في ظل التراجع الكبير الذي تشهده تجارب تدريس الامازيغية في المهجر و أمام غياب مبادرات فاعلة و ناجعة للسلطات الوصية سواء من داخل دول المهجر أو خارجها للاستجابة للمطالب التاريخية و المشروعة لفئة كبيرة من المواطنين المغاربة الامازيغ ، اختارت جمعية سيفاكس أحد أقدم الجمعيات النشيطة بهولندا تنظيم لقاء تعبوي لدعوة بعض الفاعلين الجمعويين والمدافعين عن الأمازيغية للمساهمة في هذه الدينامية النضالية و الوقوف على المشاكل الكبرى التي تعرفها محاولات و تجارب تدريس اللغة الأمازيغية للجالية الامازيغية المتواجدة خارج المغرب. في هذا الاطار نظمت الجمعية مساء الاحد (التاسع عشر من هذا الشهر) لقاءً حول( تدريس الأمازيغية بهولندا) حيث تم التطرق لمجموعة من القضايا التي تهم سير التدريس بشكل خاص، وتدريس الأمازيغية بشكل عام. استُدعِي لهذا اللقاء كل من الاستاد عبد الرحمان العيساتي، أستاذ اللسانيات الاجتماعية من جامعة تيلبورخ ومدير أول قناة تلفزية ناطقة بأمازيغية الريف, والاستاد سعيد السنوسي فاعل جمعوي باحث مهتم بالامازيغية خاصة في الجانب المتعلق ببرامج الكمبيوتر. والمفاجئة التي عرفها هذا اللقاء هو تواجد و حضور الاستاد محمد صلو عن المعهد الملكي للثقافة الامازيغية حاملا رسالة تشارك وتعاون من المعهد..ومجموعة من الاصدارات لصالح الجمعبة ممثلة في بعض الكتب والقصص وقرص مدمج ... افتُتح اللقاء بكلمة لرئيس الجمعية مرحبا بالحضور ومذكرا من خلالها بالسياق الذي يندرج فيه هذا اللقاء, وأهمية تدريس الامازيغية للأطفال والذي يدخل في أطار الحفاظ على الموروث الثقافي المغربي باعتباره أحد مكونات الهوية . فاللغة والثقافة الأمازيغيتين معرضة للانمحاء جراء سياسات الإهمال والإقصاء.و تشكل معرفتها أهم ركيزة لتحصين الذات والشخصية ، كما ان الدفاع عنها واجب كل امازيغي قبل كل شئ , لذا فهو يرى أن لكل طفل الحق في اكتساب لغته الأم و تعلمها بشكل يضمن له التواصل ، وبعد ذلك أحيلت الكلمة للاستاد صلو عن المعهد الملكي للثقافة الامازيغية حيث تناول في كلمة مقتضبة رصد المحطات التاريخية التي أسست للانطلاقة الفعلية لتدريس الأمازيغية بالمغرب والاهتمام بها باعتبارها مكونا أساسيا للهوية الوطنية مذكرا بالمحطات التي تؤرخ الى ضرورة إدماج الأمازيغية في التدريس والإعلام والإدارة كما عرج على الظهير المؤسس للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية باعتباره الجهة الوصية المكلفة بالأمازيغية، كما تطرق إلى مراحل اخرى منها التي دشنها المعهد من خلال عقد عدد من الاتفاقيات منها التي مع وزارة التربية والتكوين تهم إدخال الأمازيغية ضمن البرامج التربوية الوطنية وما تلاها من صدورعدد من المذكرات الوزارية الاخرى كما مع وزارة الاتصال والتتويج اخيرا وليس آخرا بخلق قناة امازيغية ناطقة بلسان الامازيغ. كما أوضح ايضا في معرض حديثه أن أجيالا جديدة من أصول مغربية أمازيغية ، رأت النور في بلاد المهجر، وهو ما يحتم على المغرب مسايرة هذا النمو الديموغرافي للجالية ، من خلال تقوية تعلم اللغات الام منها الامازيغية. وبالتالي السعى إلى تقوية الروابط بين "الجالية " والبلد الأم، خصوصا في ما يتعلق بحاجاتهم اللغوية والثقافية، وأضاف أن ما تقوم به الوزارة والمعهد يأتي تلبية لمطلب قديم ومستمر للمهاجرين المغاربة في