إذا لم يرتبط في الجوهر اللون الموسيقي المتمّرد "الرابّ" بالقضايا الكبرى ذات الصبغة السياسية والإجتماعية، يساغ حينئذٍ أن نطلق عليه أيّ تسمية أخرى غير كونه "رابّ"، فذاك ما يسير على نهجه رأساً وبثبات، صاحب إسمٍ له وقعٌ خاص على الأذن لدى محبّيه، وهو الرابور "أمين دكير" سليل مدينة الناظور الملقب بالأسطورة. فسرعان ما طفق نجم أمين دكير يسطع في سماء الرابّ، بفضل نَبْشِه في الجديد الموسيقي لفنّ الرّاب وحنكته الفذّة في إنتقاء مواضيع بعناية فائقة جعلته يصطّف إلى جانب طبقات الكدّاح والمستضعفين والمنكوبين إجتماعيا و.. و..، مقدّما إياها في مادةٍ صائتة تقيم الدنيا ضجيجا ولا تُقعدها، بما أن مفرداتها لا تستكين إلى شيءٍ أبداً، سوى لإطلاق صرخاتٍ من فوق قاعدة المنصات البلاغية لتدوي كما الصواعق تدوي. أمين دكير المُشْتَهِر بلقب "الأسطورة"، يطلّ أخيراً على جمهوره العريض عبر آخر منجز غنائي، في إطار "ميكس تاب" لفرقة جنود الناظور، إذ عُجنت خلاله مفردات السياسة والحال والواقع المرير، مزيج ميلودرامي سيستحيل في نهاية الأمر إلى صنعةٍ فنية اِجتُرح لها عنوان "سُقراط"، حيث تمحور موضوعها إجمالا حول شخصية مواطنٍ مصابٍ بالسكيزوفرينية، متفائلٌ حيناً ومتشائم في أحايين، ينشد أحلاما مُتلوّنة بجميع ألوان الطيف الدّالة على البهجة والغبطة والأمل، لكن أحلاما من هذا النوع ستأخذ ضمن أغنية سقراط شكلَ كوابيس قاتمة السواد تبعث على الفزع والهول داخل أغوار النفس التي يسكن المواطن هوامشها المنسية في رحلة بحثه الأزلية عن غدٍ أفضل لهذا الوطن الذي يحمله بين أضلعه. أغنية "سقراط":