رئيس "الأنتربول" ينوه بانتخاب المغرب لشغل منصب نائب الرئيس عن قارة إفريقيا    الملك يعين زهير شرفي رئيسا للهيئة الوطنية لضبط الكهرباء    المغرب يصادق على اتفاقات بينها الاعتراف المتبادل لرخص السياقة مع بلدان أوربية    نصير مزراوي يرفض ارتداء سترة تدعم "المثلية" خلال الإحماء …    مصادر تكشف عن أسباب التوقف المفاجئ لأشغال المركب الثقافي بالناظور    زهير شرفي رئيسا لهيئة ضبط الكهرباء        كأس العالم للأندية.. الوداد الرياضي ضمن المستوى الثالث    تنويع الشركاء الدوليين أحد الأولويات الاستراتيجية للسياسة الخارجية للمغرب (فتاح)    اجتماعات جهوية بجهة الشرق لدراسة مشاريع التنمية البشرية والماء الشروب    تأجيل محاكمة "ولد الشينوية" وسط جدل حول الشكايات والإجراءات    الحناء المغربية والعربية تدخل قائمة التراث غير المادي لليونسكو    وزير الدفاع الكوري الجنوبي: مستعد للاستقالة على خلفية المحاولة الفاشلة لفرض الأحكام العرفية في البلاد    تعاون جديد بين أمانديس وجمعية الأوائل بعمالة المضيق-الفنيدق        المغرب ينجح في إفشال محاولة جزائرية للسطو على القفطان في اليونسكو    تنصيب مجموعة الصداقة البرلمانية بنما-المغرب بالجمعية الوطنية البنمية    الجمعية العامة للأمم المتحدة تطالب بإقامة دولة فلسطينية    أمن طنجة يوقف سائقا اعتدى على امرأة    شركة بالياريا: سنحول خط "طنجة المدينة-طريفة" لنموذج يحتذى به في التنقل الحديث والاستدامة الدولية    الجالية المغربية بإيطاليا تدين الاستفزازات الجزائرية ومحاولات استغلال قضايا الريف        فيروس شلل الأطفال يثير القلق في أوروبا    الانخراط والتنوع والانفتاح.. أبرز لحظات الأسبوع الأول من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش    خبراء يردون على شائعات سلامة اللقاحات بالمغرب..    المغرب ينجح في الدفاع عن تراثه داخل اليونسكو أمام محاولات الاستيلاء والتزييف الجزائرية    اليونسكو.. إحباط محاولة جزائرية للسطو على "قفطان النطع" المغربي        مطالب نقابية برفع الضريبة على شركات المحروقات والزيوت والاتصالات والإسمنت    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    تثبيت رسوم الاستيراد يفرح النحالين    هذه أبرز تعديلات مجلس النواب على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    "كاف" يعلن رسميا إقامة حفل جوائز الأفضل بقصر المؤتمرات بمراكش    إسرائيل تُسَلِّمُ جُثَّتَي منفذي عملية البحر الميت للأردن    الحكومة الفرنسية تواجه خطر السقوط بتصويت على مقترح حجب الثقة    الوكالة المغربية لتنمية الأنشطة اللوجيستيكية تبرم شراكة لتشجيع الابتكار مع SprintProject    الفريق الحركي المعارض يصوت مع الأغلبية على قانون الإضراب    نقابة: الإعفاء الضريبي للمعاشات غير كاف لضمان حياة كريمة للمتقاعدين    أطباء مغاربة يطالبون بحماية نظرائهم بفلسطين من الإبادة الإسرائيلية    الحجري في البلاط السعدي.. كتاب يكشف مغالطات استشراقية حول "الانغلاق"    إصدار يقارب حرية التعاقد بالجماعات    "النهج" يدين قمع الاحتجاجات السلمية للعمال الزراعيين ومناهضي التطبيع ويطالب بوقف استهداف الحريات    بايدن يعلن مساعدة إفريقيا بمليار دولار    تلفيات الأعصاب .. الأعراض وسبل مواجهة الاضطرابات    تداعيات عضة خفاش مصاب بداء الكلَب تسلب حياة معلمة    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يخلد ذكرى الراحلة نعيمة المشرقي    قمة (المياه الواحدة) في الرياض.. ماكرون يشيد بجهود المغرب في مجال تدبير المياه    ممثلو المغرب بالمسابقتين الإفريقيتين في حالة تأهب لخوض غمار الجولة الثانية        بنكيران يعتذر للوزير التوفيق.. ويؤكد: "أنت لست المقصود بتصريحي"    كأس ألمانيا: ليفركوزن يتأهل لربع النهاية على حساب بايرن ميونيخ    شركة ''أطلس للأشغال'' تفوز بصفقة تهيئة شارع جبران خليل جبران بالجديدة    وزارة الصحة والحماية الاجتماعية توضح بخصوص الحملة الاستدراكية للتلقيح    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    استخلاص مصاريف الحج بالنسبة للمسجلين في لوائح الانتظار من 09 إلى 13 دجنبر المقبل    هذا تاريخ المرحلة الثانية من استخلاص مصاريف الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوصوف: المحاربون القدامى رفاق في الخندق منفيون في الوطن‎

شاءت الأقدار لمجموعة من شباب مغرب النصف الأول من القرن الماضي أن يصعدوا طوعا أو كُرْها فوق شاحنات عسكرية فرنسية مرت من أسواق ودواوير وقُرى المغرب، لتنقلهم إلى ميناء مدينة مارسيليا الفرنسية عبر ميناء الدار البيضاء.
