في تسعينيات القرن الماضي عاش الريف و الشمال عموما بحبوحة كان يحسد عليها من طرف باقي مناطق المغرب التي كان سكانها يهاجرون افرادا وجماعات الي مدن الشمال وقراها علهم يحظون بفرصة لتحسين اوضاعهم المادية، فكانت كلما نبتت سنابل الكيف بكتامة الا و نبتت معها عمارات بالناظور والحسيمة وتطوان وطنجة، حينها لم يكن الشمال في حاجة الى مخططات الدولة الخماسية و السداسية فتصدير الحشيش الى اوروبا كان يغدق عليه بملايير من العملة الصعبة التي كانت تضخ مباشرة في الاقتصاد المحلي، فعرف الريف والشمال عموما بعادات استهلاكية مميزة وقد اعترف رئيس الحكومة نفسه في تصريح له ان الريفي عندما يقصد الجزار فاقل مايمكن ان يطلبه هو 2 كيلو من اللحم علي اقل تقدير وما يحمله ذلك من دلالة على القدرة الشرائية التي كان يتمتع بها اهل الريف. بين سنتي 1992 و2004 اعتقل الرماش والديب واليخلوفي والنيني، آنذاك كان الشمال تتربع على عرش الحشيش العالمي لعدة سنوات، إنتاجا وتصديرا، هذا ما دأبت، وقتئذ التقارير الدولية على الإقرار به، سيما تقارير مكتب الأممالمتحدة لمكافحة المخدرات والهيئة الدولية لمراقبة المخدرات ووزارة الخارجية الأمريكية والمرصد الجيوسياسي للمخدرات. ففي تسعينيات القرن الماضي وضعت مصالح الأمن يدها على أحمد بونقوب، الملقب ب "حميدو الديب" وأحمد اليخلوفي ومحمد الدرقاوي وغيرهم، باعتبارهم من كبار مروجي ومهربي المخدرات والمتاجرة فيها دوليا. آنذاك كانت الاستراتيجية الأمنية المعتمدة تنتقي بعض كبار البارونات مع الحرص على عدم الوصول إلى الرؤوس الفعلية. لقد اعتقل الديب ومن معه في خضم حرب الملك الراحل الحسن الثاني على المخدرات منذ خريف 1992، وتلت ذلك "الحملة المشبوهة" التي قادها الوزير المخلوع، إدريس البصري، أحدثت لجنة تقصي الحقائق حول المخدرات بالبرلمان، ترتب عن تقريرها الذي ظل محتواه سرا على المغاربة، ترسيم بعض الخطوط الحمراء لشبكات التهريب بغية وضع حد للصورة السوداء التي دأبت التقارير الدولية تتضمنها عن المملكة المغربية والتي جعلت من المغرب أول مصدر ومروج للحشيش عالميا. الديب كان حميدو الديب صيادا قبل ولوجه عالم تهريب المخدرات والاتجار فيها على الصعيد العالمي، وقد تبث في التحقيقات أنه تمكن من "تصدير" أكثر من 6000 طن من الحشيش إلى أوروبا من نهاية الستينات إلى حدود اعتقاله في مجرى التسعينات. بعد صدور تقرير المرصد الجيوسياسي المخدرات في نونبر 1995، أطلق الوزير المخلوع إدريس البصري حملته التطهيرية في يناير 1996 جاءت لدر الرماد في العيون بعد الفضائح التي تضمنتها التقارير الأجنبية بخصوص تورط شخصيات مغربية وازنة وتحتل مواقع مهمة جدا، في شبكات تهريب المخدرات والاتجار فيها دوليا. وكان "حميدو الديب" أول صيد ثمين بمعية عبد العزيز اليخلوفي ومحمد بولعيش، الذين التزموا الصمت ولم يكشفوا أي اسم وازن عملا بقواعد "قانون كوزا نوسترا" الذي يحكم العلاقات بين المافيات وبشكل أهم بند في قوانينها الداخلية. كان الديب يتصرف في ميناء صغير خاص به أحدثه بنفسه وعلى نفقته بسيدي قنقوش شمال طنجة، ترسو فيه عدة مراكب سريعة مستعدة لنقل المخدرات في أي وقت إلى الضفة الأخرى. عبد العزيز اليخلوفي ظلت شخصية عبد العزيز اليخلوفي غامضة، وقد أخذ معه كل أسراره إلى قبره علما أنه كان يخيف الكثيرين تنفسوا الصعداء بعد التحاقه بالرفيق الأعلى في ظروف حامت حولها الكثير من الشكوك... من مواليد سنة 1951 بمدينة سبتةالمحتلة، حمل الجنسيتين المغربية والإسبانية. اعتقل يوم 19 دجنبر 1995 بتطوان وحوكم بمدينة سلا. اعترف في البداية بتسييره لشبكة متخصصة في تهريب المخدرات تضم عناصر من مختلف الجنسيات (مغاربة، ألمان، إسبان، إيطاليين، كنديين، كولمبيين، فرنسيين، انجليز وهولنديين). افتتحت محاكمته في 13 فبراير 1996، وبعد إدانته بعشر سنوات سجنا نافذا بدأ اليخلوفي ينادي ببراءته ويكشف عن أساليب التعذيب والضغوطات التي تعرض لها معلنا أنه وقع على محضر الشرطة دون التعرف على فحواه. خلال جلسات المحاكمة، كان مرة يرفع يده معلنا علامة النصر (V) ومرة ينهار باكيا كالطفل، راكم ثروة هائلة لم يتم الإعلان عن قيمتها، وكان شريكا لشخصيات مرموقة عالميا في مشاريع بكوبا وفرنسا وإسبانيا. وفي إحدى جلسات المحكمة وقف اليخلوفي وشريكه الإسباني، (الغونسو كونيسا روس) عند علاقتهما بالرئيس الكوبي السابق فيديل كاسترو طويلا، وكانت في حوزة عبد العزيز اليخلوفي حسابات بنكية بالمغرب وجبل طارق وإسبانيا وكندا. كما كان يملك عقارات وشركات أو نصيبا منها في هذه البلدان، إضافة إلى يخت راق وأسطول مكون من 15 سيارة، ولا يعرف هل تم حجز كل هذه الممتلكات. اذا كان الانسان الريفي يحن الى شيء فهو سنوات الثمانينيات والتسعينيات حينما كان رزقه ياتيه رغدا هنالك من حقول جبالة التي لا تصلح لشيء آخر غير زراعة الكيف، فتصدير الحشيش الى اوروبا كان يضخ في الاقتصاد الريفي ما يعادل 12% من الناتج الداخلي الخام للمغرب. وباعتبار ان مجموع سكان الريف حينها لم يكن ليتعدى مليون نسمة فقد كانت عائدات الحشييش كافية لتجعل من الريف امارة ك"دبي" او "بروناي" بل ذهب البعض الى وصف الكيف بالذهب الاخضر. لكن مع تزايد عدد المليارديرات بالريف وظهور نخب اقتصادية جديدة غير مروضة وغير خاضعة لسيطرة المركز (الرباط) وامام الضغط الاجنبي وخاصة الاتحاد الاوروبي الذي بدء يفرض على المغرب مزيدا من الجدية في محاربة المخدرات دخل سكان الشمال في عطالة مستمرة بسبب غياب اقتصاد مهيكل وبدائل حقيقية لزراعة الكيف،خصوصا بعد توالي حملات الاعتقال التي طالت بارونات المخدرات وتجريدهم من ممتلكاتهم والتضييق على مزارعي الكيف دخل الريف و معه باقي مدن الشمال.