الناظور مدينة تعرف هي الأخرى دينامية ثقافية وسياحية، عكس ما قد يضنّه البعض ممن يختزلونه في مجرّد بوابة لتهريب المخدرات نحو أروبا عبر منافذها الساحلية (مارتشيكا و تشارانا ووارش وبوقانا....)، علاوة عن كونه كما يقال محطة التهريب المعيشي الأولى بالمغرب، التي تنطلق منها "سلع" مليلية نحو جميع مناطق المغرب، على إعتبار أنه مستودع كبير يتم فيه تخزين أكوام الخردة والسلع المهربة عبر منطقة الحدود الحرة الفاصلة بين هذه الأخيرة ومليلية السليبة بواسطة سماسرة الكونطربوند، لتنطلق في رحلة فرّ وكرّ هوليودية مع أفراد الجمارك عبر شبكة الطرق الوطنية للمملكة، لتصل إلى أبعد مركز حضري بالمغرب، هذا بالضبط ما قد يخاله بعض المغاربة حتى لا نقول عامتهم، حول مدينة تصوّرها لهم قصاصات أخبار بعض الصحف ممن تغلوا في إعطاء الأشياء أكثر من حجمها الحقيقي، على أنها مدينة يحكمها المال الحرام الناتج عن ترويج نبتة القنب الهندي والتهريب والفساد بشتى أشكاله، غير أن مدينة الناظور اليوم هي في الواقع ليس كما قد يصوّرها هؤلاء أو ليست بالكاد كما يلتقطوها في حسّهم المخيالي، وإنما شيئا آخر مغاير تماما، لا يمكن ملامسة حقيقتها إلا أبناءها الذين لم يعدوا يراهنوا كما في عهد غابر على هاتين الإمكانيتين المتمثلتين في تجارة الحشيش والسلع المهربة لجعل الاقتصاد المحلي مزدهرا لدى التجار الكبار والصغار منهم على السواء. وقد لا ينكر بحال أن هذا الكلام أعلاه ينطوي على الشيء الكثير من الحقيقة، لا يفنده حتى أبناءها ولا نحاول بدورنا تصويره على نسق اتهامات حيكت على باطل بغية إلصاقها بمدينة دون وجه حقّ، وبالرغم من أننا أبناء لهذه المدينة ممّا قد يستدعي افتراضا أن ننجّر بدافع الغيرة إلى أن نحاول بكلمات منمقة رسم لوحة فنية لها في مخيلة القارئ إلا أننا نؤكد أن هذا بالفعل ما كانه ناظور بداية الثمانينات بحذافيره كما عاهدناه إلى حدود منتصف العشرية الأولى من الألفية الثالثة، ولا زال بعد الناظور لم يتخلّص كليّا من سمعته القديمة الملطّخة بسوابقه العدلية في ملف المخدرات والفساد بمختلفه ولكن... في طريقه إلى ذلك، وهذا الكلام بالمناسبة لا يستثني الجوانب السلبية الأخرى لمدينة لا يكفي معها تحقيق للإحاطة بمجمل هذه الجوانب. فلعل المتتّبعين لكرونوجية المسلسل التنمّوي بمنطقتنا وكذا المهتمين بالشأن المحلي سيجمعون على أنّ تاريخ منتصف العشّرية الماضية يمثل بالنسبة لإقليم الناظور نقطة التحوّل المفصلية في نزوعه بشكل تدريجي نحو أفاق تنموية أرحب جعلت منه مدينة قيادية بامتياز في الشمال الشرقي والريف عموما إن جازت العبارة. وما الأصوات المتبصرة المنادية اليوم من أقصى هذه المناطق ( الحسيمة شمالا ) إلى أدناها ( وجدة جنوبا ) من أجل جعل الناظور مركزا للقيادة في ظل نظام الجهوية الموسعة المرتقبة نظرا لإمكانياته القوية وموارده المتعددة إلا تأكيدا بارزا . إذ في هذه الفترة بالضبط عرفت منطقة الريف الكبير عموما وإقليم الناظور على وجه التحديد عدة مشاريع وان كانت أراء الساكنة حولها متباينة، إلا أنها -حسب جل هؤلاء المتتبعين- استهدفت توفير المناخ والعوامل لاستثمار الإمكانيات الذاتية للمنطقة وخلق أوراش كبرى فيها تمّس مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياحية، بحيث في السياق ذاته تلّقى الاقتصاد المحلي لحكومة مليلية السليبة بالموازاة من ذلك ضربات أدّت إلى تقليص حجم مداخيله التي تعتمد بشكل أساسي عن التهريب المعيشي الذي يحترفه بعض المغاربة كمصدر استرزاق يوّفر لهم قوت يومهم . فبعد نجاح بعض هذه المبادرات الرامية إلى جعل الشمال الشرقي للمملكة ينخرط اقتصاديا في المنظومة الاقتصادية الوطنية عبر المشاريع المطروحة التي استهدفت هذا الشأن، قصد وضع حدّ للتبعية الاقتصادية لحكومة مليلية، ومنذ تأتي أكل هذه المبادرات في المنطقة وبروز أولى تباشير النجاح فيها على أرض الواقع أضحت بالموازاة من ذلك، تشهد المدينة قفزات نوعية وسريعة أيضا بخصوص مستويين إثنين هما الصعيدين الثقافي والسياحي (السياحة الثقافية منه), بحيث خصصنا بشأنهما فيما يلي حيّزا مقتضبا نستعرض فيه بعجالة أهم المحطات والمبادرات التي برزت إلى الآن .