أطفال يغامرون بحياتهم وشبابهم بركوبهم الحافلات المتجهة إلى الخارج عبر البواخر الراسية بميناء بني انصار بمدينة الناظور في عملية «لحريك» إلى «الفردوس المفقود»، متحمِّلين لساعات البرد والرياح والحرارة والدخان وضربات الحصى المتطايرة من العجلات من شدة السرعة، مواجهين الأخطار، أخطار الوقوع بين عجلات الحافلات أو الاحتراق بنار محركاتها. يتجمهر العديد من الشبان والأطفال، تتراوح أعمارهم ما بين 14 و18 سنة أمام وكالات الأسفار والنقل الدولي بوجدة يراقبون الحافلات المتجهة إلى الخارج عبر البواخر الراسية بميناء بني انصار بمدينة الناظور. حفظوا عن ظهر قلب شركات الأسفار وأوقات إقلاع الحافلات وأماكن وقوفها وحتى مرائبها، كما حفظوا أوقات إقلاع البواخر وأسماءها، وحفظوا كل شبر من فضاء ميناء بني انصار، وكل جرعة ماء من مياهه المالحة ملوحة حياتهم. من هؤلاء من تَمرَّن وتَمرَّس على الاختباء بأمكنة أسفل الحافلات بالمحطة ومَهَر في استغفال المراقبين والوصول إلى مدينة الناظور... وبقدر ما يبرع هؤلاء الشبان في حجز أمكنة دون تذاكر، بقدر ما يستنفر أصحاب وكالات الأسفار وسائقو الحافلات قواهم وحواسهم لحراستها ومنع هؤلاء من الاقتراب منها والتسلل إليها ومراقبتها قبل الإقلاع... حراسة مشددة على الحافلات في الوقت الذي كان الطفل مصطفى «الحارك» يدفع جسده إلى داخل «القفص» الذي اختاره، انقض على رجليه ثلاثة رجال شداد غلاظ وبدؤوا يسحبونه بقوة إلى الخارج. تمسك الشاب بكل قواه بهيكل الحافلة كما يتمسك غريق بحبل نجاة أو يائس بخيط أمل وغرس أظافره في حديدة من محركها وأصر على المكوث حيث كان.. لكن فشل أمام قوة الرجال الذين تمكنوا من سحبه إلى الخارج قبل أن تنطلق الحافلة كالسهم مزمجرة تاركة وراءها سحابة دخان كثيف وسراب من الآمال والأحلام... أخذ الشاب يصيح ويصرخ ويسب ويشتم ويبكي ويلطم رأسه بالحائط أمام مجموعة من أقرانه، أطفال تتراوح أعمارهم ما بين 14 و16 سنة، كانوا هم كذلك يتحينون الفرصة لاستغفال أصحاب حافلات النقل وحجز مكان سري ولو خطير عند فوهة الحافلة أو دواليبها أو عجلاتها... «نحن نعاني أشد المعاناة مع هؤلاء الأطفال الراغبين في «الحريك» إلى أوروبا، وكلما توقفت الحافلة استعدادا لإركاب المسافرين أو لأمر ما، سواء عند نقطة انطلاقها بوجدة أو نقط توقفها عبر الطريق، إلا استنفرنا أكثر من أربعة مستخدمين لحراسة الحافلة ومراقبة أي تسلل لهؤلاء»، يشتكي صاحب وكالة الأسفار والنقل الدولي بوجدة، ثم يضيف قائلا «إن المصالح المختصة المغربية أو الإسبانية سواء في ميناء بني انصار أو البواخر وميناء ألميريا الإسبانية، تُحمّلنا مسؤولية كلّ تسلل لهؤلاء الأطفال داخل الحافلات التي تراقبها بدقة بأجهزة متطورة إضافة إلى الكلاب المدربة، وتعتقل السائق إذا نجح أحد هؤلاء «الحراكة» في العبور عبر الحافلة». هؤلاء الأطفال يغامرون بحياتهم وشبابهم