"كنّا نتبوّلُ داخل الحافلة التي أقلَّتنا من شمال المغرب إلى جنوبه في ظروف صعبة تنعدمُ فيها أدنى شروط العيش..كنّا نتبول في زجاجات فارغة أو في أماكن صغيرة مخصصة لهذا الغرض. الكل كان مختنقاً داخل الحافلة وكلما دنونا نحو الجنوب إلا وزادت قوة الرائحة الصادرة من تحت الكراسي "المشققة""، يحكي مهاجر إيفواري كواليسَ عملية ترحيل مئات المهاجرين الأفارقة من مدينة الناظوروطنجة صوب الجنوب، وكان واحداً منهم. ويضيف المهاجر الإفريقي القادمُ من "بلاد العاج"، والطامحُ إلى العبور صوب أوروبا، في حديثه لمجموعة مناهضة العنصرية والدفاع عن الأجانب والمهاجرين، المعروفة اختصاراً ب Gadem: "لم يسمحوا لنا بالهبوط ونحن في الطريق، وهو ما دفع عدداً منا إلى قضاء حوائجه الطبيعية في مكانه، دون أن يبالوا بوجود الأطفال بيننا ونساء حوامل؛ وكانوا يدفعوننا كالحيوانات". ويسردُ مهاجرٌ آخر قَدِمَ هو الآخر من دول الساحل الإفريقي: "لقد ألقوا بنا في الأحراش بعيداً عن المدار الحضري، وهناك من وجد نفسهُ على بعد 52 كيلومترا من الدارالبيضاء على الطريق السريع". ويضيف هذا المهاجر الغيني: "كنا ستة، ثلاث نساء وثلاثة رجال.. مشينا لمدة أربع ساعات، من الساعة 2 صباحا حتى الساعة 6 صباحا، حتى وصلنا إلى محطة الاستراحة". ويحكي مهاجر غيني آخر تفاصيل مطاردته من قبل أحد أفراد الأمن في مدينة طنجة قائلا: "أخبرنا بأنه لا يريد أن يؤذينا..كما أخبرنا بأن فرنسا تدفع المغرب إلى طرد المهاجرين حتى لا يصلوا إلى أوروبا"، مشيرا إلى أنه فرَّ إلى الغابات المجاورة للمحطة الطرقية، وزاد: "مكثنا هناك لمدة أسبوعين. وذات يوم جاءت الشرطة بطائرة مروحية.. قاموا بتمشيط المكان.. كان هناك أكثر من 30 سيارة بالإضافة إلى شاحنات وحافلات". "هاجمت السلطات ميناء طنجة. ضربونا [...] وأصبتُ في ذراعي.. سحبوني من شعري وقالوا: لن نسمع لكم.. أنت حامل؟ من هو والده، أعتقدُ أن رجال الميناء كلهم آباء ابنك"، تقول مهاجرة غينية في بوحها لمجموعة مناهضة للعنصرية والدفاع عن الأجانب والمهاجرين، قبل أن تضيف: "لقد وصفوني بالعاهرة الحاملة لفيروس الإيدز.. ضربوني، أهانوني، وواحد من رجال الشرطة اقترب من فمي وبصق عليَّ وخاطبني بأبشع النعوت". وتشير تقديرات موقع "ميدل إيست" إلى أنه جرى اعتقال أزيد من 6500 مهاجر بين يوليوز وشتنبر، معظمهم من جنوب الصحراء الكبرى، نزحوا قسراً نحو المغرب. وتقول مجموعة مناهضة العنصرية إن "عملية الترحيل بدأت منذ شهور، لاسيما في الصيف، وشملت جميع أنحاء إقليمالناظوروطنجة". وبالنظر إلى أن الاعتقالات كانت جماعية، فإن المجموعة تقدّر أن يكون معدل الاعتقال وصلَ إلى حوالي 500 شخص في يوم أو أكثر. ويبرز المنبر ذاته أن "عمليات الاعتقال تتم خارج أي إطار قانوني، إذ لم يتم تقديم أي مذكرة توقيف أو وثيقة رسمية أخرى تثبت أن هذه العمليات جزء من تحقيق قضائي وأنها تشملُ الأشخاص المستهدفين بهذه الاعتقالات خلال عمليات إنفاذ القانون". وقالت مجموعة مناهضة العنصرية وفقا لما نقله "ميدل إيست" إن "طالبي اللجوء المسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) جرى اعتقال بعض منهم أيضا؛ كما جرى اعتقال بعض المهاجرين رغم أن لهم تأشيرات دخول، وتم نقلهم إلى الجنوب"، مشيرة إلى أن "هذه العمليات يمكن وصفها بأنها تمييزية لأنها تستهدف فقط الأجانب السود بغض النظر عن وضعهم القانوني، دون مبرر أو أساس". ويقول مهاجر إيفواري أيضاً إنه بمجرد وصوله إلى مركز الشرطة رأى شخصاً ملقى على الأرض، قال إنه مريض، وزاد موضحا: "كانت الشرطة تضربه وتطلب منه النهوض..كان عليه النهوض"..أما هو فأورد أنه لم يتلق أي ضربات. ويسرد المهاجر ذاته: "حاول البعض الفرار من الحافلة المتوجهة صوب الجنوب، وذلك بالقرب من القنيطرة، حيث قفز شخصان مكبلان بالأصفاد إلى بعضهما البعض؛ توفي الأول على الفور نتيجة لإصاباته في الرأس، أما الثاني فتوفي بعد يومين من الغيبوبة. وقد تم التعرف على هويتي الهالكين؛ ويتعلق بمهاجر مالي كان عمره 16 سنة فقط، وقد دفن في المغرب، والآخر كان من غامبيا".