الخارج، الذين طالبو ولا زال يطالبون دوما بتعلم لغتهم الأصلية، و أن العدد المتزايد للجالية المغربية، الذي تجاوز ثلاثة ملاين ونصف المليون، هو الذي حفز المغرب على حماية مصالح هذه الجالية . كما أوضح انه وعلاقة بكل ما سبق ذكره واستجابة المعهد لمطالب جمعيات المجتمع المدني خاصة الجمعيات التي تعمل في حقل الثقافة الأمازيغية، منها المتعلقة بتدريس الأمازيغية، واعتبارا من أن الجميع يعلم ان الجمعيات لاتملك الإمكانيات الكافية والضرورية للقيام بهذه العملية لوحدها سواء من حيث الموارد البشرية أوالتربوية أو من حيث الوسائل الاخرى منها البيداغوجية.. جاء رد المعهد الملكي على الرسالة التي بعثت بها جمعية سيفاكس للمعهد بتاريخ ثالث مارس من هذا العام حول موضوع:( طلب حوار حول امكانية الشراكة من أجل انتاج برامج تدريس الامازيغية بهولندا) بالايجاب وبالتالي ( وكما جاء في الرسالة) "استعداد المعهد للتعاون مع الجمعية وذلك بانتداب باحثين وكذا موافات الجمعية بمجموعة من الاصدارات". وتزامنا مع هذا اللقاء ومع جواب المعهد على رسالة/طلب الجمعية تطرق الاستاد صلو الى اتفاقية التعاون والشراكة التي تمت مؤخرا بين الوزارة المكلفة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج و المعهد الملكي للثقافة الامازيغية , والتي اتفق فيها السيد احمد بوكوس عميد المعهد والسيد محمد عامر الوزير المنتدب لدى الوزيرالأول المكلف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج على وضع الأسس الضرورية للعمل المشترك والتشاور والتنسيق قصد النهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين لدى الجاليات المغربية المقيمة بالخارج حيث سيعمل المعهد على التكوين البيداغوجي للمدرسين وتوفير الوسائل الديداكتيكية والكتب المدرسية الخاصة بتعليم اللغة والثقافة الأمازيغية، وتجهيز مكتبات المراكز الثقافية المغربية بالإصدارات والمنشورات وتقديم عروض حول الثقافة الأمازيغية وهو ما تنص عليه المادة الثانية من الاتفاقية . ومقابل ذلك( وحسب ما تنص علية المادة الثالثة من الاتفاقية) ستعمل الوزارة وتلتزم بفتح أقسام نموذجية خاصة بتعليم الأمازيغية في بعض دول المهجر بشراكة مع جمعيات مغاربة الخارج الفاعلة في مجال الحقل التربوي والتكلف بالمصاريف الخاصة بفتح هذه الأقسام،المتمثلة في أداء تعويضات للمدرسين وكراء الأقسام ودعم أنشطة الجمعيات الثقافية العامة في إطار النهوض بالثقافة الأمازيغية وتدريسها ومحو الأمية في بلدان المهجر. ومن المهام المشتركة بين المعهد والوزارة وكما جاء ذلك في المادة الرابعة من الاتفاقية فإن الطرفين سيعملان على تعليم الأمازيغية بشكل تدريجي لدى أطفال الجالية المغربية المعنية بالخارج وتنظيم أنشطة ثقافية مختلفة بدول المهحر في المسرح والشعر والموسيقى والأدب الأمازيغي. إضافة الى الإدراج المنهجي للبعد الأمازيغي في أنشطة وبرامج المراكز الثقافية المغربية التي تحدثها الوزارة ، وتنظيم تظاهرات ثقافية بأرض الوطن للتعريف بالمبدعين المغاربة المقيمين بالخارج في مجال الثقافة الامازيغة وتنظيم معارض تراثية بالخارج تعرف بالبعد الأمازيغي لحضارة وتاريخ المملكة المغربية. وآخر ما جاءت بها هذه الاتفاقية وهو ما تنص عليه المادة الخامسة والسادسة من الاتفاقية هو إحداث لجنة مشتركة دائمة يعهد إليها