وبعد فترة تداريب عسكرية قصيرة سيُزج بهم في أهوال حروب كبرى وبمهام في الخطوط الأولى لجبهات القتال والحرب، شاركوا بأسماء وألقاب كثيرة ك "الصباحي" و"الكوم" وغيرها في الحربيْن العالميتين الأولى والثانية، وكذا في الحرب الهندية الصينية، أو ما يعرف بلاندوشين.
هؤلاء الشباب كانوا مجموعة من الفلاحين والحرفيين ورُعاة الأغنام من أسر فقيرة، احتموا بالجندية وحمل السلاح في وجه الفقر والجوع والحاجة، وركبوا مغامرة السلاح في وقت كانت فيه دول أوروبا الغربية تحتاج إلى أياد قوية تحمل سلاح التحرير والحرية في وجه الأنظمة الشمولية، سواء الفاشية أو النازية.
سقطوا هناك قتلى بالمئات وجرحى بالآلاف، ومثلهم من ذوي العاهات المستديمة، سالت دماؤهم في غابات وأزقة وقناطر ومدن وقرى فرنسا وبلجيكا وايطاليا وغيرها، بل حتى في فيتنام، ضمن الجيش الفرنسي.
واختلطتْ دماؤُهم بتراب أوروبا حتى ارْتوتْ وأيْنعتْ أشجارها ووُرُودها وتنفستْ شعوبها الحرية.
اليوم، وبعد مرور كل هذه السنوات، لازال هؤلاء "المحاربون القدامى" يتعرضون لأبشع تهميش وإقصاء من الحياة العامة، يسكنون في بيوت منفردة وبرواتب لا تكفيهم حتى لمنتصف الشهر، ومجبرون على البقاء في فرنسا، مثلا، وإلا سقطت المساعدات الاجتماعية!
هُمُ اليوم في وضع يُشبه "المنفى الإجباري"، بعد كل تضحياتهم. هُمُ اليوم في وضع يحمل عنوان الوجه البشع لعدم العرفان والاعتراف بجميل جيل ضحى بشبابه وأهله ووطنه لتحيا الحرية!
كانوا رفقاء في خندق واحد ورفقاء السلاح إلى جانب الجندي الفرنسي وجنود مستعمرات فرنسا في إفريقيا من أجل تحرير ايطاليا، وفرنسا، وبلجيكا، وكل أوروبا.
كانوا يحلمُون جميعا في لياليهم الباردة في الغابات والجبال والسهول وتحت القناطر بالعدل والمساواة والحرية، وبغد أفضل.
اليوم، نحن وغيرُنا يعرف بالتفاصيل المُملة حقيقة معاناتهم مع الراتب الزهيد، ومع التغطية الصحية، ومع حرمانهم من دفيء العائلة بالمغرب.
لم تنصفهم صفحات التاريخ، كما بخل عليهم العديد من الفنانين والكتاب والأدباء... بتخصيص بعض الجُهْد لإنتاجات فنية وأدبية لتخليد صفحات من التاريخ الانساني المشترك بين فرنسا والمغرب، ولتمجيد بطولات فردية وجماعية للجنود المغاربة في ساحات الحرب بشهادة قياداتهم العسكرية الفرنسية، بل وبشهادة أعدائهم أيضا
اليوم، عندما نلتقي بأحدهم يقف هو مزهوا ومُفْتخرا بماضيه وبنياشين ترقص على صدره فرحا، ونحمر نحن خجلا لجحود التاريخ وعدم رد الجميل بالجميل.
وكأن هناك حاجزا نفسيا يمنع الجميع من التقدم خُطوة إلى الأمام وتقديم التحية العسكرية لهم بطريقة تليق بتضحياتهم وإعطائهم ما يليق بهم من تشريف وتكريم يفوق كل عائد مادي، وإطلاق أسمائهم على ساحات وشوارع أوروبا والمغرب، ومنحهم "جنسيات فخرية" لكل الدول التي حاربوا من أجل حريتها، لا نُبالغ في هذا ولا نُزايد.
لكن وجب طرح السؤال: ماذا لو لم تصعد كل تلك مئات الآلاف من الشباب المغربي إلى الشاحنات العسكرية الفرنسية؟ وماذا كان سيكون عليه وضع فرنسا وأوروبا اليوم؟ وهل كُنا سنُشاهد كل مظاهر التقدم والتطور والحريات وتعدد الانتماءات السياسية والنقابية والإيديولوجيات الفكرية بأوروبا؟ وهل كُنا سنعيش لحظات يتشدق فيها اليوم وبدون خجل زعماء اليمين المتطرف بشعارات الديمقراطية وحماية الحريات من جهة، وبطرد المهاجرين من جهة ثانية؟
فماذا لو لم يصعدوا إلى الشاحنات الفرنسية والتقدم في الخطوط الأمامية في "حملة ايطاليا" و"حملة فرنسا" وكسر خط الكُوسْتاف لتحرير روما، والتقدم نحو فرنسا وطرد حكومة فيشي الموالية للنازية الألمانية؟
إن وضعهم اليوم الشبيه "بالإقامة الإجبارية"، وحرمانهم من مُعانقة أهلهم وقتما شاؤوا بدون قيود أو شروط بيروقراطية، هو وضع يُسائل كل الأدبيات الحقوقية والإنسانية والآليات الديمقراطية التي ساهموا هُمْ في إرسائها من خلال تغيير وجه العالم وهزم رموز الشمولية والدكتاتورية والتطرف السياسي.
لقد صدق فيهم قوله تعالى: "رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا"، صدق الله العظيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.