سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بمناسبة الذكرى الأربعينية لوفاته: الأستاذ محمد العربي المساري أيقونة جريدة «العلم» تميز بالقدرة الفائقة على ممارسة الدقة.. المساري رجل التوافق والتدرج والصبر *الصدق في القول والإخلاص في العمل من خصال المساري
قال السفير مولاي أحمد الإدريسي الذي أدار أشغال لقاء يوم الخميس 17 شتنبر الجاري بالرباط نظمته جريدة «العلم» بتنسيق مع عائلة المساري بمناسبة الذكرى الأربعينية لرحيل رجل الفكر والحوار الصحفي والدبلوماسي الأستاذ محمد العربي المساري إنه منذ اللحظة الأولى التي علم فيها بانتقال المساري إلى جوار ربه وهو محل إشادة وإكبار وتقدير إشادة بخصاله الحميدة وإكبار لنضاله الوطني ونشاطه الفكري وتقديرا لسلامة طويته وصفاء قلبه ووفائه. وأضاف الإدريسي أن المساري كان الإنسان الذي وهب حياته خدمة لكل ما فيه مصلحة لبلاده من خلال المناصب التي تولاها والمسؤوليات السامية التي تقلدها داخل المغرب وخارجه والتي مارسها بإخلاص ونزاهة واقتدار، كما يقر بذلك كل من عرفه أو اقترب منه أو عمل بجانبه أو اشتغل تحت إمرته. وذكر أن المساري عاش عزيز النفس معتزا بتاريخ وحضارة بلاده كما كان رمزا يحتذى في التواضع والسلوك الإنساني المفعم بقيم التسامح والتعايش والتفاهم إلى جانب الثبات على المبدإ والنهج القويم مهما كانت الظروف والملابسات. وبالمناسبة ألقى الأستاذ امحمد بوستة كلمة هنأ فيها أسرة الفقيد وجريدة العلم ونوه بالمبادرة التي كانت مناسبة لثلة من معارفه وأصدقائه ليذكروا بأخلاقه الطيبة. قال الأستاذ بوستة إن المساري كان رحمه الله على نهج ما قاله الشاعر: صلاح أمرك للأخلاق مرجعه فقوم النفس بالأخلاق تستقم وهي مناسبة كذلك للتذكير بأعماله الجليلة والمفيدة والنافعة. وأكد الأستاذ بوستة أنه تعرف على المساري لما يزيد عن 50 سنة وبقي اتصاله به إلى أسبوع بل إلى يومين أو يوم واحد قبل وفاته، وكان الوفاء والإخلاص دوما يطبع أعماله التي أنيطت به والمسؤوليات التي تحملها محافظا للحزب على أخلاقه ومبادئه وأيضا في جريدة «العلم» كرئيس تحرير وكمدير مقتدر وكعضو نشيط في البرلمان وكرئيس فريق وكعضو في الحكومة وفي ميادين أخرى وفي عدة جمعيات ثقافية واتحاد الكتاب ونقابة الصحافة وفي مؤسسة علال الفاسي الذي بقي مرتبطا بها إلى الأسبوع الأخير من حياته، ورغم المرض كان يقترح موضوع الجائزة السنوية وموضوع المحاضرات والندوات وكل أنشطتها الثقافية، وأكد الأستاذ بوستة أن من خصال المساري الوفاء والتواضع والصدق في القول والإخلاص في العمل، وكان نعم المناضل ونعم الصديق ونعم الزوج ونعم الأب. وفي اللقاء ذاته تقدم الأستاذ عبد الكريم غلاب بكلمة ألقاها نيابة عنه الشاعر نجيب خداري ،قال فيها: «صاح الناعي بكلمات صارمة، صوت متهدج، حشرجة تعلوها قطرة: العربي في ذمة الله، وكأني لم أسمع قط بكلمة الموت، ولكنها لم تكن مقترنة باسم العربي إلا عندما غاب عنا محمد