أزيح الستار مؤخرا عن مشروع طموح لإنتاج الطاقة الشمسية قد يحرر المغرب من التبعية النفطية، ويخفف الضغط عن ميزانية الدولة ويسهم أخيرا في الحفاظ على البيئة. عُرض المشروع أمام الملك في مدينة ورزازات بحضور هيلاري كلينتون وشخصيات أوربية وخليجية. طموح بلا حدود كان الحضور الأمريكي والأوربي والخليجي إلى جانب الملك محمد السادس في ورزازات (جنوب) ذا دلالة ورمزية واضحتين. فالمشروع الذي يكلف 9 مليارات دولار في حاجة إلى ممولين ومستثمرين محليين وأجانب. تشرف 'الوكالة المغربية للطاقة الشمسية"، على مراحل الدراسة والتنفيذ.وتتكون هذه الوكالة التي استحدثت خصيصا لهذا المشروع، ثلاثة شركاء أساسيين هم: الدولة المغربية ممثلة في وزارة الاقتصاد والمالية ووزارة الطاقة والمعادن، والمكتب الوطني للكهرباء وصندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وشركة الاستثمارات الطاقية. وبينت السيدة أمينة بنخضرة، وزيرة الطاقة والمعادن أهمية المشروع الذي يأتي في إطار تحولات دولية عميقة "ستؤدي إلى تغيير النظام الإنتاجي الحالي"، وترسيخ "أسس النمو المستدام الذي يوفق بين النمو الاقتصادي المسؤول والتوزيع المنصف للثروات ومقاومة تحولات الطقس". وشددت السيدة بنخضرة في كلمتها أمام الملك بمناسبة تقديم المشروع، على ضمان "الأمن الطاقي" للبلاد، والإسهام في محاربة ظاهرة الاحتباس الحراري. وأوضحت أن "الطاقات المتجددة بوصفها طاقات نظيفة ودائمة، ستحل بالتدريج محل الطاقات الأحفورية، حيث إنها ستلبي على المدى البعيد متطلبات الأمن الطاقي ومحاربة تحولات المناخ الراجعة أساسا إلى استعمال الطاقات الأحفورية المسببة لانبعاث غازات الاحتباس الحراري". لامبالاة يحتاج إنتاج الطاقة الشمسية إلى استثمارات، ويحتاج تسويقها إلى تغيير العقليات. وهذا ما يعاني منه المستثمرون الشباب في مجال الطاقات البديلة. فما تزال الكلفة عالية، يقابلها "جهل تام" من قبل المواطنين العاديين. فالمواطن لا يقتنع بسهولة بأهمية "زرع" ألواح فوق سطح منزله لإنتاج الطاقة. بل حتى السلطات المحلية تتعامل مع أفكار المهندسين الشباب وأصحاب المقاولات الصغرى في مجال إنتاج الطاقة بتجاهل تام. ويأمل المهندس الشاب سعيد عروم، أن يسهم انطلاق هذا المشروع الكبير للدولة، في فتح الآفاق أمام المقاولين الشباب للتعريف بمنتوجهم وتسهيل تسويق مشاريعهم على المستهلكين. وأكد السيد عروم لإذاعة هولندا العالمية أن "أهمية هذا المشروع تكمن في القيمة الكبيرة التي سيمنحها للطاقات المتجددة. هذه الطاقات التي كانت مهملة في السابق". ويشكو المستثمرون الشباب من انعدام التشجيع و "اللامبالاة" التي يعاملون بها من قبل المسؤولين المحليين. "في المنطقة التي أشتغل فيه، يقول المهندس الشاب، لم أتلق أية مساعدة أو تسهيلات لتنظيم أيام تحسيسية للمواطنين، لغرض شرح أهمية ومنافع الطاقة الشمسية (...) وحينما نتوجه إلى الإدارات ونحاول التعريف بمنتجنا كطاقة شمسية، وكمنتج نظيف يحافظ على البيئة، نواجه بالتجاهل". ويعتقد السيد عروم أن "التوعية" و "تحسيس" المواطنين بالفوائد المباشرة (تقليص نفقات استهلاك الكهرباء) وغير المباشرة (الحفاظ على البيئة)، من شأنهما تغيير نظرة المواطن العادي إلى الطاقات المتجددة. هل من ممول؟ تجربة الطاقة البديلة والمتجددة في المغرب حديثة العهد نسبيا، لكنها تنمو بوتيرة "جد عالية في السنوات الأخيرة"، بحسب الوزيرة المغربية. فقد بلغ الإنتاج منذ 1996 نسبة سنوية تقدر ب 22%. ويطمح المغرب إلى أن تكون الطاقة المتجددة ثاني مصدر للطاقة بعد الفحم، مع حلول 2015. إلا أن تكاليف الإنتاج "تبقى عالية نسبيا مقارنة مع المصادر الطاقية الأحفورية"، تقول أمينة بنخضرة. إنتاج الطاقة من الشمس في بلد يفوق إنتاجه "5 كيلواط / ساعة في المتر المربع يوميا على مدى 3 ألاف ساعة سنويا"، قد يكون الحل الأمثل لمشكل الطاقة في المغرب. غير أن التمويل يبقى مع ذلك من معيقات إتمام المشروع. فمن أين للمغرب بمبلغ 9 مليارات دولار؟ تقول السيدة بنخضرة في رسالتها المقروءة أمام الملك يوم 2 من الشهر الجاري إن التمويل "سيتم عن طريق سندات عمومية وخاصة وطنية وأجنبية، وكذلك باللجوء إلى جميع آليات التمويل المتوفرة في إطار التعاون المتعدد الأطراف أو الثنائي". هذه الكلمات العامة والفضفاضة توحي بأن التمويل ما يزال في حكم الغيب. ولهذا السبب حرص المسؤولون المغاربة على أن يكون زمن الإعلان عن المشروع أثناء انعقاد الملتقى الدولي للتنمية والمستقبل في مدينة مراكش المغربية. كما تنقل مسؤولون أوربيون وخليجيون، وكذا وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلى ورزازات لحضور مراسم الإعلان الرسمي عن المشروع. فالمغرب في حاجة ماسة إلى المال الخليجي، وفي حاجة كذلك إلى الشركاء الأوربيين والأمريكيين في مراحل التنفيذ، وربما لاحقا في مرحلة التصدير؛ إذ هناك احتمال بأن يكون المغرب أحد البلدان المصدرة للكهرباء المستخرجة من الطاقة الشمسية، إلى أوربا. اقتصاد يتم بناء محطات استقبال وتخزين الطاقة الشمسية في خمسة مراكز موزعة على مختلف جهات المغرب أغلبها في المنطقة الجنوبية, وهي: ورزازات، عين بني مطهر، فم الواد، بوجدور، وسبخت الطاح. وسيمكن المشروع الذي ينتظر الانتهاء من إنجازه في أفق سنة 2020 من اقتصاد ما يعادل مليون طن من المحروقات النفطية، "وتجنب انبعاث 3.7 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون"، المسؤول الأول عن توسع ثقب الأوزون. والجدير بالذكر أن مشكلة الطاقة في المغرب مشكلة بنيوية ومزمنة. ونظرا لانعدام سبخات النفط والغاز الطبيعي في جوف الأرض المغربية، حاولت الحكومات المغربية المتعاقبة منذ الاستقلال (1956)، الاعتماد على السدود المائية كبدائل لإنتاج الطاقة الحرارية. فهل تعوض أشعة الشمس الوافرة فوق أرض المغرب، بخل جوف الأرض من النفط والغاز؟