بتحديد التوجهات الأساسية للعمل المشترك بين الطرفين والمصادقة على مشاريع البرامج التنفيذية السنوية لهذه الاتفاقية ،وتتألف من ممثلي الطرفين وتعقد اجتماعا واحدا في السنة . كما ستتفرع عن هذه اللجنة الدائمة فرق عمل تقني مشترك بين المصالح المختصة في كل من الوزارة والمعهد، تجتمع مرتين في السنة، ويضطلع فرق العمل المشترك بإعداد مشاريع البرامج التنفيذية وتقييم تنفيذ هذه الاتفاقية واقتراح سبل تطويرها وكذا تحضير جدول أعمال اللجنة المشتركة الدائمة. وبعد كلمة الاستاد صلو( والتي لم تكن مسطرة في برنامج اللقاء) وبعد تلاوته لبعض ما جاء في بنود الاتفاقة والتي اتى بنسخة منها من المغرب ..وعلاقة بالموضوع تناول الحديث الاستاد عبدالرحمن العيساتي استاذ اللسانيات بجامعة تيلبورخ الهولندية والذي استهل حديثه بالاشارة الى انه سينكب مباشرة على الحديث عن تدريس اللغة الامازيغية وعلى السبيل الى تجويد استراتيجية تدريسها. باعتبار ان الحديث عن أي أفق سيتم تدريسها أو ما هي الحروف التي يجب استعمالها او ما شابه ذلك , فهو في نظره امور متجاوزة وتم الحسم فيها, واشار إلى ان ما يجب الفكير فيه الان والعمل عليه هو الخطوات والمراحل , وبأية وسائل ديداكتيكية...وبأية تكوينات...وبأية موارد بشرية ذات أية مواصفات سيتم من خلالها انجاز هذا المشروع الهام ؟ هي تساؤلات نقرأها في خطاب الاستاد العيساتي ويرى ان ما يساعد على الإجابة عنها هوالإصرارالجماعي على التقدم والتجارب الخصبة والانفتاح على تجارب أخرى كتجربة الاتراك والتي ادرجها في حديثه على سبيل المثال.كما أشار كذلك الى انه على الوزارات الوصية ايضا ان تكون من الناحية البيداغوجية والديداكتيكية مستعدة و مهيأة بالشكل الذي يمكن ويساعد على انطلاق ورش تدريس اللغة الأمازيغية في ظروف صحية سليمة تضمن إنجاحه، كما جاء ايضا في معرض حديثه كما عبْرَ تدخلاته أن اختلاف انتظارات وتصورات الفاعلين الأمازيغيين أنفسهم حول الامازيغية بشكل عام و تدريسها بشكل خاص، لم يساهم بدوره في التعجل بنحاح هذه التجربة كما لم يساهم ايضا في التكامل والتقارب بين الوزارة والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والفاعلين الأمازيغيين .مشيرا ان لااحد ينكر ان هناك الكثيرمن الفاعلين الذين لا يرغبون في اية علاقة مع المغرب في هذا المجال .. ولكن يجب ايضا احيانا ان يتجرد الانسان شيئا ما من ذاته للسير الى الامام واستغلال الوقت والفرص التي تتاح في افق انجاح هذه التجربة وإرساء قواعدها للاجيال القادمة.. وعلاقة بموضوع تدريس اللغة الأمازيغية والسبل والمناهج المتبعة تطرق الاستاد سعيد السنوسي فاعل جمعوي باحث مهتم بالامازيغية خاصة في الجانب المتعلق ببرامج الكمبيوتر(تطرق) الى مجموعة من المحاورالأساسية منها: التعرف على حروف تيفيناغ، التمكن من الكتابة الإملائية الأمازيغية ..