نائبة وزير خارجية غواتيمالا: مخطط الحكم الذاتي أساس واقعي موثوق وجدي لحل نهائي لهذا النزاع    قريبا تنطلق بتطوان أشغال إنجاز الشطر الرابع لطريق الحزام الأخضر    لجنة نيابية تصادق على قانون الإضراب    استعدادا لرمضان: اللجنة الوزارية المشتركة لليقظة وتتبع تموين الأسواق والأسعار تعقد اجتماعا بالرباط    أخنوش .. الحكومة تحاول تخفيف العبء الجبائي على أصحاب الأجور والمتقاعدين    إطلاق نار يخلف 10 قتلى في السويد    منظمة العفو الدولية تدعو واشنطن لاعتقال نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم حرب    مدينة مدينة المضيق تنظم السباق الدولي 10 كلم في نسخته الخامسة تحت شعار " الرياضة رافعة للتنمية البشرية" .    أخنوش: التسوية الطوعية أسفرت عن التصريح ب125 مليار درهم    أخنوش يعبر عن فخره في البرلمان ب"النتائج المحرزة" لحكومته    الحالة الجوية ليوم الأربعاء: طقس بارد وتساقطات مطرية وثلجية    الدورة 17 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تسلط الضوء على الماء واستدامة الفلاحة... فرنسا ضيف شرف    اتفاقية الكهرباء بين المغرب وموريتانيا    جماهري يكتب.. الحرب والصحراء: المعقول‭ ‬‮..‬من‭ ‬اللامعقول‭ ‬السياسي‭ ‬عند‭ ‬تبون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حواره‮    الملك محمد السادس مهنئا أحمد الشرع بمناسبة رئاسته لسوريا: ندعم كل الجهود لتحقيق الأمن والاستقرار في سوريا    المغرب يصادق على اتفاقية الاعتراف المتبادل برخص السياقة مع إسبانيا وإيطاليا    تهجير الفلسطينيين من أرضهم.. خط أحمر لا يقبل التفاوض أو المساومة    بدء مفاوضات المرحلة الثانية لوقف إطلاق النار بغزة    أخبار الساحة    اعتقال البطل المغربي بدر هاري في أمستردام    رصاص شرطة خنيفرة يوقف جانح    بعد مغادرتها السجن.. دنيا بطمة تُحدث تغييرات مفاجئة في حياتها    جائزة الحسن الثاني وكأس للا مريم ما فتئتا تستقطبان أبرز لاعبي الغولف العالميين (مسؤول)    هذا المساء في برنامج "مدارات" : جلسة فكرية وأدبية مع الدكتور أحمد بوحسن    خبراء يؤكدون أن جرعة واحدة من لقاح "بوحمرون" لا تكفي للحماية    جلالة الملك يهنئ الشرع بتوليه رئاسة سوريا    الإصابة تحرم ريال مدريد من خدمات مدافعه النمساوي ألابا    بعد غياب لسنوات.. "الشرقي والغربي" يعيد حنان الابراهيمي إلى التلفزيون    محامي بلجيكي: إصلاح مدونة الأسرة متوازن يثبت قدرة المغرب على التحديث دون التنازل عن قيمه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    أسعار النفط تتراجع بعد موافقة ترامب على تعليق الرسوم الجمركية    لسعد جردة : سألتقي مسؤولي الرجاء الرياضي لكرة القدم    توقيف عصابة اعتدت على مواطنين بالسلاح الأبيض في أولاد تايمة    العصبة تؤكد إجراء مباراة الوداد البيضاوي وحسنية أكادير في موعدها    الصحة العالمية : إطلاق أول تجربة لقاح ضد إيبولا في أوغندا    الصناعة السينمائية المغربية تحقق أرقامًا قياسية في 2024    بنسعيد يعلن عن تقييد مآثر جديدة    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    ألباريس: العلاقات الإسبانية المغربية تعيش "أفضل لحظة في التاريخ"    فرنسا.. بايرو ينجح في إقرار الميزانية ويفلت من حجب الثقة    العملاق ‬البريطاني ‬‮"‬ساوند ‬إنرجي"‬ ‬يعد ‬ببداية ‬الإنتاج ‬التجاري ‬للغاز ‬بالمغرب ‬في ‬الخريف ‬المقبل    متى ‬ستسحب ‬سوريا ‬الجديدة ‬اعترافها ‬بالجمهورية ‬الوهمية ‬؟    