* دكتور في الحقوق، باحث جامعي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سطات. ان متطلبات التنمية الاقتصادية ترتبط بتوفير الأمن والاستقرار وبقضاء مستقل يحمي حقوق المستثمرين بمناسبة معاملاتهم الاقتصادية سواء فيما بينهم أو في تعاملهم مع الدولة مما يشجع الطمأنينة في نفوسهم ويشجعهم على القيام بمزيد من الانشطة الاستثمارية،إذ من المعلوم أن رأسمال جبان كما يقال،فهو إذا ما أحس بالخوف على مصالحه يهرب الى حيث يجد الأمان،لذا كان للتركيز على أهمية دور القضاء في تحقيق التنمية ما يبرره،فهو الملاذ الأخير للمظلومين،فإذا لم يكن منصفا وعادلا عم الفساد واستشرى في جميع المجالات ،الشئ الذي يزيد العبء على المستثمرين بسبب غياب الشفافية وحرية المنافسة والمساواة والتي تشكل الشروط الجوهرية لجذب الاستثمار مما ينعكس في النهاية على سوق الشغل فتكثر البطالة،ويسود الفقر شرائح المجتمع وتتأثر في النهاية موارد الدولة وتقل المشاريع التنموية وبدل تحقيق التنمية يغرق المجتمع في ظلام التخلف. وعليه،فإن القضاء يساهم في تأطير الانشطة الاقتصادية من خلال ضبط قواعد التعامل حتى تسودها الشفافية،ومن ثم كان تحقيق التنمية رهين بمدى نجاعة المنظومة القضائية وكذا فعاليتها ونزاهتها واستقلاليتها،وقدرتها على ضمان تكافؤ الفرص والمساواة وكفالة الحقوق والحريات. لقد كانت الارادة الملكية واضحة منذ أول خطاب للعرش سنة 1999 حيث دعا جلالة الملك محمد السادس الى ترسيخ دعائم دولة القانون وجعل اصلاح منظومة العدالة من بين أولويات ورش الاصلاح الشمولي للبلاد وقد تلته مجموعة من الخطب السامية التي كانت دائما تشير الى ضرورة تعزيز مسيرة اصلاح القضاء توجت بالخطاب الملكي بمناسبة ثورة الملك والشعب بتاريخ 10/08/2009 والذي خصص لموضوع اصلاح القضاء كما أعلن جلالة الملك بمناسبة افتتاحه الدورة الاولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الثامنة عن التأسيس لمفهوم جديد لإصلاح العدالة يتمثل في جعل القضاء في خدمة المواطن والذي من بين أهدافه الاساسية أن يكون القضاء محفزا للتنمية في اطار عدالة قريبة من المتقاضين،وبسيطة وسريعة في مساطرها مع كفاءة ونزاهة وتجرد قضاتها لإصدار أحكام تقر سيادة القانون وتكفل الحقوق وترفع المظالم. ولاشك أن التعديل الدستوري الاخير يعد مدخلا أساسيا لإصلاح النظام القضائي في شكله الشمولي أو العام بإقرار القضاء كسلطة مستقلة تتساوى في المرتبة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية،وهو إقرار له رمزية كبيرة وسيكون له الأثر البالغ إذا ما تم تفعيل النصوص الدستورية المؤكدة على استقلال القضاء واستقلال القاضي بشكل يضمن تنزيل المبادئ الدستورية وتطبيقها على أرض الواقع القضائي ويحس المتقاضي بأثرها المباشر على اعتبار أن الغاية من الاستقلالية هو حفظ حق المواطن داخل مجتمع ديمقراطي للتمتع بسلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية دون أن تعني تمتيع القاضي في حد ذاته بأي امتياز. وإذا كان المستثمر الوطني أو الأجنبي يبحث دائما عن الفعالية والسرعة والأمن والثقة في كون المعاملات التجارية التي ستنفذ بوضوح وأنه في حالة وقوع نزاع بشأنها فإن هناك آليات قانونية تضمن حماية حقوقه، وعليه فإن المستثمر قبل القيام بأي مبادرة بشأن الاستثمار يبحث عن المعطيات الآتية: - الضمانات القانونية والقضائية الممنوحة للمستثمر. - القوانين المنظمة لقطاع الاستثمار - الضمانات القانونية التي تنظم الشراكة بين الفاعلين الاقتصاديين المغاربة والأجانب. - مدى انخراط المغرب في الاتفاقات الدولية المتعلقة بالاستثمار - الامتيازات التي يمنحها قانون الاستثمار للمستثمرين الأجانب سواء من حيث الإعفاءات الضريبية أو الجمركية