سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مئات الأسر مهددة بانجراف منازلها بعد فياضانات واديي «المير علي» و«لمحرشي» في وجدة تطالب بحماية منازلها من الفيضانات والتحقيق في الكارثة ومعاقبة المتورطين
15 دقيقة من الأمطار الطوفانية التي تهاطلت مساء يوم الثلاثاء 17 غشت الجاري ما بين الساعة التاسعة والتاسعة والربع وتجاوزت 50 مليمترا، كانت كافية لإغراق مدينة وجدة في بحر من المياه الجارفة والأوحال تجاوز مستواها أرصفة أغلب شوارع المدينة وطرقاتها المعبدة والمنجزة بعضها بدون بالوعات لتصريف مياه الأمطار، وحولت ساحاتها إلى بحيرات، وفجرت بالوعات قنوات المياه العادمة وأغرقت عددا من سيارات المواطنين المتوقفة على أرصفة محيط بعض المساجد، كما وقع بمحيط مسجد «لالة خديجة» وبالقرب من بعض المقاهي، وزرعت الرعب والفزع وسط الساكنة. كانت الأمطار تتهاطل قوية دون توقف، تحولت على إثرها جميع الشوارع إلى وديان جارفة، واجتاحت السيول الجارفة القادمة من ضواحي مدينة وجدة المسالك والأحياء الآهلة بالسكان من حي سيدي يحيى وحي عمر البوليسي وحي الشهداء وحي سي لخضر وحي لمحرشي وحي المير علي وحي واد الناشف وحي كولوش إلى طريق العونية وسيدي إدريس مرورا بساحة سيدي عبد الوهاب وساحة المغرب العربي وصولا إلى أزقة أحياء الملعب البلدي وطريق بودير، وحولت وسط مدينة وجدة إلى بحيرة روافدها الشوارع والأزقة المتفرعة عنها. «لقد عرَّت مياه أمطار 15 دقيقة من الزمن كذب المقاولين أصحاب المشاريع المغشوشة واغتناءهم السريع على حساب حياة آلاف المواطنين الفقراء المقهورين، كما عرّت عورة المجالس البلدية للجماعة الحضرية لمدينة وجدة وأظهرت عجزها، وكشفت عن تجاهلها للسكان وقصورها في تسيير الشأن المحلي...»، يصيح أحد المواطنين الذي حاصرته المياه وهدمت بيته بالحي الهامشي «المير علي» المتواجد على ضفة الوادي الذي يخترق الحي ويهدد في أي لحظة حياة مئات الأسر بإغراق بيوتهم المتواضعة وانهيارها على رؤوسهم مُشكّلا بذلك مقبرة ضخمة جماعية مفتوحة لهؤلاء الضحايا، ثم تساءل مواطن ثان عاين المأساة وهو يندب حظه «هل الدولة قادرة على محاسبة أولائك الذين كان همهم الوحيد هو النهب والسلب والاغتناء بالغش في بناء جدران هذا الوادي التي انهارت كقطع كرتون، وها هي مياهه تبتلع المنازل وتهدد بجرفها وإقبارنا أحياء؟». انهارت جدران الوادي التي لم يمرّ على بنائها أقل من سنة واحدة، وهي الجدران التي قيل إنها بنيت من إسمنت مسلح وقضبان حديدية قوية لتمنع توسع سريره على حساب منازل المواطنين في مشروع بملايين الدراهم، لكن الواقع عكس ذلك حيث تكشف كذب القائلين والمقاولين والمسؤولين، وذلك بعد أن تفتتت قطع الجدران كالطوب ولعبت المياه الجارفة ب«اللوحات الإسمنتية»، وارتفع منسوب مياهه إلى أكثر من ثلاثة أمتار بعد أن امتلأ بالأوحال والأشجار والأوساخ. عاش سكان أحياء المير علي وحي لمحرشي وحي سي لخضر الفقيرة المهمشة بوجدة مرة أخرى ليلة سوداء وتُركوا لوحدهم يواجهون قدرهم ويقاومون طوفان الوادي الغاضب الذي كاد يبتلع في لحظة خالد الرياض، شاب في الثامنة عشر من عمره لولا الألطاف الإلهية ثم أحد الجيران الذي انتشله بمدّه بمعطفه «كنت عائدا إلى البيت وقتها على جانب الوادي ولم أشعر حتى انهارت الأتربة تحت قدمي وجرفتني المياه لولا أحد الجيران الذي أنقذني، ولم أستفق إلاّ وأنا في المستشفى». زحف الوادي على بيوت السكان وأكواخهم وغطى أغلبها، خاصة تلك المجاورة لضفته، حيث بلغ مستوى المياه فوق الأرض أكثر من 50 سنتيمرا، وفرَّ بعض السكان بأنفسهم وبأولادهم وبأسرهم إلى أماكن آمنة ملتمسين النجاة والسلامة، ومنهم من فضل قضاء الليلة في العراء يترقبون سكونه...