"من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا". بشعور من الألم و الحسرة وبقلوب مكلومة مؤمنة بقضاء الله و قدره ودعت ساكنة الناظور أحد رجالاتها الأفذاذ الذين وهبوا عقودا من سنوات عمرهم في خدمة الوطن، إنه الرجل الطيب و الصادق و الإنسان الخدوم الفقيد فؤاد مقدم الإبن البار للعلامة الكبير مقدم بوزيان بعد أن إختطفته يد المنون سبحانه و تعالى لينتقل إلى جوار ربه في صمت لازمه وهو الصبور القنوع حيث ظل ملتزما وفيا لمبادئه و أخلاقه التي تشبع بها منذ نعومة أظافره و شكلت علامة بارزة ميزته بين أقرانه طيلة مساره الدراسي الذي بصم فيه على سمة التفوق والجد و الحرص على إكتساب المعارف، إذ عرف المشمول برحمته بتواضعه و هدوءه و حبه للعلم الذي توجه بتخرجه بين المتفوقين من المدرسة الوطنية للإدارة العمومية بالرباط وتحلى إبان توليه لمجموعة من المهام و المسؤوليات بكثير من الجدية و الرغبة للإرتقاء بالمرفق الإداري العمومي سواء حين كان موظفا بالرباط و ميدلت و ووجدة ثم الناظور التي قضى فيها سنوات من عمره في خدمة الإدارة و جعل من رصيده و خبرته مرجعا و مكتبة نهلت منها أجيال من أطر المنطقة الذين يتذكرون أفضاله عليهم سيرا على نهج والده العالم الفاضل و الفقيه سيدي بوزيان مقدم الذي كان بدوره مدرسة في الفقه و الحكمة و التدبر. وإني في هذه اللحظة المحزنة التي أفتقد فيها أخي و رفيق دربي المرحوم فؤاد مقدم لأجد نفسي فخورا بمعايشة و ملازمة هذا الرجل سواء منذ أولى سنوات الدراسة أو على مدى سنوات طويلة تقاسمنا فيها لحظات ملؤها الجد و الإصرار لتعزيز دور المرفق الإداري و تجويده و تطويره فلن يختلف إثنان في كون الراحل ظل يشتغل بنفس عالي و بعطاء متدفق غير متأثر بمضاعفات و معاناة مرضه فاكسبه الله مناعة و قوة و عزيمة و إيمان بقدره إذ لم يكن يبارح مكتبه إلا لضرورات الواجب المهني و التزاماته ويشهد له من عرفه في جل الإدارات و القطاعات بحسن تواصله و حرصه على أن تكون الإدارة في خدمة الشعب بكل ما تعنيه المواطنة من معاني عميقة ،كما يسجل له التاريخ إنجازاته في مجال تعزيز دور الإدارة العمومية و الإرتقاء بها من خلال دعم الولوجية و الشفافية و تسهيل وتفعيل ما يجب من المساطر باعتبارها رافعة لكل تنمية وآلية لدمقرطة المرفق العمومي. وهنا لابد من الإشارة و التنويه بما قام به جهود ومبادرات همت تأهيل العنصر البشري و تمكينه من آليات العمل الإداري و تعزيز قدراته عبر دورات تكوينية و ورشات كان لها الأثر الإيجابي والعميق في المسار الوظيفي لكل من تتلمذ على يديه حيث كان واعيا بضرورة إكتساب المهارات وصقل التجارب و الإحتكاك بين الأجيال داخل الإدارة بغية تجويدها و تحقيق مردوديتها. فوداعا أيها الرجل المخلص لوطنه الشغوف بواجبه، القوي بأخلاقه و قناعاته، فقد كنت شجرة ظلالها وارفة و ثمارها متدفقة ينعم بها جميع من عرف نبل أخلاقك و طيبوبتك و و جعلت من حصيلة مسارك المهني هدية و زخم تجربتك كتابا في متناول أجيال من الأطر و الموظفين ولعل هذا ما يخفف من وطأة حزننا و وقع صدمة رحيلك لأنك رحلت جسدا دون أن ترحل فكرا و عطاءا.