لا بديل عن الحوار... وجها لوجه.! تذكرت وأنا اتصفح خبر قرار مجلس الناظور بناء مركب سينمائي متعدد التخصصات بالمدينة وما رافقه من نقاش و اختلاف وتشجن قول صديقي ذات نقاش عابر بمقهى المدينة "نعيش يا صديقي في`زمن` بائس إلى حد أنه قد يتوقف عن الدوران في أية لحظة بفعل اليأس..." حالة من التنافر والاختلاف والتشاحن تقود الى الفرقة بين ابناء المدينة الواحدة، حتى بات أمرا طبيعيا ان نسمع البعض يتحدثون عن حالة الاحباط التي يعانون منها بفعل هذا الواقع.. موت الناظور وموتنا نحن حوله ، ظلم لا حدود له... انقسامات تغيّر خارطة المدينة.. مجالس مشلولة ، منتخبون فاشلون الا من رحم ربي يمتطون ظهورنا لإعادة تزكيتهم ، وأوهام تباع لكل من يرغب بشرائها فقط لتخدير أيام موجعة لا تنتهي. عدت لأطل على المدينة عبر هذا الفضاء بعد أن توقفت لأيام حين أحسست ان اهله يكتفون فقط بالتلصص من ثقب الباب ولا يدخلون، قررت أن أصطاد، ولو بأعجوبة، من بحره.. وأول الاخبار ، يعيد الينا شيئاً من الأمل الضائع في الغابة الشاسعة التي نعيش فيها، وهو عزم المجلس الجماعي إنشاء قاعة سينمائية في المدينة..لكن جانب آخر منه يضعنا أمام المرآت لكشف انقساماتنا التي تغيّر خارطة المدينة...تخوين وإقصاء وحرب ضروس فيما بيننا .. ولا اتفاق..وهذا يتحمله الجميع دون استثناء. هي ردود فعل مختلفة... البعض أعطى هذه الخطوة ثقة عالية و أثمنوا مجهودات المجلس الجماعي بناء مركب سينمائي متعدد التخصصات بالناظور، واعتبروها مبادرة مهمة في ظل انسحاب الرأسمال الخاص من مبادرات الاستثمار في المجال الثقافي والفني... معتبرين ذلك انجازا مهما، يعكس رؤية جديدة لتنمية الإقليم ويكرس الفعل الثقافي كركيزة من ركائز العدالة الانتقالية. آخرون تعجبوا واستغربوا كيف يتم إبرام عقد تشاركي مع هيئة غير منتمية للإقليم ( مركز الذاكرة المشتركة) ثم المصادقة عليه دون إشراك الفاعلين الرئيسيين في مجال السينما من أبناء المنطقة ودون استدعاء الجمعيات المحلية المشتغلة والمهتمة بهذا المجال... يرون أن هذه القرارات تتخذ في غياب المعنيين الحقيقيين بالمهن السينمائية ويعتبرونها قرارات تقصي المتدخلين الحقيقيين من جمعيات ومهنيين محترفين ومنتجين يشتغلون في مجال السينما بالإقليم ويصنعون أعمالا سينمائية كل السنة. الظاهر إذن أن كلا الجانبين يبصران الأمور جيدا ولكن لا يرى أحدهما الآخر..هما نفسهما، أخوان من رحم المدينة نفسها وأخوان أيضاً من رحم المعاناة والحرمان ، الحرمان من قاعة سينماية ومنذ سنوات وسنوات ... منسجمين مع قضاياهم،لا خلاف في ذالك !! إنسجام، لا أعرف كيف ذكرني بضده! ، ففي المدينة كل الناس فيها يرون بوضوح ويسمعون جيداً ويتكلمون كثيراً، ولكن لا يتفاهمون ولا "يفهمون"... كلٌّ يغني على ليلاه..