ابتلعت الأوحال الأثاث والأجهزة الكهرمنزلية المتواضعة أمام ذهول الضحايا المتضررين من هول الكارثة ولم يجدوا حتى من يواسيهم ويتقاسم معهم مأساتهم وأحزانهم ولو بكلمة مواساة... «تقدمنا بعدة شكايات إلى المسؤولين، منهم الوالي السابق، من أجل إنجاز قناة لصرف مياه الأمطار، وأعطيت لنا وعود لكن دون جدوى، وكلما سقطت الأمطار، إلا ووقعت الفيضانات وأغرقت منازلنا وتكبدنا خسائر. شيدوا جدارا بيننا وبين الطريق الدائري، وجدارا واقيا للسكة الحديدية وأصبحنا معرضين لجميع مخاطر الفيضانات...» يحكي ل«المساء» محمد بنقدور، مواطن قاطن بحي لمحرشي 2 سابقا وحي الأمل حاليا، ثم يضيف قائلا إنه بعد عودته من صلاة التراويح بمسجد الغفران، وجد بمنزله عددا من الجيران محتمين به هاربين من الفيضانات، «طلبنا النجدة من مصالح الوقاية المدنية التي أوضحت لنا أنها لا تتحرك إلا إذا كان هناك ضحايا في الأرواح». كان السكان مذهولين ومذعورين جلسوا إلى عتبات بيوتهم يتأملون عذابهم ومعاناتهم مع الأمطار القوية وخداع المقاولين وغشهم، مقهورين بتهميش المسؤولين المحليين والمنتخبين ولامبالاتهم بمآسيهم. لم يحضر مسؤول يضمد بكلمته جراحهم ولا مستشار من مجلس بلدي للجماعة الحضرية يهون عليهم مما أصابهم. «كلشي مشى...كلشي اغرق...كلشي ادَّاه الواد...حتى واحد ما سَوَّل فينا، حنا غير حشرات...والله ما عندي غير 10 دراهم في جيبي»، يشتكي عجوز من الساكنة المنكوبة بدموع صادقة وحجرشة في الصدر وكلمات متقطّعة تُعبّر عن العوز والعجز والحكرة، «شوف صوَّر الديور وصور الحيطان نتاع الواد... شوف واش هاذي السِّيما أَرْمِي (الإسمنت المسلح)، كلشي طاح وغادي يطيحو الديور علينا ...غادي نموتو تحت الردم...صوّرْ ...» يصيح شاب آخر، «حنا ما عندنا قيمة ...حنا ما نسواو والو...حنا غير حيوانات ما عندنا حتى حق...بناو حيط العار باش ما نبانوش منين جا الملك يدشن المسرح البلدي، صور جدار العار...» يصرخ مواطن ثالث ورابع وخامس من تلك الأحياء المهمشة المتضررة... زارهم في اليوم الموالي عمر حجيرة رئيس المجلس البلدي للاطّلاع على أوضاعهم ولم يستطع فعل أي شيء، كما صرحوا بذلك مساء»، مشيرين إلى أن مجموعة من مستشاري العدالة والتنمية على رأسهم البرلماني عبد العزيز أفتاتي زاروهم واطّلعوا على أحوالهم ورتّبوا لقاء مع والي الجهة الشرقية عامل عمالة وجدة أنجاد عشية نفس اليوم. يستطرد عبد العزيز العمراني، القاطن بحي المير علي، في سرد مآسي المتضررين «وقعت فيضانات 2008 وقام المسؤولون بإصلاحات كانت سبب المشاكل، حيث هناك غش في البناء وعدم إكمال الإصلاحات وليس بالطريقة التي تمت، إذ تم تنميق وتجميل الواجهة من الخارج وحجب وجه الحي الفقير المهمش بجدار العار حتى لا يراه المسؤولون ويصدمهم مشهدنا»، ثم يضيف أن هناك العديد من المنازل التي توجد على حافة الوادي وانهيارها مضمون ومؤكد، حيث ذهبت المياه بأسس البيوت المتواضعة التي بقيت معلقة إلى حين، «ولما نشتكي لا أحد يريد الإنصات إلينا». دمَّرت المياه الجارفة الأسس وعرّتها وتشققت الأسقف وأصبحت العديد من البيوت آيلة للسقوط، فيما جرفت السيول القوية الجدران «الكارتونية» للوادي نتيجة الارتجال والغش في البناء دون الأخذ بعين الاعتبار حياة آلاف المواطنين المجاورين لضفتي الوادي واتخاذ الاحتياطات اللازمة. وفي تصريح ل«المساء»، عبّر عبد العزيز أفتاتي عن أسفه لما وقع لهؤلاء المواطنين مؤكدا أنه لو استمرت الأمطار وقتا أطول من ذلك لكانت كارثة كبرى. وأشار إلى أن القنطرة التي حالت دون سريان مياه الوادي وساهمت في فيضانه بنيت بطريقة عشوائية وغير مسؤولة وطالب بفتح تحقيق في إنجازها، وكذا في عدد من الأعمال الجارية في هذه الأودية، «حسب إفادات المواطنين يبدو أن الأمور لم تخضع لدراسة، ولو طلب من عامل بسيط تهيئة الوادي لما قام بمثل الذي تم القيام به والوقوع في الأخطاء التي ارتكبت من حيث جدران الوادي والمواد المستعملة في البناء ونسبة الإسمنت الممزوجة برمل البناء وقضبان الحديد، وهذا يبين أن تدبير هذا الملف لم يكن سليما وجدّيا ومسؤولا، وحتى ذلك الدعم الذي كان مخصصا لضحايا 2008 والذي قدره 30 ألف درهم لم يصرف لهم إلى حدود هذه الساعة». وأشار إلى أنه نزولا عند رغبة الضحايا والمتضررين طلب عقد لقاء مستعجل مع والي الجهة الشرقية لتدراس الأوضاع الخطيرة والمزرية والمتفاقمة للسكان.