كما اشار في معرض حديثه الى أن اهتمامه بهذه البرامج الامازيغية الالكترونية انطلق معه مع بداية التسعينات وبالتحديد 1994حيث تم انتاج وتوزيع مجموعة من البرامج الالكترونية تحتوي على حروف تيفيناغ وكتب أمازيغية واقراص مدمجة لتثبيت حروف تيفيناغ على الحاسوب، واقراص العاب كومبيوتر للاطفال مرفوقة بكلمات بالريفية وأناشيد وبرامج لتعليم الامازيغية خاصة الريفية للأطفال والتي وضعها رهن اشارة جمعيات فاعلة في الميدان للاستفادة منها. ثم بعد ذلك جاء الحديث عن تجربة جمعية سيفاكس في تدريس الامازيغية كتجربة نوعية في هذا المجال في هولندا وتناول الكلمة محمد همامي باسم الجمعية رصد فيها المحطات التي أسست الانطلاقة لتدريس الأمازيغية بمدينة أوتريخت التي تتواجد فيها الجمعية والاهتمام بها باعتبارها مكونا أساسيا للهوية الوطنية. ثم عرج الى الحديث عن الخطوات التي قطعها الاستعداد والتأسيس لتدريس الأمازيغية ، موضحا ان الامرلم يكن مفروشا بالورد .. كانت مشاكل وعقبات ولكن كان هناك ايضا طموح وعزيمة وهو الامر الذي لا يسمح معه التراجع أو الانتكاسة. كما أشار الى انه إضافة الى المشاكل المادية اصطدمت الجمعية ايضا بمشاكل من نوع آخر وهي غياب وسائل التواصل بين الأباء وأولياء الأمور لتحسيسهم بأهمية وجدوى تعليم اللغة الأم لأبنائهم،ومحاولة اقناعهم في تحويل الوضيفة التقليدية للغة الأمازيغية في مخيلتهم من ميدان التواصل الأسري والإجتماعي بين الافراد إلى لغة المدرسة والتعليم كلغة تحمل قيم وأفكارا قادرة على بناء الشخصية الأمازيغية . واظاف انه ورغم تلك الصعوبات والاختلالات، وهي طبيعية جدا في مثل هذه الحالات وهي صعوبات النمو واختلالات البداية ونواقص الانطلاقة، فقد تمكنت الجمعية من إرساء البنيات والارهاصات الاولى بما يلزم من المرونة والحزم في ظل إكراهات موضوعية وذاتية كثيرة اعترظت سير ونمو وتطور هذه التجربة. وعرج أخيرا الى اعتزازه لكون الجمعية التي يشرف على تدبيرها مع مجموعة من الفاعلين كانت السباقة إلى هذه التجربة /تدريس الامازيغية إثر تعاقب عقد سلسلة من الاجتماعات مع بعض الفعاليات المحلية المهتمة بالشأن الأمازيغي المنتمية منها لقطاع التربية والتعليم، كما دعا الى ضرورة العمل المشترك على جعل هذه التجربة نموذجا لنجاح تجربة تدريس هذه اللغة في أماكن أخرى من هولندا وفي كل العالم . كان هذا اللقاء فرصة للقاء بعض المعنيين بالامازيغية وبتدريسها بشكل خاص, لتقريب وجهات النظر بينهم . والوقوف على بعض النجاحات كما على مختلف العوائق التي ارتبطت بتأسيس هذه التجربة ، سواء تلك التي ترتبط من جهة بالوقع التدبيري أو بغياب آليات المصاحبة لتتبع وتقويم التجربة. كما شكل اللقاء ، فرصة جماعية للنظر في سبل السير بتدريس الامازيغية الى الامام ضمن استراتيجية مركزة تسعى إلى التفكير والتدبيرالجيد لكل الظروف المحيطة وأخذها بعين الاعتبار وتقريب المسافات بين كل الأطراف المتدخلة للتأسيس لجو من الثقة بينها في أفق رسم معالم برنامج عمل مشترك وواضح يحدد المسؤوليات والتدخلات بعيدا عن أي تلاعب سياسوي أو أديديولوجي .. كما كان للحضور الدور الاكبر في إغناء هذا اللقاء عبر نقاش جاد ومستفيض كما عَبْر إبداء آراء و تدخلات وذلك وعيا من الجميع بضرورة و أهمية اللقاء وبالتالي النهوض بميدان تدريس الامازيغية للاطفال في دول المهجر كما النهوض بالميدان الفني والثقافي ممارسة و تكوينا.. وبعد نقاشات مستفيضة لما تضمنته خطابات المشاركين والقضايا التي أثارها الحظور في كلماتهم ومقترحاتهم وناقشوها في مداخلاتهم انبثق عن هذا القاء فريق عمل مشترك يعهد إليه بتحديد التوجهات الأساسية للعمل.. والذي سيظل مفتوحا لكل الفاعلين والخبراء من مَنْ لديهم خبرة في المجال من أجل الاغناء و التطوير والسير بهذا العمل الى الامام .