العربي المساري، الإنسان يأسى للموت كلما سمع عنه ولكنه حين يقترن باسم صديق عزيز تحمل الكلمة أكثر من الموت، تحمل انهيار الحياة. كان العربي من الذين يمثلون الحياة في أبهج صورها الفريدة، كان العربي بالنسبة إلينا أكثر من صديق لأنه كان جادا، مولعا بكل ما هو جديد وجاد، وكان مناضلا مع الفكر والحياة، كما لم يكن أي مناضل من قبل، وكان الباحث عن كل جديد وعن كل ما هو جدي وكل ما هو مفيد، يقدم إليك نفسه بالعمل لا بالإسم وتقرأ له لأول مرة فتشعر أنك تقرأ لعلم يبحث عن شيء». وأضاف الأستاذ عبد الكريم غلاب: «تعرفت على العربي المساري من خلال صوته في الإذاعة وبدأ يزور إدارة «العلم» دون أن يزور مكتبي حتى تقدم بمقاله الأول للعلم عن طريق المرحوم عبد الجبار السحيمي، لم يطل في تقديمه إليَّ وإنما قال إنه يكتب جيدا ومشى، قرأت المقال ودفعت به إلى المطبعة دون تردد، وأحسب أنه كان سعيدا وهو يرى اسمه في صحيفة كانت منارا للسياسيين والمثقفين، ثم كان المقال الثاني وما أحسب أني أطلت الوقت في قراءته، فجواز المرور كان عنده صالحا للعشرات، لاحظت فيما كتبه في صحف أخرى أن له نزعة معارضة، معارضة مطلقة لكل ما هو من قبيل المسلمات وحينما عرض عبد الجبار رغبة العربي في أن يلتحق بالعلم كانت إجابتي سريعة: مرحبا بالرجل...». واستطرد الأستاذ عبد الكريم غلاب قائلا: «تجلس إلى العربي تحسبه فردانيا لا اجتماعيا، لأنه يتحدث عن الإنسان بالفرد وقليلا ما يتحدث عن الناس بالجمع ولكنه يسعى إلى كل الذين يتعرفون إلى قلمه فيجتذبهم له وينجذبون إليه، فيصبح اجتماعيا بكل مفاهيم الاجتماع، ولذلك كان يهمه فيما يكتب الناس أجمعين، وليس فردا من الناس، هكذا تحول العربي من الفرداني إلى الوطني إلى الاستقلالي، تهمه قضايا ومشاكل القوم ويعتبر نفسه جزءا من الآخرين..». وأضاف المدير الأسبق لجريدة «العلم»: «والعربي في أسلوب كتابته يعتمد السهل الممتنع، تحسبه يكتب كأنما كان يتكلم، لا يصطنع أسلوبا ممتعا للقول ولا يهجر الكلمات الواضحة المتداولة ليسعى إلى كلمات مهجورة غارقة في طي النسيان، ذلك لأنه رجل عملي... لم يكن العربي منتميا سياسيا لأي حزب، كان له رأي أقرب إلى المعارضة منه إلى الإنتماء، وحينما التحق بالعلم قدم نفسه أنه غير منتم لحزب الاستقلال... وتحدث عدة مرات عن المفارقات التي كان يجدها حينما يقتبله علال الفاسي أو عبد الخالق الطريس أو أي قيادي من قياديي الحزب. يعلن له مجاهرا بأنه ليس استقلاليا... ولكنه لا يعلن في كتاباته أو أحاديثه معارضة ما لحزب الاستقلال ولعله وجد نفسه في قلب حزب الاستقلال دون أن يتهيأ لذلك حتى أصبح رئيسا لفريق الحزب في مجلس النواب. وفي كلمته بالمناسبة قال عبد الله البقالي مدير جريدة «العلم» إن يوم 23 أبريل 2012 خطفت يد المنون فارسا من الفرسان الشجعان، عبد الجبار السحيمي الذي كان إن كتب وجدت الكتابة مضمونها الحقيقي وألقت القبض على المعنى، وبينما كنا لازلنا نلملم جراحنا ونمسح