كان الجو حارا ذلك المساء، ونحن في فصل الربيع، فصل الحركة والحيوية والعمل والإنتاج، كأن الربيع يريد أن يشيخ، أو يستريح بعد أن كد واجتهد، ليرى الغلات والمحاصيل في غير وقتها، فحتى زمعات الكرم لم تكمخ، وحتى التلاميذ لم تنته بعد، سنتهم الدراسية وفق الفصول الأربعة، فالنتائج تكون في فصل الصيف، فصل الراحة والاستجمام والاصطياف، فهل الطبيعة تريد أن تخرج عن مسارها الطبيعي؟، فهي لا تقبل الفراغ، تعمل بنظام وفق نظام الكون. نعم هناك عوامل مناخية تتغير وفق الفصول... ولكن في هذا الشهر وصلت درجة الحرارة إلى حوالي أربعين درجة تحت الظل، وقد صرح مراقبو الأرصاد الجوية: إن مثل هذه الحرارة، حدثت في مثل هذا الشهر في سنة 1953 "نتيجة موجة حرارية". نعم، صيف في ربيع لأنني رأيت أهل المدينة يتنزهون، بل البعض اتجهوا إلى البحر قصد السباحة والسياحة، وهناك مثل شعبي إسباني يقول: "إلى أربعين ماي لا تخلع الستر". وبدوري، كأيها الناس، قلت في نفسي سأقوم بنزهة للاسترواح، وكسر الرتوب، الساكن في قلوبنا صباح مساء، والغم الذي يعلق بنا ليل نهار، والظلم الذي طالنا ردحا من الدهر، والذي لا ننساه من طرف المنشدحين المترفين المتنعمين بأموال اليتامى وأراضيهم، في طريقي صادفت عجائب وغرائب، هضبات من الأزبال تكدست وتراكمت، بجوارها ماء مضيوح أسود، كالقار أو الزفت، روائح عطنة قوية، لا يقدر تحملها الذين يعانون من مرض الحساسية والربو، هذه الأزبال تراكمت بسبب إضراب العمال الذين يطالبون بأجورهم ومستحقاتهم وتحسين وضعيتهم، الناس لا يستطيعون المشي، يتقززون ويشمئزون ويتذمرون ويتأففون، يسدون مناخرهم بمنديل أو ورق أو كمامة كي لا تتسرب الجراثيم والمكروبات إلى صدورهم، اليوم يعرفون قيمة العامل في قطاع النظافة، وما يعانيه وهو يؤدي مهمته، فلماذا يهان؟ ولماذا لا يكرم؟ ولماذا لا ينصف؟ ونحن كما نقول دائما دولة الحق والقانون. إن الحضارة تبدأ من النظافة التي دعا إليها الإسلام بل هي الإيمان، نظافة في الجسم واللباس وفي كل شيء، احترام العامل لابد منه كيفما كان عمله، النبي صلعم قبل يد الحطاب فقال: "اليد العليا خير من اليد السفلى". في الحديقة الحديثة العهد، والتي أصبحت قديمة ومهملة، تصرفات تشبه سلوك الحيوانات، صادرة عن تبول الأضوطين وجعس المتجعسين أمام المارين في فضاء الحديقة، وأماكن عمومية...، وهذه التصرفات تعتبر جنحة، تستوجب غرامة وعقوبة، ولكن أين الحراس والمراقبون؟. إن تمدن المدينة كما يقال ويكرر يبدأ بالمرحاض، إن الدول المتقدمة حينما تقيم احتفالات ومهرجانات كبرى، تعمل على نشر مراحيض لمنع المتهورين، الذين يلوثون الشوارع والأماكن العمومية، وفي مقال بأسبوعية “الأيام” آية الله الخميني كان ينظف مرحاض منزله بنفسه، وكلما أرادت زوجته أن تمد له يد المساعدة، كان يرفض قائلا: ”الأشخاص الذين يأتون لزيارتي، ويستعملون المرحاض هم ضيوفي ومن واجبي أن أساعدك بتنظيف هذا المكان“، نجاة أبو الحبيب عن الكاتبة الفرنسية ديان دوكري ص: 26 العدد 524 // من 18 ماي إلى 24 منه 2012. وهناك المنزل المرحاض، يملكه ممثل الجمعية العالمية للمراحيض، ”سيم جاي ديك” في كوريا، ومن مبادئ الجمعية: نشر الوعي، وكيفية استخدام المرحاض، وجمع التبرعات لبناء المراحيض في الدول التي تحتاج إلى الصرف الصحي. إن