عمدت الحكومة الإسبانية على سحب الدّعم الذي كانت قد سبقت وتعهّدت بمنحه إلى مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل المغربي من أجل الإسهام المادّي في البحوث التي تنوي ذات الجمعية إجراءها بحثا عن المقابر الفردية والجماعية الخاصّة بالمجنّدين المغاربة ضحايا الحرب الأهلية الإسبانية.. وقد تجلّى سحب حكومة ثَابَاتِيرُو لهذا الدّعم بشكل مؤكّد بعد صدور العدد 266 من الجريدة الرسمية الإسبانية حاملة أسماء الجمعيات والمنظمات والهيئات التي ستدعمها إسبانيا ضمن مشاريعها الرامية لجبر الضرر الجماعي المترتّب عن مرحلة نظام فرانكو وحروبه. سحب الحكومة الإسبانية لتمويلها الموجّه نحو مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل، والمحدد في قيمة 56700 أورو، جاء كردّ فعل على الاحتجاجات الدّاخلية الإسبانية التي وصل صداها إلى البرلمان، والتي كالت اتهامات للمركز المستفيد ب "تهديد الوحدة الترابية الإسبانية" مباشرة عقب انتهائه من تنظيم ندوة بالرباط أواخر شهر شتنبر المنصرم.. وهي ذات الندوة التي خلقت الجدل داخل الأوساط الإسبانية المتشدّدة بعدما شهدت تنظيم نقاشات حول مستقبل مدينتي سبتة ومليلية والجزر المتوسطية التابعة لهما على ضوء القانون والتجارب الدولية، زيادة على التداول بشأن موقع ذات الأراضي، التي تفرض عليها إسبانيا سيادتها، على متن أجندة الأحزاب السياسية المغربية. عبد السلام بوطيب(الصورة)، رئيس مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل، عمد إلى توجيه رسالة احتجاج إلى رئيس الحكومة الإسبانية خُوصي لويس رُودريغيثْ ثَابَاتِيرُو تنصب على مستجدّ التراجع عن الاتفاق المفضي لدعم أشغال البحث عن مقابر ضحايا الحرب الأهلية الإسبانية، إذ أورد ضمن رسالته التي توصّلت "هسبريس" بنسخة منها: "حين أعلنتم الموافقة على إعطاء منحة لمنظمة حقوقية - سياسية مغربية، سجلنا حينها اعتراف إسبانيا بإشكال إقحام المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية، وابتهجنا كثيرا لهذا القرار الشجاع الذي يتماشى مع الديمقراطية والاعتراف بالأخطاء، واعتقدنا أن إسبانيا فعلا بلد ديمقراطي، تخلص من ماضيه الذي يثقل حاضره، غير أن سحب المنحة من مركزنا دليل على أن " الديمقراطية الإسبانية" تجد صعوبة في التخلص من ماضيها الاستعماري" .. قبل أن يردف: "إن قرار التراجع يؤكد بكل أسف غياب الرؤية الاستراتيجية لدى الحكومة الاشتراكية تجاه القضايا المغربية في بناء فضاء ديمقراطي، نقتسم فيه نفس القيم، ونعمل جميعا من أجل السلم والاستقرار، قرار مرتبط بثقل الماضي وبرؤية انتخابوية، واعتبار المغرب ورقة انتخابية وموضوعا لحسم الخلافات الداخلية فقط". كما اعتبر رئيس مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل على متن ذات الرسالة بأنّ تراجع الحكومة الإسبانية لا يمكن أن يعتبر إلا "تصرفا غير ودّيّ تجاه منظمة مدنية تشتغل بجدية كبيرة وبأمل أكبر من أجل علاقة مغربية اسبانية قوية ومتكافئة" وأنّ ذات القرار "ينم عن عدم فهم المقاصد والأهداف الحقيقية لمركز الذاكرة المشتركة والمستقبل.. ويعلق مشروع تحالف الحضارات الذي ما فتأت تروّج له الحكومة الإسبانية".. هذا قبل أن ينصّ على أنّ "مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل قد وعى، منذ نشأته، صعوبة وتعقد الملفات التي يطرحها.. و أنّه تمكن رغم ذلك من إخراج ملفات شائكة من الظل.. وهو ذات المركز الذي يعلن بأن سحب الحكومة الإسبانية لمنحتها لن يوقف مسيرته وأنه مواصل لتحقيق أهدافه كما هي مسطرة بوضوح في قانونه الأساسي"، ويختم بسطر: "نناشدكم بالتعاون البناء و المساهمة في الكف عن النظر إلى المغرب باعتباره ورقة انتخابية، وموضوعا لحسم الخلافات الداخلية.. ونؤكّد احتياجنا جميعا إلى حكمة ابن رشد". تجدر الإشارة إلى أنّ الصحفي علي المرابط كان أوّل المنتقدين لمركز الذّاكرة المشتركة والمستقبل عقب انقضاء الندوة المشار إليها والتي نظّمت بقاعة المؤتمرات لفندق حسّان الرباطي.. إذ أورد الصحفي لمرابط على صدر جداره الشخصي بالموقع الاجتماعي فَايْسْبُوكْ: "أجمع المشاركون ضمن اليوم الدراسي المُنظّم من قبل مركز الذّاكرة المشتركة والمستقبل..، في بادرة مُستحسنة، على ضرورة خنق ثغري سبتة ومليلية للرفع من التكلفة المالية لاحتلال إسبانيا لهذين الثغرين. إلاّ أنّ ما يمكن إثارته هو أساس اشتغال مركز الذّاكرة المشتركة والمُستقبل، إذ لم تمر سوى أسابيع قلائل على تلقّي ذات المركز.. لمبلغ مالي وصل إلى 56700 أورو من الدولة الإسبانية كمقابل مالي عن سلسلة أبحاث بشأن مقابر جماعية للمغاربة بإسباني"، وأضاف: "إذا ما أراد أي كَان طرد إسبانيا من الأراضي التي تحتلّها شمال المغرب فعليه أوّلا أن يشرع في رفض البقشيش الذي يتمّ تلقّيه منها".