وهذه هي مصيبتنا الكبرى! كلُّ يركز فقط في البحث عن عيوب الأخر وتصيد أخطاءه وهفواته ... ننزل سلخا في بعضنا البعض ... تخوين وإقصاء وكل منا يرى انه المحق وحامي الحمى وما دونه غير إنسان فاشل وبدون حتى أي انتماء .. لا نتفق على أي شيء..وحتى إن نحن يوما اتفقنا فلا نتعاون فيما اتفقنا عليه، ولا يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه... فقط نتصيد هفوات بعضنا البعض .. وكل اخطاءنا ومخالفاتنا وسلبياتنا ، قادمون كل مرة على مرحلة جديدة من التوتر والتصعيد، لا نعرف ما هو مداها وما هو سقفها وكيف ستنتهي.. نتأبط كلامنا وتعنتنا أحيانا نضع النتيجة مسبقا، ثم نعود أدراجنا للبحث عن كل غث وسمين لننتصر به لوجهة نظرنا،لتذهَب بالتالي كل محاولاتنا أدراجَ الرِّياح! فلماذا لا نعترف إنا لم نعد نتقن غير الكلام والحرب الكلامية والفيسبوكية والاسطفاف الضيق وكل منا يتمترس وراء هاتف أو خلف حاسوب ولا يقبل لأي كائن كان ان يمسه بسوء .. والمصيبة أن أعمالنا وكتاباتنا تمتلئ بها المواقع ، لكن لم نعد نرى ولو سطور موجزة تظهر حقيقتنا .. صار كل شي هو تشتيت فقط لصفوفنا.. بات أمرا طبيعيا ان تسمع البعض يتحدثون عن حالة الاحباط التي يعانون منها بفعل الاساليب الرقابية التي نمارسها ضد بعضنا البعض ونحن لا نعلم شيئا من أبجديات الرقابة الا انها تصيد الاخطاء والمخالفات والسلبيات.. طالبنا المسؤولين في المدينة كثيرا وطويلا بقاعة سينمائية ، وحين بدأت إرهاصاتها الاولى تظهر،نحاول اليوم قبرها! دعونا نعانق ولو الى حين ..النظرية الميكافيلية الغاية تبرر الوسيلة !! بدل شن حملة انتقاد ضد قرارات و تصريحات المسؤولين في المدينة، فجميعنا يعلم أن تصريحاتهم ليست عابرة أو هامشية، فهم لا يصنعون سياسة المدينة، وإنما هم، كما كل "مسؤول"، يُنفِّذون فقط سياسات وتوجيهات ما.. فتعالوا وجرح المدينة ينزف وفي نظرة أطفالنا انكسار تسأل متى نرقى ، متى نكبر قليلا ومتى يكون الكبار كبار... إن كان السيد "الرئيس" قد قدم مشروعاً لبناء مركب سينمائي متعدد التخصصات في المدينة، وبغض النظر عن كونه يتضمن مجموعة من الخطوات المتسلسلة كاتفاقية الشراكة تلك ،بين الجماعة و مركز الذاكرة المشتركة ،والتي أحدثت كل هذا القلق وكل هذا اللَّغَط والتغطية الفيسبوكية . فعلى ضوء ما عشناه ورأيناه وقرأناه وحللناه وناقشناه مع الكثيرين فهذا المشروع وما سيضاف إليه من افكار تتعلق بالتفاصيل هو نقطة البداية للعودة لبناء ما تم قبره أو تخريبه.. والحكماء قالوا: "إذا أردت أن تستقطب الأخر وحتى إذا أردت أن تزعجه ... حاوره " ! ونحن أمام خيارين لا ثالث لهما، إمّا أن نترك خلافاتنا جانباً ونلتقي في منتصف الطريق ونفتح صفحة جديدة عنوانها مصلحة المدينة ، ونلغي مبدأ الاقصاء والتخوين وتصيد الهفوات وما شابه ذلك ، ونجلس على طاولة الحوار المتزن الصادق والشفاف بلا رتوش. وإمّا أن نستعد للإختلافات التي ما أن تغادرنا