يحظى موضوع إعادة هيكلة الدولة من خلال تبني نموذج للتنظيم الإداري المعتمد على جهوية متقدمة أو واسعة باهتمام كبير من قبل الفاعلين السياسين و الباحثين الجامعيين ومختلف مشارب المجتمع المدني في البلدان التي سعت إلى تحقيق الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، اعتقادا منهم أن تلك فرصة تاريخية للتقدم والازدهار خاصة بعدما وضعت دولهم دساتير جديدة أو قامت بتعديلها، وهنا تبرز ايطاليا وإسبانيا وبلجيكا كأمثلة بارزة على ذلك. لكن في التجربة المغربية يبدو النقاش والسجال حول مشروع الجهوية الموسعة بدأ هادئا وصار يخفت شيئا فشيئا، ولعل الماسكين بمفاتيح ورش الجهوية لا يريدون أن يكون المشروع، مرة أخرى، سوى فرصة من الفرص التاريخية الضائعة، فإذا كنا نود أن يصاحب المشروع الذي تعتزم الدولة تبنيه نقاشا يركز على طبيعة الجهوية التي نريد، أهي جهوية سياسية أساسها إنشاء برلمانات جهوية تنبثق عنها حكومات محلية تتولى هذه الأخيرة تسيير جميع الأمور ماعدا تلك المتعلقة بالأمن والدفاع والخارجية والدبلوماسية والقضاء، أو جهوية إدارية قوامها اللامركزية واللاتركيز حيث يتولى رئيس الجهة تسيير زمام الأمور، في حين يبقى الوالي ممثل السلطة المركزية يتولى تنسيق المصالح الخارجية للدولة ويتولى مهمة المراقبة البعدية على مشروعية القرارات الصادرة عن المجلس الجهوي. كنا نأمل أن لا نسقط في فخ، وضعه أصحاب القرار لنا، يجرنا لينصب تركيزنا واهتمامنا على التقطيع الترابي وحده فيما ننسى المهم والأهم المتمثل في طرح نقاش حول صلاحيات مجلس الجهة وعلاقته بسلطة الوالي، زيادة على إشكالية النخب من خلال طرح سؤال هل الجهة قادرة على صنع وإنتاج نخب سياسية محلية قادرة على التدبير الجيد، في ظل افتقار الأحزاب السياسية للنخب، حيث ظلت جلها عبر التاريخ السياسي المغربي تعتمد على تقديم الأعيان إلى الانتخابات قصد الحصول على المقاعد الانتخابية؟ أيضا كان يجب أن يهتم الفاعل السياسي والباحث الأكاديمي وجميع المهتمين بالورش الكبير بإشكالية العزوف السياسي للمواطنين، ذلك العزوف الذي ساهم ولازال في ظهور كائنات انتخابية تغتني من السياسة همها الوحيد الانتفاع الشخصي على حساب المصلحة العامة. لن ينجح مشروع أي مشروع للجهوية إذا ما استمر العزوف السياسي للمواطنين عن المشاركة السياسية، لا جدوى من مشروع الجهوية طالما أن نفس الأشخاص والأسماء السياسية السابقة ستظل الأحزاب السياسية تفرضها على المواطنين لينتخبوهم ممثلين لهم في المجالس الجهوية والجماعات الترابية. كان على أصحاب المشروع ألا يدفعونا للإلهاء وراء التقطيع الترابي، فهذه الإشكالية بسيطة تحتاج فقط الشجاعة والتحرر من الهاجس الأمني والاعتماد على المعايير التي نهجتها التجارب المقارنة لما قامت بتبني الجهوية السياسية أو الإدارية والتي أبانت عن نجاحها الكبير، إلا أن القيمين على مشروع الجهوية في بلادنا يريدون منا أن يبقى تركيزنا الأول والأخير حول التقطيع الترابي فقط. إن الجهوية هي أمور أخرى ذات أهمية كبيرة وليس فقط التقطيع. في تصوري يتم تضييع فرصة أخرى من الفرص التي كان من المفترض استغلالها لأنها وسيلة من الوسائل المهمة التي تدفع الدولة إلى تحقيق التنمية بأبعادها المختلفة.