تشهد مدينة الناظور في السنوات الأخيرة، إزديادا مضطردا في نسبة عدد المشردين من مختلف الفئات العمرية، فمع جنوح الليل الذي يكشف ستار ظلمته عن عوالم آخرى مغايرة تماما للمعاش نهارا، تبدأ قصص المآسي في التناسل ونسج خيوطها، بحيث ما إن يغيب ضياء الشمس حتى يدّب ما يشبه الحياة لدى شريحة منسية اصطدمت بجدار الصدود داخل المجتمع، فعانقت التيه ودخلت دوامة الضياع بأذرع مفتوحة. أطفال من الجنسين في عمر الزهور، يقبلون على كل أشكال الانحراف، بدءا من التعاطي لكل صنوف المخدرات، ووصولا إلى إبتزاز المارة والمواطنين حال مرور أحدهم أو تواجده بين الزقاقات والدروب التي تكون بعضها مرتعا خصبا لممارسة سلوكاتهم المنحرفة ذات البعد الإجرامي، يختارونها هكذا أمكنة للتغطية على أفعالهم المشينة لكونها تواريهم عن أعين عناصر الدوريات الأمنية في حال ما اذا وجدت. مواطنون ضحايا عربدة أطفال وقد سُجلت في هذا الصدد العديد من حالات حوادث الإعتداءات والسرقات تحت التهديد بالسلاح الأبيض لدى دوائر الأمن، ضد مشردين صغار مدججين بأسلحة خفيفة، وحسبما أكده لموقع ناظورسيتي مواطنون وقعوا ضحايا لعربدة هؤلاء، فإن ما يطلق عليهم بأطفال الشوارع، الذين أضحوا يشكلون تهديدا حقيقيا يقض مضجع الساكنة، ينشطون ليلا في شكل عصابات إجرامية يتولى قيادتها المتشردون الكبار ذوو السوابق العدلية، بين كبرى شوارع المدينة، بالأخص شارع يوسف بن تاشفين، وساحة التحرير والمحطة الطرقية القديمة، إذ لوحظ على مستواها قيام مجموعة من الصبية باحتراف التسوّل أمام المطاعم المتواجدة بذات الأمكنة. مواطنون عبروا عن عميق أسفهم إزاء مشاهد التسكع التي يؤثثها أطفال يافعون مكانهم الطبيعي الذي يفترض أن يتواجدوا فيه، تمثله منازل أسرهم أو مراكز الإصلاحيات الخيرية في حال غياب أولياء أمورهم، إلى جانب مقاعد الدراسة، قصد رعاية الناشئة وتحصينها ضد كل ما من شأنه تقويض "مستقبلهم"، على إعتبار أنهم بمثابة رأسمال المجتمع الذي ستمس الحاجه إليه يوما، ولكونهم رجالات الغد والقوة الدافعة بالركبان إلى الأمام. أسباب تفاقم الظاهرة في الناظور وللوقوف على الأسباب الحقيقة لبروز ظاهرة الأطفال المشردين بال0ونة الأخيرة في مدينة الناظور، تقول مصادر مختصة، ما فحواه أن ظاهرة أطفال الشوارع تناولتها الكثير من الدراسات البحثة لكنها تظل حبيسة أقوال ونظريات ما لم توازيها البوادر العملية على مستوى التطبيق، وعموما هي ظاهرة ليست بالجديدة على مدينة تعد بوابة حدودية نحو أوروبا، ولها بشأنها سابق عهد، مع أنها لم تكن سلفاً بهذا الحجم التي هي عليه اليوم، رغم كونها معضلة إجتماعية متجذرة في عمق المجتمع المغربي وموغلة نسبيا في القدم. وتستطرد نفس المصادر المختصة في الاتجاه ذاته، أن صبيانا يفيدون بصفة دائمة على الناظور، على فرض أنهم فارون من إصلاحيات وكذا مراكز خيرية تابعة لمدن أخرى، علاوة على آخرين قد يحسبون على المنطقة ومعظمهم نتاج علاقات غير شرعية في إطار مؤسسة الزواج الموثق تبعا للدراسات البحثية دائما، ويبقى الدافع الأساس وراء إرتمائهم بين أحضان الشارع، تجملها أساسا نفس المصادر في قسوة الظروف الإجتماعية للأسرة، موازاة مع وضعها الإقتصادي، مما يزعزع إستقرار النواة العائلية بالدرجة الأولى، فضلا عن أبعاد ذي إرتباطات بالمستوى التعليمي للعائل، كلها حيثيات تفرز واقع التشرد بالنسبة إلى الأطفال. حدود الممكن من اللاممكن وإذا كان مهما التأشير على أن مدينة الناظور عاشت مظاهر مكثفة من مظاهر تشرد الأطفال منذ عقود، رافقتها في ذلك العديد من حالات الاعتداءات المعزولة والمتفرقة هنا وهناك، فإن الأهم هو التنبيه إلى أن الظاهرة بدأت بالسنوات الأخيرة في ذات الحاضرة، تأخذ منحى خطيرا، جعلها تبلغ أقصى مستويات الخطر، ما يستدعي هاجس تفاقمها وبإلحاح، ضرورة تكاثف جهود السلطات الأمنية والتنظيمات المدنية والبوتقات المختصة والجمعيات المهتمة منها بمجال رعاية النشئ بخاصة، بهدف العمل بشكل مسئول ومدروس، على إيجاد الحلول الممكنة الكفيلة بوضع حدٍّ لتفشيها حتى يتأتى إنتشال ذخيرة المجتمع من دوامة للتيه والضياع وبالتالي تحصين المجتمع من الجرائم.