جولييت بينوش تترأس لجنة التحكيم في "مهرجان كان"    ترامب يجدد دعوته لضم كندا ويعلق الرسوم الجمركية مؤقتًا    آيت بودلال يلتحق بفريق "أميان"    التقلبات الجوية الحادة تؤثر على الصحة العقلية للمراهقين    تنظيف الأسنان بالخيط الطبي يقلل خطر السكتات الدماغية    عقاقير تخفيض الوزن .. منافع مرغوبة ومخاطر مرصودة    كيوسك الثلاثاء | تكلفة الإيجار بالمغرب أرخص من 118 دولة في العالم    رسوم صينية تطال واردات أمريكية    الرباط: تنصيب الأعضاء السبعة الجدد بأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات    مجلس النواب يصادق على مشروع قانون يتعلق بمدونة الأدوية والصيدلة    مطارات المغرب استقبلت نحو 32 مليون مسافر خلال سنة 2024    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين تتابع تعريك فوق الخشبة دون أن تشعر
نشر في ناظور سيتي يوم 28 - 06 - 2016

أن تستنفر كل الحريات القابعة فيك وتصمم على فعل شيء وتخطط له ثم تمضي قدما نحو تحقيقه ثم سرعان ما تتيه وسط الطريق وتجد نفسك معتقلا وسط فضاء بأبواب موصدة وتحاصرك الأسئلة من كل جانب... وحين تحاول أن تنفلت منها تكتشف أن الأسئلة تلك ما هي إلا طريق آخر نحو حصار آخر... حصار السلطة/ الجلاد... فانك بذلك تكون قد تهت في سراديب مظلمة لن يسعفك حتى التعري للخروج منها.
بمثل متاهة كهذه تبتلعنا أعماق مسرحية "ثوعارينت شوايت شوايت" أو التعري قطعة قطعة وهو عنوان أثارني منذ الوهلة الأولى. انه عنوان لمسرحية أخرجها المخرج يوسف العرقوبي وشخص أحداثها كل من طارق الصالحي، محمد بنسعيد وحيدوش بوتزكانت. هو عنوان ملغوم، فبالقدر الذي يبدو فيه التعري عنصرا للفت النظر وتوجيه الانتباه نحو ما للكلمة من إيحاء جنسي يلازم مخيلة الإنسان عند أي فعل مقترن بالكشف عن الجسد... بالقدر نفسه يعتبر التعري وسيلة للتخلص من كل المظاهر الشكلية التي توجه ذات الانتباه وتلفت ذاك النظر... إنها عملية للكشف، للاعتراف وللتمرد... هنا يكمن التمفصل الرقيق والدقيق في فهم معنى التعري. تعر لإظهار مفاتن الجسد أم تعر للكشف والفضح ثم التمرد... وبين هذا وذاك يبرز عنصر آخر، وهو سبر الأغوار الدفينة للإنسان موضوع التعري أو الكشف. فحين تعمد الشخصيات للتعري قطعة قطعة تحت سطوة الجلاد فهي بذلك تحاول أن تقربنا شيئا فشيئا نحو الحقيقة، لكنها حقيقة تأتينا بالتقسيط. وبالكاد نتنفس الصعداء ونحن نحكم قبضتنا على الفهم إذ سرعان ما تنفلت الأمور من جديد لتدفعنا نفس الشخصيات نحو أسئلة عميقة يتقاطع فيها الظاهر بالباطن، الداخلي بالخارجي لتبسط لنا صراعا معقدا على الفهم الصحيح لمعنى الحرية. هل الحرية هي أن ترفض أن تفعل ما تشاء وأنت تدري أن أدوات فعل ذلك ليست في متناولك؟ وبصيغة أخرى أن تعرف قصورك وحدودك ثم تنحت حريتك الداخلية على مقاسهما وتنشد أغنية الصفاء الداخلي؟ أم أن الحرية هي التمرد الخارجي على القصور الذاتي والحدود المفروضة؟ هل يجب فتح الأبواب والخروج لمعانقة الحرية التي ترفرف في الخارج أم أن الركون للصفاء الداخلي ومحاولة زرع الثقة بالذات لا يحتاج أصلا لفتح الأبواب تلك ما دامت الحرية قابعة في دواخلنا؟ وباختصار هل الحرية حياة وإحساس أم مجرد تصورات؟... هي ليست أسئلة شائكة فقط، بل هي أيضا صراع داخلي عميق استطاع كل من طارق الصالحي ومحمد بنسعيد أن يبسطاه، طارق من خلال رزانته وكلامه الهادئ وحركاته المحسوبة وإيمانه بحريته الداخلية المحددة في تصوراته ومحمد من خلال سرعة الحركة، والغليان الذي طغى عليه حد التهور حين تجرأ على المطالبة بفتح الأبواب لاحتضان حريته التي لا يراها إلا خارج المكان وبالتالي وجب النضال من أجل الاستمتاع بها والإحساس بها فعليا.