بركوبهم تلك الحافلات في عملية «الحريك» إلى الخارج، متحمِّلين لساعات البرد والرياح والحرارة والدخان وضربات الحصى المتطايرة من العجلات من شدة السرعة، مواجهين الأخطار، أخطار الوقوع بين عجلات الحافلات أو الاحتراق بنار محركاتها. كل هذا طمعا في الوصول إلى الباخرة حيث تبدأ رحلة أخرى مع رجال الأمن ورجال الجمارك ورجال الحراسة الخاصة بالباخرة ثم اجتياز «الشِّبَاك» الاسبانية إن حالفت ذلك الشاب الحظوظ وقُدِّر له أن يصل إلى ميناء «ألميريا» انطلاقا من الناظور وإلى «قادس» انطلاقا من طنجة... ليلتحق بجيش من أقرانه المغاربة والأفارقة المتحدرين من جنوب الصحراء، بحدائقها وأزقتها، إن عميت عيون الشرطة الاسبانية وكُتِب له أن يخرج سالما من الميناء، وإلا اعتقل وأعيد إلى نقطة الصفر ليُعاود الكَرَّة مرة أخرى بل مرات عديدة دون ملل أو كلل، «لا حياة لي في هذا البلد، فشلت في العديد من عمليات الحريك وسأستمر إلى أن أصل إلى إسبانيا أو أموت في البحر أو تحت عجلة»، يصرح أحد هؤلاء الأطفال مستعرضا أسماء بعض أقرانه الذين تمكنوا من بلوغ الضفة الأخرى وبرّ الأمان ... جميع الطرق تؤدي إلى "الفردوس المفقود" نجحت عناصر الأمن الإسباني ب»قادس» في توقيف أربعة قاصرين مغاربة، كانوا مختبئين داخل أحد محركات باخرة بميناء طنجة كانت متجهة إلى ميناء طريفة «قادس». وحسب بيان للشرطة الوطنية، فقد تم إحباط عملية هجرة القاصرين المغاربة، حيث كانوا في حالة صحية متدهورة، بسبب انخفاض حرارة أجسامهم، ليتم إسعافهم، قبل اتخاذ كافة الإجراءات لإعادتهم إلى بلدهم الأصل. وفي مغامرة جنونية دونتها الشرطة الإسبانية في سجل تاريخ «الهجرة السرية» تمكن قاصر مغربي من الوصول إلى ميناء بلدة طريفة بإسبانيا متشبثا بطرف إحدى السفن المنطلقة من ميناء طنجة في محاولة منه للعبور إلى الضفة الأخرى. وبعد وصول السفينة إلى الميناء قفز القاصر إلى المياه قبل أن ترصده كاميرا المراقبة، ويتم إلقاء القبض عليه وإيداعه مركز إيواء القاصرين بالمدينة ذاتها. وقد تناقلت وسائل إعلام إسبانية هذه المغامرة الخطيرة التي قام بها القاصر وعرضت إحدى القنوات الفضائية جزءا من الفيديو الذي يظهر القاصر متشبثا بالسفينة قبل أن يقفز إلى المياه ويباشر السباحة للوصول إلى بر النجاة. وعثرت الشرطة الاسبانية يوم الأحد 29 أبريل 2012 بالمعبر الحدودي بني أنصار على قاصر منحدر من الحسيمة مخبأ بمقصورة حافلة سياحية كانت متجهة من السعيدية الى إسبانيا. وذكر بلاغ للشرطة الاسبانية أن الطفل كان مخبأ بشكل جيد بين مجموعة من البطانيات وكان يضع أكياسا من البلاستيك على قدميه لمنع انتشار الرائحة واكتشاف أمره . وتضيف المصادر نفسها أن الشرطة ألقت القبض على سائق الحافلة ومرافقه ومحاكمتهما واللذين نفيا علمهما بوجود الطفل داخل المقصورة، كما تم إيداع الطفل بأحد المراكز الاجتماعية المخصصة لإيواء الأطفال.