دموع الألم على رحيل رجل لم يكن اسمه عبد الجبار يناسب شخصيته، فهو الوديع اللطيف، أصر القدر هذه المرة في 25 يوليوز 2015 على أن يختطف فارسا آخر من ركب الفرسان الذين صانوا الرسالة وحموا الوصية، الخبر كالصاعقة هذه المرة أيضا، محمد العربي المساري. يرحل عنا، وأضاف البقالي أن المساري تميز بالقدرة الفائقة على ممارسة الدقة وكان يطوع هذه الدقة، وكان متطرفا في التدقيق، وأصوليا في متابعة التنفيذ. وكان محترفا في المنهجية إلى درجة الذهول مطوعا لتقنيات الأرشيف لتعزيز منتوجه الصحافي والمعرفي، صحافي يعمل كمياء خاصة في كتاباته، كان رحمه الله ايقونة مؤسسة «العلم». وأكد مدير «العلم» أن: «حينما نخلد ذكرى محمد العربي المساري، فإننا نجد التأكيد مرة أخرى على أننا سنظل في «العلم» نخلد القيم والمبادئ التي سيج بها المساري أداءه في «العلم» نناصر الحق ونعادي من أجل أن يواصل المشروع الديمقراطي سيره بثبات ونكابر من أجل أن تتوفر التربة الصالحة لاستنبات التنمية الحقيقية والمستدامة نحلم بوطن لجميع المغاربة لا استثناء فيه لأحد ولا حرمان فيه لهذا الأحد من الاستفادة من ثرواته، وستظل روح الفقيد الكبير محمد العربي المساري نبراسا ينير ما سيأتي في مسارات «العلم» من أيام وأزمنة، روح تراقب أداءنا تحفزه وقت يحتاج التحفيز وتقويمه حينما يهيم بالزيغان خارج الطريق». وأكد مصطفى الخلفي وزير الاتصال في كلمته بالمناسبة أن المساري بقي وفيا لمنهجه في الحوار والدعم والمساندة لكل ما يخدم توسيع الحريات الإعلامية وتعزيز أخلاقيات المهنة داخل الحقل الصحفي والإعلامي ببلادنا ولم يتردد مشروع الحوار حول معضلاتها بمدونة الصحافة والنشر في أكتوبر 2012، وأطلق مشروع الحوار حول معضلاتها الصعبة وإشكالات ممارسة الصحافة ببلادنا بحكمة، ثم عبر عن تقديره وتثمينه لمخرجات هذا الحوار. وقال الخلفي إن سي العربي المساري ينبوع متدفق من العطاء والانتاج الفكري والتاريخي، أسدى خدمات جليلة للوطن ولتاريخ الحركة الوطنية والقضية الوطنية الأولى، ويشهد أنه لم يكن يجري وراء سلطة كان يعرف أنها زائلة، ولا جاه عابر، ولاوراء امتياز، رجل عفيف وقنوع ومتواضع وزاهد في المناصب والمساري نموذج المثقف الملتزم بالقضايا المصيرية لبلاده وأمته، مارس السياسة بأخلاق والتزام والهواجس التي كانت تسكنه ، كانت تدور أينما دارت قضايا الوطن، فاستطاع أن يجمع بين أصالة المنطق وبين الفكر الاصلاحي التواق الى الحرية والكرامة والعدل. وقال الأستاذ محمد الأشعري في كلمة بالمناسبة: «كلما عدت الى الأسئلة المقلقة التي جمعتنا سنوات طويلة حول الصحافة والاعلام إلا وأتاني اسم سي محمد العربي المساري وأيضا حول قضايا التحول الديمقراطي وتحولات الأحزاب والعلاقة بين السلطة والمجتمع وبين المحافظة والحداثة وغيرها مما كان السياسيون في معظمهم يمرون عنه مرور الكرام، كان المساري يعتبر ذلك جوهر العمل السياسي. والواقع أن المرحوم المساري كان منسجما في