حتى تعود إلينا قبل حتى أن نودعها .. نعم نحن في الناظور معتادين ومروضين على ثقافة الخلاف فهو جزء من حياتنا اليومية.. لا بل أصبحنا نجيد طرق يجهلها الكثيرين ممن يفرضون علينا هذا الاختلاف وهذا الخلاف، ولكن دعونا هذه المرة نختلف مع أنفسنا،وننفتح على الآخر. ألم يصرح هؤلاء المسؤولين ما مرة أن أبوابهم مفتوحة للنقاش والحوار،فلنخطوا إذن أولى الخطوات، نتأبط استفساراتنا وآرائنا ومقترحاتنا ومشاريعنا ،ونجالسهم على طاولة الحوار ،نحاورهم وجها لوجه ، شرط أن تسود الحوار روح المسؤولية وتغليب الحق على الخلق! أتذكر قول السيد سليمان أزواغ لي ذات دردشة عابرة ذات مساء وقبل حتى أن يصير رئيسا:"(..) واقولها بكل جرأة ، ربما لا استحق ذلك المكان رغم انني اشهد الله ابذل كل ما في وسعي بأن اكون عند حسن ظن من وضعوا صوتهم كامانة في عنقي." فنية الإصلاح موجودة..و"النية" اصبحت الآن مشروعة.."نديرو النية " ونمد لكل مسؤول في المدينة يد العمل المشترك في أفق التوصل إلى نقاط مشتركة، يتسنى الانطلاق منها إلى الأمام ونؤكد للجميع أن الإصلاح الذي ننادي به، يجب أن يكون وفق أسس وقواعد محددة، للوصول إلى تحقيق إنجازات على أرض الواقع... على أمل أن تأتي هذه الخطة بما يشفي الغليل مع أننا متأكدون بأن الامور لن تكون عصا موسى، ولا خاتم سليمان. ولكن مع ذلك لابد من التفاؤل ولن نغلق باب الحوار وباب الأمل ما دامت "النية"، والرغبة في الإصلاح موجودة .. أن يكون الحوار إذن وجهاً لوجه لا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ونقاشات المقاهي... في أفق حسم النقاط الخلافية والجوهرية المختلف عليها ... أن يرقى هذا الحوار إلى مستويات عالية ويعانق انتظارات و تطلعات الاهالي والساكنة ، أن لا تكون غايته الحوار من أجل الحوار، أو الصراخ من أجل الصراخ. بل يجب أن تكون هناك غاية أخرى منه ؛ هي التوصل إلى نقاط مشتركة، حتى يتسنى الانطلاق منها إلى الأمام ،فالحوار الذي نمارسه اليوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي و المقاهي ليس حوارا. هو فقط يقسمنا ، ويعزز الخلافات بيننا، وبالتالي يمنعنا من العمل المشترك. فتعالوا - واعني هنا كل بني المدينة المهمومون بمصلحتها...- تعالوا وجرح المدينة ينزف وفي نظرة أطفالنا انكسار تسأل متى نرقى ، متى نكبر قليلا...متى نترك جانبًا،خلافاتنا واختلافاتنا ،نترك أفعالنا المشينة ترحل،نترك غموضنا ونزيح عن وجوهنا كل هذا التلوّن والتعنت..وهذا العنف . دعونا..نتكلم بحريةٍ كاملة عن غاية الأفعال...دعونا نبني المدينة....وألّا نترك الفوضى تخترق الهدوء فينا..فالوضع الآن لا يحتمل إلا أن نترك خلافاتنا وراء ظهورنا ونهب لخدمة المدينة... إن لم يكن من أجلنا فمن أجل هذه الأجيال القادمة،التي حتما ستحاسبنا يوما ما كما نحن اليوم نحاسب من سبقونا. دعونا نبني المدينة....