أو رسوم التسجيل. - قانون الصرف وما يخوله للمستثمر الأجنبي من إمكانية تحويل الأموال المستثمرة والأرباح الناتجة عنها إلى الخارج. - التسهيلات التي تمنحها الدولة من أجل الاستفادة من الأراضي الواقعة في المناطق الصناعية. كما أن القضاء التجاري أصبح من أي وقت مضى مطالبا بالانفتاح على محيطه الخارجي والإطلاع على تجارب قضائية وثقافات قانونية أخرى ، رغبة في تطوير واستيعاب ميكانيزمات العمل التجاري حتى يصبح قادرا على إيجاد الحلول المناسبة لما قد يعرض عليه من منازعات تجارية تهم مجال الاستثمار ومن تم يكون فاعلا أساسيا في خلق مناخ سليم يسوده الاطمئنان والثقة والاستقرار ويشكل دعامة قوية لعملية التنمية وتشجيع ألاستثمار وحتى يقوم القضاء التجاري المتخصص بالدور المنوط به لاسيما في التحفيز على الاستثمار والمساهمة في خلق النشاطات الاقتصادية عليه أن يضمن أمن المستثمرين ويصون حقوقهم في ظل سيادة القانون واستقلال القضاء، سواء كانوا وطنين أو أجانب، إذ لا استثمار بدون ضمانات قضائية واضحة وقد عبر عن ذلك المغفور له الحسن الثاني حينما قال :"لا يمكن للمغرب أن يفتح أبوابه للمال الأجنبي، إذ ا لم يكن ذلك المال الأجنبي عارفا أنه في مأمن من الشطط أو سوء الفهم ولا أقول دائما الشطط وإنما سوء الفهم، فالقضاء أصبح أمرا ضروريا للنماء.." كما أن المنازعات الناتجة عن عقود الاستثمار تعتبر ناتجا بالضرورة عما يواكب نمو اقتصاد السوق، يستوجب فض المنازعات توفير الآليات الضرورية، حيث أنه يتعين التشجيع على الوسائل البديلة لما فيها من تخفيف العبء على القضاء التجاري ومن آثار إيجابية على توفير المناخ الملائم للاستثمار وتوفير الأمن القضائي في ميدان الاستثمار. وفي هذا الإطار اتخذت عدة تدابير تهدف إلى إصلاح الإطار القانوني والمؤسساتي للاستثمار وتشجيع المبادرة للمستثمرين المغاربة والأجانب حيث تم العمل على تحسين فرص جاذبية الاستثمار من خلال اتخاذ إجراءات اقتصادية وقانونية ومؤسساتية. إن مفهوم الاستثمار يعد مفهوما واسعا،لأنه يشمل العديد من الأنشطة المرتبطة بالجوانب الاقتصادية،والتي لا يمكن أن تتحدد طبيعتها الاستثمارية بالنظر إلى مجموعة من المعايير الأساسية،كمدة استمرار النشاط ودورية الأرباح والنتائج ومدى وجود مخاطر اقتصادية والتزامات مهمة،فضلا عن أهمية المشروع في تحقيق التنمية والتطور في الدولة المستقبلة للاستثمار. ومع تزايد اهمية الاستثمار الاجنبي المباشر وغير المباشر في عملية التنمية الوطنية للبلدان النامية من خلال تنفيذ المشاريع الحيوية وإدخال التكنولوجيا المتطورة ،فإن قضية جذب الاستثمارات اضحت من الاهمية بمكان بحيث شغلت المشرعين واستحوذت على اهتمام الباحثين، ودفعت الدول وبخاصة النامية منها ،الى بذل وسعها في سبيل تحقيق افضل السبل من اجل الوصول الى تنمية مجتمعاتها*. وبالنسبة للمغرب، فقد أصدر المشرع سنة 1995 مدونة الاستثمارات أقر من خلالها المبادئ الأساسية للامتيازات الضريبية والإدارية المقدمة للمستثمرين المحليين والأجانب وفتح عبرها المجال اللجوء إلى التحكيم في إطار اتفاقيات الاستثمار التي توقعها الحكومة المغربية. فبالإضافة إلى الضمانات الخاصة بالتشريع الوطني تمنح الدول الراغبة في جلب الاستثمارات الأجنبية للمستثمرين ضمانات قانونية دولية أهمها الاتفاقيات الثنائية للاستثمار التي تتضمن مقتضيات موضوعية وإجرائية لحماية المستثمرين والتي يفوق عددها على الصعيد العالمي 2200 اتفاقية. أهمية الاستثمار في التنمية الاقتصادية إن دور الاستثمار لا يقتصر على المساهمة في إيجاد قاعدة إنتاجية في البلد المستثمر فيه، بل أن له دور ملحوظ في مكافحة البطالة وإيجاد الفرض لتشغيل اليد العاملة والمشاركة في حل ما قد يتعرض له البلد من