احترام الأرض واجب، لأنها تصبر على تحمل أطنان من الأزبال، ونحن لا نستطيع حتى شم ما ينبعث منها من كريه، بل، نختنق فيصبح التنفس مستحيلا، وكذلك البحار التي تلقى فيها النفايات التي تقتل الأسماك، إن الذي فيه بر نقتله بدون مراعاة منافعه، والذي فيه علاط نشجعه رغم أضراره. لا نثبت الحق، ولا نزهق الباطل، ولا ننشر العدل، نهين الضعيف، ونساند السفيف، والزغزغ الخفيف. إن الحضارة بعد تعاريفها العديدة، هي مساعدة الضعفاء، ونشر الشفقة والرحمة بين البشر، فالرسول صلعم أرسله الله رحمة للعالمين ولكافة الناس. غياب الوعي والثقافة والاحترام والنظافة والمراقبة وتطبيق القانون... هذه العوامل، وغيرها من عوامل التقدم والرقي، يجب أن نستحضرها ونفكر فيها والعمل بها ليكون مجتمعنا سليما نظيفا، محترما المدينة "شوارعها أحياءها فضاءها حدائقها تراثها عمرانها مرافقها مؤسساتها سكانها..." حتى نستطيع العيش في دعة وسعة وطمأنينة، ونمشي في شوارع نقية، ونجلس في حدائق جميلة، تفوح منها روائح زكية ذكية، صيفا وشتاء وربيعا وخريفا، دون رؤية مناظر غريبة، وسلوكات مشينة. وختاما أن نحتاط من الزمن الذي ليس فيه أمان، من سره زمن ساءته أزمان كما قال الرندي، وما حصل للمعتمد بن عباد، حينما كان مسرورا بالأعياد وغيرها، ثم جاءه العيد في أغمات مأسورا، ومن التقلبات المناخية، ومن الظواهر الطبيعية، من زلازل وكسوف وخسوف، ومرور كواكب وأجسام غريبة أحيانا بالقرب من الأرض، كما يحدث للقمر، حسب رأي علماء الفلك (كل ثمانية عشر عاما في اقترابه من الأرض فيظهر سطحه لامعا، وأكثر إشعاعا وأكبر حجما، وقد أطلقوا عليه "القمر الخارق). ألا نكون هيبيين: نأكل وننام، ونترك الأزبال بجوانبنا هائمين في عالم الخيال ب”ل،س،د “ والماريهوانا، والكوكايين.... ولا بوهيميين: لا نعمل ولا نفكر في المستقبل، ولا نلتزم بالأمور العامة والخاصة، ولا نقدر المسؤولية، ولا طوباويين: نعيش في عالم الخيال تهيمن فيه المثالية، ونفكر بأفكار بعيدة عن الواقع المعيش لا نعيج بها، ولا من جيل العبث والضياع والاغتراب والاستلاب، فالصيف هو الصيف، والربيع هو الربيع، والخريف هو الخريف، والشتاء هو الشتاء وإن تغير المناخ. فالحبوب والفواكه والخضر وغيرها من المنتوجات تظهر في إبانها وأوانها بمذاقها ونكهتها، فإذا ظهرت في غير وقتها بوسائل يصنعها الإنسان، فقدت طعمها وحلاوتها، وحتى الأسماك لها أوقاتها، فالسردين يكون لذيذا في الشهر الذي لا يحمل حرف الراء، ونعم السردين...!!! الذي وهبه الله بكثرة لبلدنا وهو أكلة الفقراء كما يحلو للبعض تسميته، ولكنه غني بالفيتامينات أوميغا 3، وفيه فوائد جمة، لو كان من خلق الإنسان ولا يستطيع سوف لا تجد /بتاتا/ سردينة واحدة في الأسواق. وبعد، إن المناخ يتغير، وتنتج الفصول الأربعة نتيجة دوران الأرض حول الشمس، وهذه الحركة تعطي هذه التغيرات من حرارة وبرودة، وبعد الحرارة التي حدثت في الأيام القليلة من هذا الشهر، رجعت البرودة ثانية نتيجة الثلوج التي سقطت، والأمطار التي هطلت، فجاءت الرياح قوية باردة، إن الرياح رغم فوائدها، فهي تساهم في تعطيل الحركة الاقتصادية، من سياحة ورحلات جوية وملاحية. لا أدري أهو صيف، أم شتاء، أم خريف في ربيع..؟ فكما ذكرت سابقا: "إلى أربعين من ماي لا تخلع السترة أو المعطف".