إن كان للنص، الذي ترجمه الكاتب عزيز الإبراهيمي عن سلافومير مروجيك وصيره بشكل يحاكي واقعنا الحال، وقد ساعده في ذلك غياب عنصري الزمان والمكان في النص الأصلي، قلت إن كان للنص عمقا وقعرا واسعين حد وساعة وعمق الفكرة المتناولة فان الإخراج كان سلسا، وانسيابيا وذكيا بحيث أن المخرج يوسف العرقوبي لم يترك أي مجال للرتابة أو الملل حتى ينفذ لصدر المتلقي بالرغم من أن الموضوع والحوارات بما تحملها من حمولات فلسفية ووجودية لا تساعد عادة على ذلك، فكثرة وطول الحوارات الفكرية غالبا ما تجعل المتفرج يشعر بالملل وهو ما تعامل معه المخرج بذكاء حين استطاع أن يفرمل الشعور ذاك بالصمت أحيانا وبتبادل النظرات، وبالتنقل على الركح أحيانا أخرى، فكلما حمي وطيس السجال كلما تدخل الصمت ليترك لنا الفرصة لنكتشف تفاصيل التعري وكلما هوى بنا الكلام نحو مزيد من العمق تفلسفا سرعان ما تتدخل الحركة والانتقال فوق الخشبة، رغم الغياب الفظيع للإنارة وآلات الصوت في المركب الثقافي بالناظور، ليقطعا الطريق على كل رتابة مندسة أو ملل محتمل... وفي أوج كل انفراج يتدخل الجلاد ليعلن ميلاد أزمة تعيدنا لنقطة الصفر ويضع من جديد مفهوم الحرية في مختبر التشريح. عن أية حرية يمكن الحديث في حضرة الجلاد؟
كل هذا الصراع القديم الجديد، وكل تلك الحمولة الفكرية والفلسفية المشحون بها النص لم تثن المخرج عن بسطها بذكاء وسط ديكور بسيط واكسيسوارات أبسط... وبإدارة محكمة للممثلين الذين بدورهم أبانوا عن جدية في العمل وانصهار صادق مع النص ولعل بنيتهما الجسدية تعكس حقيقة ذاك المفهوم الذي يمكن أن نختزل فيه معنى الحرية.
لقد استطاعت المسرحية بحق أن تبسط لنا نصا معقدا بأدوات غير معقدة ولكنها محتالة، لأنها جعلتنا فعلا نتتبع عملية التعري قطعة قطعة ونحن شغوفين لمعرفة أين ستتوقف العملية تلك، لننتبه، بعد إشعال الضوء، بأن المسرحية لن تكتمل هنا وبأننا جزء من تلك العملية ذاتها وأننا نحن أيضا حفاة عراة.
إن نجحت مسرحية التعري قطعة قطعة في تناول واقع مطبوع بالقمع والتسلط وغياب الحرية، وان تمكن الممثلان الرئيسيان من التعري دون مركب نقص أمام الجمهور وكأنهم يعرون واقع الحرية فإنهم أيضا ساهما في تعرية المركب الثقافي بالناظور وكشف حقيقته الصادمة... مركب، بمركب نقص ويفتقد لأدنى شروط العرض المسرحي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.