في الخطاب الذي ألقاه في أبريل الماضي أمام القمة المغربية الخليجية في الرياض، قال صاحب الجلالة الملك المغرب محمد السادس "إن الوضع خطير، خاصة في ظل الخلط الفاضح في المواقف، وازدواجية الخطاب بين التعبير عن الصداقة والتحالف، ومحاولات الطعن من الخلف"، وتساءل "ماذا يريدون منا؟". عندما يستحضر المغاربة تساؤل ملكهم هذا، ثم تلك التطورات التي شهدها ملف الصحراء المغربية، والطريقة التي صاغت بها الولاياتالمتحدة قرار مجلس الأمن الجديد حول عمل بعثة الأممالمتحدة في الصحراء، فإنهم لا يستغربون أزمة دبلوماسية غير مسبوقة في تاريخ العلاقات المغربية الأميركية. أزمة بدت ملامحها في استدعاء سفير واشنطن لدى الرباط دوايت بوش من قبل الوزير المغربي المنتدب في الخارجية ناصر بوريطة، الذي كان برفقة المدير العام لمديرية الدراسات والمستندات (المخابرات المغربية) ياسين المنصوري. استدعاء السفير جاء للاحتجاج على مضمون تقرير للخارجية الأميركية بشأن أوضاع حقوق الإنسان في المغرب، وصفته وزارة الداخلية المغربية بأنه يحتوي على "افتراءات غير مقبولة". خيار المواجهة ويرى المحلل السياسي عبد الرحيم المنار أسليمي، حسب ما أوردته "قناة الجزيرة"، على موقعها الإلكتروني، اليوم الخميس، أن السلطات المغربية اختارت هذه المرة مواجهة الجهات التي تعد تقرير الخارجية الأميركية، حيث بادرت وزارة الداخلية إلى عقد اجتماعات مع مسؤولي السفارة الأميركية في المغرب قبل أن تصدر بيانا شديد اللهجة يتهم التقرير ب"الكذب وصناعة وقائع وهمية". وأكد أسليمي -الذي يدير المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات- أن الرباط بدأت تنهج إستراتيجية جديدة عمادها مواجهة مضامين التقارير الأميركية بشأن حقوق الإنسان، واعتبر أن هذه الإستراتيجية قد تؤدي إلى أزمة داخلية في الولاياتالمتحدة إذا ما تبين للكونغرس الأميركي أن بيانات الخارجية الأميركية تقدم معطيات خاطئة عن وضعية حقوق الإنسان في بلد كالمغرب. وبيّن أن هذا التطور المحتمل يشكل فرصة للرباط لنقل النقاش حول آليات عمل الدبلوماسية الأميركية إلى الرأي العام الأميركي ومؤسساته الضاغطة. من جانب آخر يرى متابعون أن الإدارة الأميركية تعمل على معاقبة المغرب بسبب التوجهات الجديدة لسياسته الخارجية التي باتت تعمل على خطب ود شركاء جدد من نادي القوى العظمى، خاصة روسيا والصين. وعبّر الملك محمد السادس عن تلك التوجهات في الرياض بشكل واضح ومباشر عندما قال إن "المغرب ورغم حرصه على الحفاظ على علاقاته الإستراتيجية مع حلفائه، توجه في الأشهر الأخيرة نحو تنويع شراكاته، سواء على المستوى السياسي أو الإستراتيجي أو الاقتصادي". وأكد أن "المغرب حر في قراراته واختياراته وليس محمية تابعة لأي بلد". رد أميركي وفيما بدا أنه رد على خطاب جلالة الملك القوي وغير المعهود في تاريخ علاقات المغرب مع حلفائه، أصدر السفير الأميركي بيانا يوم الأربعاء الماضي جدد فيه "تعلق الولاياتالمتحدة القوي بالتعاون الكبير القائم بين وزارة الداخلية المغربية ومختلف الوكالات الأميركية في المجالات الأمنية والقضائية". وأكد السفير أن بلاده تعتبر هذا التعاون "عنصرا أساسيا للشراكة الإستراتيجية التي تجمعها مع المغرب، وتأمل أن يستمر لأن في ذلك مصلحة مشتركة بين الرباطوواشنطن، تتعلق بضمان أمن البلدين وبترقية حقوق الإنسان بشكل عام". وهنا يؤكد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض في مراكش محمد نشطاوي على الطابع السياسي لتقارير الخارجية الأميركية بشأن وضعية حقوق الإنسان في العالم. وأشار نشطاوي إلى أن هذه التقارير تسير في نفس منحى السياسة الحكومية الأميركية ومصالحها الدولية، واستدل على ذلك بأوضاع حقوق الإنسان في الأراضي العربية التي تحتلها إسرائيل، والتي لا تتطرق إليها التقارير الأميركية بشكل نزيه. وهذا هو ما قد يفسر الاعتقاد السائد لدى غالبية المغاربة بأن الولاياتالمتحدة الأميركية ليست الطرف المناسب الذي يمكنه أن يقدم للعالم دروسا في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وصيانة كرامة البشر.