علاقته مع السياسة وفي علاقته بالحياة. كان من الطينة النادرة التي رفضت دائما أن تكتفي بالقناعات دون المساءلة الدائمة ودون تفكيك مستمر للمفاهيم وإعادة تحليل القناعات. وقال الأستاذ محمد الصديق معنينو بالمناسبة: «صداقتي بالعربي هي أخوة أكثر من صداقة، فقبل ميلادي بسنوات ربطت علاقة التلميذ العربي المساري مع والدي الحاج أحمد في مدرسة شارع المصلى بمدينة طنجة، في تلك المدرسة الحرة برز التلميذ العربي بجرأته وذكائه ونبوغه مما دفع مدير المدرسة إلى اختياره لإلقاء خطاب اختتام السنة الدراسية وهو ابن السادسة من عمره». وأضاف الأستاذ معنينو: «إن المساري أهداني في شهر ماي الماضي وثيقة نادرة هي عبارة عن نسخة من رسالة خطية تلقاها من والدي يشكر فيها العربي على تهنئته له بمناسبة إطلاق سراحه، كان ذلك في شهر أبريل من سنة 1954 أي منذ ستين سنة...» وأكد السفير امحمد بوشنتوف أن المساري كان مؤهلا أكثر من غيره لتولي مناصب سامية في ظروف صعبة كانت فيها القضية الوطنية تمر بمرحلة عصيبة بعد قمتي نيروبي 1 ونيروبي 2، والأستاذ امحمد بوستة شاهد موثوق على هذه الفترة. وأضاف الأستاذ بوشنتوف أنه في 26 نونبر 1984 قدم المرحوم أوراق اعتماده كسفير فوق العادة ومفوض للرئيس جوزي صارني أول رئيس مدني للبرازيل بعد ربع قرن من الحكم العسكري الذي كان له موقف معاكس لقضيتنا الوطنية، كما أن لجنة الشؤون الخارجية لمجلس النواب كانت قد صادقت على توصية بالإجماع تطلب فيها من الحكومة أن تعترف بالجمهورية الوهمية، وبمجرد وصوله إلى البرازيل وجد المساري نفسه في واجهة البرلمان واستمر أشهرا يشرح ويدافع بالحجة والبرهان عن حق المغرب في استرجاع أقاليمه الجنوبية، كما يقنع مخاطبيه بالكيد من دولة تجاه أخرى، وهكذا توجت أسابيع من التحرك بعدول البرازيل عن ذلك الاعتراف. وتضمنت كلمة الأستاذ عبد اللطيف ملين شهادة في حق الراحل بحيث أكد أنه تعرف على المساري عن قرب منذ حوالي 15 سنة وخاصة منذ أن أنجزا الإثنان بطلب من رئيس النادي الدبلوماسي المغربي السفير مولاي احمد الادريسي سنة 2006 معرضا بالصور والوثائق والكتب والمنشورات المختلفة عن التاريخ الدبلوماسي للمغرب بمناسبة الذكرى الخمسين لإعادة تأسيس وزارة الشؤون الخارجية في عهد الاستقلال. وتحدث الأستاذ ملين عن إخلاص المساري وتفانيه في خدمة وطنه وتواضعه، بالإضافة طبعا إلى تمكنه من الموضوع وخبرته الكبيرة. وعن الجانب التاريخي في ثقافة المساري تدخل الأستاذ عثمان المنصوري موضحا أن العربي المساري كان عاشقا للتاريخ من خلال مؤلفات عديدة. وألقى الشاعر مولاي علي الصقلي قصيدة بالمناسبة، ومن أبياتها: عان، وأي كمثلي جد أسوان ما كان، يا ويحه، بالواجد العاني أما محت نور مسَّارا عند مطلعه سود الدجى يا له من نور وإيمان كما تقدم نجل المساري الأستاذ نزار المساري بكلمة شكر فيها المنظمين الذين سهروا على هذا اللقاء. وسنعود لهذا الموضوع في مداخلات المشاركين في ملف لاحق.