه وتيرة تصاعدية ومتنامية عضويا، ولكن مع ذلك وفي اعتقادي الشخصي، فإن مشهد المواجهة بين "أهمار" و"باغور" قصير جدا، وتم القفز عليه بسرعة، وهو بؤرة المسرحية، وتحولها نحو مصير آخر، فكان من الأفضل أن يدوم دراميا أكثر، ويمتد هذا الصراع على مستوى المواجهة اللفظية، وتذكير "باغور" بمجازره في هذه المواجهة، أي يجب أن يكون هناك تراشق كلامي بين الشخصين لينتهي الأمر بالمبارزة، وليس تأجيل ذلك إلى مشهد المحاكمة. وهذا أكيد أنه كان سيجذب المتلقي أكثر لأنه يخلق عنده ما يسمى في اللغة المسرحية بالتوتر، ويجعله يتوقع نهاية معينة أو يتمناها، والتوتر الدرامي الناجح هو الذي يتعلق بتفاصيل الأحداث وليس بالنهاية. الخاتمة تمثل مسرحية "اعيش أباغور" تجربة جرّيئة ومتميزة في التعامل مع التراث،جماليا ودلاليا، إذ ارتدّت إلى الذاكرة الشعبية الأمازيغية وتمكنت من استثمار لحظاتها المشرقة وصفحاتها الخالدة، مركزة على قيمة الإنسان الامازيغي التائق إلى الحرية والرافض للظلم، مبينة خصوصيته وتقاليده. ورسمت المسرحية في تقديمها للأحداث خطا واقعيا وواضحا لم يركن إلى أي انزياح دلالي، ولم تعمد إلى خلق صدمة أو دهشة في تغيير مسار المأثور الشعبي الذي اتكأت عليه. ولعل الرهان المهم الذي كسبته فرقة نادي مسرح الشباب بأزغنغان هو الكشف عن طاقات موهوبة تعِد بالكثير في مجال التمثيل والفرجة والإبداع عموما. وبهذا استطاعت أن تنجز عرضا ممتعا تجاوزت به حدود زمانها ومكانها المقترحين، ونجحت في جذب جمهور واسع أسَرَتْه طيلة مدة الفرجة المُقدَّمة.