أزمة السكن،وذلك من خلال نشاط التعمير،علاوة على ما يحققه من توفير السلع والخدمات الأمر الذي من شأنه دفع حركة التجارة وتشجيع الصادرات،وهو ما يكسب بدوره البلد نقدا أجنبيا يعاد استثماره في التوسع في المشروعات القائمة او إنشاء مشروعات جديدة. وعموما،فإن الاستثمار يشكل ركيزة أساسية للتنمية،لأنه يشكل إضافة إلى الطاقة الانتاجية وزيادة في الثروات بما لذلك من أثر بليغ في إشباع الحاجات وتوفير الخدمات. ففي إطار العولمة،وما يعرفه العالم من تحولات سياسية واقتصادية وتكنولوجيا سريعة تحكمها قوانين العولمة الاقتصادية وضوابط التنافسية الحادة،يعتبر الاستثمار الوطني والأجنبي الرافعة الأساسية للإقلاع الاقتصادي والاجتماعي والدعامة الفعالة للتنمية البشرية. فالدولة تطالب بوضع إطار عام وبرنامج منسق للتنمية يولي الأولوية للاستثمارات وتعتبر الاستثمار منشطا أساسيا لتحريك عجلة الاقتصاد بل وتشجيع المبادرة الخاصة،وتسهيل تأسيس بنية اجتماعية تسير المبادرات الخاصة،وتبذل مجهوداتها لتوجيه الطاقات والإمكانات نحو القطاعات المنتجة اقتصاديا لتفادي المضاربة غير القانونية،وتحسين مستويات الادخار مع الحفاظ على الاستقرار المالي "النقدي" وإعادة توزيعه بشكل يضمن للدولة الاستمرار في القيام باستثمارات مهمة. علاقة القضاء بالاستثمار إن علاقة القضاء بالاستثمار واسعة ومتشعبة تشمل جل فروعه ولا تقتصر على القضاء التجاري فحسب،وإذا كان ارتباط الاستثمار بالقضاء التجاري أساسي ووثيق،فإنه مرتبط كذلك بالقضاء في المادة الإدارية،ولاسيما ما تعلق منها بالضرائب والجبايات ومرتبط أيضا بالمادة العقارية،لأن الوعاء العقاري هو مناط كل استثمار ومرتبط بالمادة الاجتماعية فيما يتعلق بقضايا الشغل وعلاقة الأجراء مع أرباب العمل ونفس الأمر بالنسبة للقضاء الجنائي فيما يتعلق بالجرائم المالية والتدابير المتعلقة بحماية المعاملات. وتعتبر السياسة الجبائية إحدى الآليات المعتمدة لتحقيق هذه الغاية، فالضريبة ليست فقط موردا أساسيا بالنسبة لميزانية الدولة بل هي أيضا أداة لتوجيه الاستثمار وتوسيع مردوديته وتحفيز الادخار . السياسات العمومية في مجال بالاستثمار إن التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يعرفها العالم، وسرعة تحرك رؤوس الأموال، تفرض على القضاء تحديد رؤيا مستقبلية تساير هذه التطورات السريعة، التي لا مناص من مواكبتها، بالبحث عن سبل جديدة لفض النزاعات التجارية ذات الارتباط الوثيق بالاستثمار، وتكون متسمة بالفاعلية والسرعة التي يتطلع إليها الفاعلون الاقتصاديون. وعلى هذا الأساس اتخذ المغرب مجموعة من التدابير الرامية إلى إصلاح الإطار القانوني والمؤسساتي للاستثمار وتشجيع المبادرة الحرة للمستثمرين المغاربة والأجانب. وقبل الحديث عن هذه التدابير لابد من التطرق إلى السياسة الملكية بخصوص توفير متطلبات المناخ الملائم للاستثمار وتطوير مستواه. السياسة الملكية إن التوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس في ميدان توفير متطلبات المناخ الملائم للاستثمار وتطوير مستواه تتمثل فيما يلي: 1. الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى الوزير الأول في موضوع التدبير اللامتمركز للاستثمار المؤرخة في 9 يناير 2002، حيث جاء في إحدى فقراتها: "وإذا كانت هذه المساطر والإجراءات التشريعية أو التنظيمية غالبا ما تكون ضرورية لأن حرية المبادرة الخاصة التي كرسها الدستور تقتضي إيجاد إطار قانوني ملزم كفيل وحده بطمأنة المستثمر وضمان مساواة الجميع أمام القانون وكذا تهييئ مناخ ملائم للمنافسة وتقليصها والحرص على أن يتم العمل بها بأكثر ما يمكن من القرب من المستثمرين..." 2. الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح السنة القضائية بتاريخ 29 يناير 2003 بأكادير الرامي إلى التشجيع على المساطر التوافقية لحل المنازعات التجارية، حيث أكد جلالة الملك محمد السادس على ضرورة "مراجعة مساطر التسوية التوافقية لما قد ينشأ من منازعات بين التجار، وذلك من خلال الإعداد السريع لمشروع قانون التحكيم التجاري الوطني والدولي ليستجيب نظامنا القضائي لمتطلبات عولمة الاقتصاد وتنافسيته ويسهم في جلب الاستثمار الأجنبي" . الإجراءات القانونية المتخذة من أجل تشجيع الاستثمار لقد تبين بوضوح في السنوات الأخيرة، أن رهان جلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة أصبح مرتبطا في عصر العولمة بمدى توافر مجموعة من المعطيات العالمية، الإقليمية والوطنية لكون الرأسمال يحتاج إلى من يحميه، لذا تبقى السياسات العامة هي العامل الرئيسي وراء جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ويقصد بذلك وجود تشريعات وقوانين ونظم وآليات تسهل مأمورية المستثمر تزيح عنه وأمامه كل العراقيل. على المستوى الاقتصادي اتخذت الدولة المغربية مجموعة من الإصلاحات التي تروم تعزيز الاستقرار الماكرو-اقتصادي، وتقوية انفتاح الاقتصاد المغربي من خلال التوقيع على العديد من اتفاقيات التبادل الحر والشراكة وكذا تعزيز إجراءات التدبير اللامتمركز للاستثمار عن طريق خلق مراكز جهوية للاستثمار، وتبسيط المساطر المتعلقة بالاستثمار من خلال إحداث الشباك الوحيد وضمان التوازنات الماكرو اقتصادية للدول قيادة السياسات العمومية المشتركة وتمويل الاستراتيجيات القطاعية دعم التنافسية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة للبلاد،وقيادة الاصلاحات الاقتصادية والمالية وتحديث البيئة الاقتصادية بشكل عام،و القيام بدور الهيئة التنظيمية لتعبئة وتوزيع وعقلنة استعمال الموارد المالية. على المستوى القانوني من أجل مواكبة التشريع الوطني المرتبط بمجال المال والأعمال عموما، والاستثمار خصوصا، فقد أقدم المشرع المغربي على إحداث ترسانة قانونية تروم تحديث النصوص القانونية وتشجيع الاستثمار، وهكذا قد تم اعتماد مدونة للاستثمار بغية تجميع مختلف القوانين القطاعية المعمول بها وكذا ميثاق للاستثمارات بمقتضى القانون الإطار رقم 95-19 يهدف إلى تحسين مناخ الاستثمار بالمغرب والرفع من جاذبيته، بالإضافة إلى مدونة جديدة للتجارة وإحداث المحاكم التجارية وقوانين الشركات التجارية، قانون المجموعات ذات النفع الاقتصادي،قانون حرية الأسعار والمنافسة،قوانين حماية الملكية الفكرية والأدبية والصناعية وقانون رقم 05-08. المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، مدونة الشغل، قانون المحاكم المالية،وكذا إعداد ميثاق للمقاولات الصغرى والمتوسطة،كما صدرت عدة قوانين ونصوص تهم الاستثمار في عدة ميادين كالجوانب الجبائية والجمركية والبنكية بمقتضى القانون رقم 03-34 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها. هذا، فضلا عن الاهتمام الكبير الذي حظيت به بعض قطاعات الاستثمار الحيوية كالمواد الطاقية والسياحة والنقل والملاحة. على المستوى المؤسساتي لقد تم العمل في هذا الصدد على إحداث لجنة وزارية لدى الوزير الأول مكلفة بمشاريع الاستثمار، وتحول صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية إلى أداة قوية لدعم الاستثمار في المغرب، كما أحدثت عدة مراكز جهوية للاستثمار، وكذا الوكالة الوطنية للتحفيظ العقاري، وغير ذلك من المؤسسات التي تهدف إلى تشجيع الاستثمار وتحفيزه. إن كل هذه المجهودات سواء على الصعيد الاقتصادي أو القانوني أو المؤسساتي تهدف إلى توفير الإطار القانوني السليم لممارسة الأعمال وضمان المناخ الملائم للاستثمار وسيادة الأمن القانوني في الحياة التجارية.