بعد هذه الانهزامات المتتالية، فر الإسبان نحو مليلية، مذعورين. ويصف خوان بيرنگرة المبتغاة"، أصداء انتصارات الريفيين: "في صباح 23 يوليوز من سنة 1921، كالمعتاد كان إحياء الشعائر الدينية يجري في كنيسة القلب المقدس للمسيح. وأدى الخوف، أكثر من الحياء والرجولة، بالبعض إلى نشر خبر مفاده أن المغاربة يزحفون على المدينة وأنهم مستعدون للدخول إليها. وكانت بعض الدقائق بعد ذلك كافية لينتشر الخبر في كل أرجاء المدينة مما أدى إلى حركة لا تنسى: في الأزقة جرى الناس طائشين طالبين ملجأ في القلعة القديمة، ووقع الهجوم على صحن الثكنات، وكان الناس يهربون ويصرخون في الشوارع وكأن المتمردين قد جاؤوا وفي غمرة هبوط الهمة كانت تشاهد مناظر فظيعة. واصلت القوات الريفية تقدمها، بقيادة ابن عبد الكريم، إلى غاية قبيلة قلعية، مما أثار قلق الساكنة المحلية مخافة أن يقتل . بعد علم الجنرال "ناڤارو" (Nاڢاررو) الذي كان بمليلة، بهزيمة أنوال وإغريبن قام بالتوجه إلى أرض المعركة، غير أنه لم لم يتمكن من اجتياز مركز دار الدريوش حيث وجد بقايا الجيش الهارب من المراكز الأمامية. وعندما تأكد من وفاة رئيسه، بدأ يفكر في إنقاذ الموقف الحرج الذي أصبح يوجد عليه الجيش، إلا أنه بالرغم من الأوامر التي أصدرها إليه المقيم العام بتطوان الجنرال "بيرينگر" (Bيرينعوير) فإنه لم يستطع البقاء بمركز دار دريوش، نظرا لحصاره من قبل القوات الريفية. وفي الثالث 23 يوليوز سنة 1921، غادر المركز المذكور متجها نحو مركز "باتيل" على رأس بقايا القوات المكونة من 2566 جندي. وما إن وصل إلى مركز باطيل، حتى وجد نفسه محاصرا من قبل المجاهدين، الأمر الذي جعله يغادر المكان ويلتجئ إلى مركز تيزطوطين في 27 غشت، ثم إلى مركز أعروي بعد يومين( ). وفي نفس اليوم الذي وصل فيه "ناڤارو" إلى "أعروي" وجد نفسه محاصرا، وكانت حامية هذا المركز تتكون آنذاك من 2907 جندي و110 ضابط بالإضافة إلى عدد كبير من الجرحى. واستمر حصار هذه الحامية مدة أحد عشر يوما، تعرض خلالها المركز إلى قصف المدافع الإسبانية التي غنمها المجاهدون، وهذا ما جعل عدد القتلى والجرحى يرتفع يوما بعد يوم، وكان من بين القتلى الكولونيل "بريمو دي ريبيرا" (Pريمو دي Rيڢيرا) المتوفى في ثلاثين يوليوز( ). وقع الاتفاق على تسليم السلاح والذخيرة الحربية وحراسة القافلة الإسبانية إلى أن تصل إلى مليلية، واحتفاظ الضباط بمسدساتهم. وعلى هذا الأساس خرجت الفرقة الأولى من المركز بعد تسليمها سلاحها يوم 9 غشت. غير أنه بمجرد مغادرة الجنرال "ناڤارو" المركز مع القافلة الأولى، تمرد بعض الضباط الذين لم يشاطروه الرأي في تسليم المركز، وحرضوا الجنود على عدم تسليم سلاحهم والفتك بالوفد المغربي الذي كان يستلم السلاح داخل أعروي. هكذا اضطرت القوات الريفية للدفاع عن نفسها، فاقتحمت هذا المركز، وكانت النتيجة أنه لم ينج من الإسبان سوى 165 جنديا، و15 ضابطا استسلموا في أول وهلة( ). لقد كانت خسائر الاسبان كبيرة في أعروي، الذي حاصرته القبائل. وقد دام من 29 يوليوز، إلى غاية 9 غشت 1921. بلغ عدد الموتى ما بين تسعة عشر، وعشرين ألف، حسب التقرير الذي قدم للكورتيس. سئم الريفيون من معاملات الاسبان السيئة لهم، مثل التصرفات المستفزة للقبطان "بوميز" (Pوميز)، الذي قتل خمسة وسبعين من الريفيين، وكان يهين الناس الذين يستولي على أراضيهم، تحت ذريعة أنه يريد حمايتها( )، الأمر الذي لم تستسغه القبائل التي لم ترحم الإسبان الذين سلموا سلاحهم في أعروي. وخلال هذه المعركة لم يرض ابن عبد الكريم بقتل الجنود الجرحى والمستسلمين( ). لهذا السبب أمر بعدم قتل أي أسير، أو مستلم وذلك للتخفيف من حدة هيجان القبائل( ). بعد ذلك أمر القبائل التي التحقت به بعدم اقتحام مليلية خوفا من خلق مشاكل دولية. هذا الأمر كان أكبر خطا ارتكبه ابن عبد الكريم، كما اعترف بذلك لاحقا لذا نجد استنكار هذا القرار من قبل الريفيين. منذ اندلاع عمليات مقاومة الاستعمار الإسباني، لم تعتمد السلطات الإسبانية على المواجهة العسكرية فقط، بل إن رغبتها في العقاب جعلها تعمد إلى إحراق الأخضر واليابس، وقامت باستعمال سلاح الطيران، وهو ما ازدادت حدته مع شدة المقاومة ابتداء من سنة 1919، لكن القصف الجوي سيتضاعف ابتداء من سنة 1922. هذه الطائرات كانت رمز شؤم بالنسبة للسكان مما جعلهم يشبهونها بالغراب ويقسمون على أن يتصدوا لها