خلق الكاتب الجزائري محمد سيفاوي الحدث في الجزائر من خلال كتابه الذي خلق ضجة كبيرة تحت عنوان:"بوتفليقة.. خدامه وأسياده". الكاتب هو صحفي جزائري عمل مراسلا لصحيفة جون افريك الفرنسية بالجزائر قبل أن يغادرها خوفا من الاغتيال أو الاضطهاد في أحسن الأحوال. عانى من الغربة عن الجزائر منذ 1999 منذ كتاباته المنتقدة للوئام المدني الذي أعلنه الرئيس بوتفليقة، فيما يسميه الكاتب بالتصالح والتساهل مع القتلة والمجرمين من أنصار التيارات الإسلامية المتطرفة التي اتهمها الكاتب الجزائري بإرهاب الشعب الجزائري وترميل الأسر الجزائرية، وتخريب بيوتها في تسعينيات القرن الماضي عندما قرر جنرالات الجزائر إيقاف المسلسل الانتخابي في الدور الثاني في التسعينيات بعدما اكتسح إسلاميو جبهة الإنقاذ الإسلامية الحكم ووجود بوادر قوية لقبول الرئيس الجزائري السابق المرحوم الشاذلي بن جديد مشاركة السلطة مع الإسلاميين ضد إرادة الجنرالات بالجزائر، لكن جنرالات الجزائر كان لهم القول الفصل، فقاموا بإجبار الشاذلي بن جديد على الاستقالة، لتدخل الجزائر دوامة الاقتتال الداخلي الذي خلف مئات الآلاف من الضحايا وما تزال مسؤولية هذه الجرائم لم تفتح بعد بشكل يعيد لأسر الضحايا حقوقهم المسلوبة، وتبادل العسكر والإسلاميون المسؤولية عن ذلك، لكن اعترافات العديد من ضباط المخابرات الجزائرية فيما بعد مثل العقيد محمد سمراوي وآخرين بمسؤوليتهم في صناعة الجماعة الإسلامية المقاتلة والجيش الإسلامي وغيرها من فرق الموت، يوضح بجلاء التورط الفاضح لجنرالات الجزائر في قتل المدنيين وإغراق السجون بالآلاف من الأبرياء بدعوى استئصال الإرهاب وتطهير الجزائر. كتاب الكاتب الجزائري محمد سيفاوي "بوتفليقة.. خدامه وأسياده" يحمل العديد من المعطيات التي تشخص الوضع المأساوي الذي تعيشه الجزائر بداية سنة 2011 أي بعد بداية الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت تونس وليبيا ومصر، ويحمل الكتاب دعوة إلى الشباب الجزائري للتفاؤل بقرب سقوط نظام بوتفليقة، لأنه يحمل في ذاته كل مؤشرات الانهيار، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يتحدث الكتاب عن أعمار الساسة الجزائريين وجنرالاتهم، فيجد معدل أعمارهم في سنة 2011 تاريخ كتابة الكتاب 73 سنة، فيما معدل عمر الشعب الجزائري هو 35 سنة، فهل يمكن لجيل الثمانينيات من العمر أن يحكم شباب الثلاثينيات ويحقق مطالبهم، وهو الذي يستعين في قاموسه السياسي والإعلامي بمفاهيم الاستقلال الوطني، والوحدة الوطنية، ومناهضة الاستعمار، وشعارات الاستقلال عن الغرب، وتأميم المصالح الاقتصادية الوطنية على الطريقة البومدينية، وكل هذه الشعارات الكاذبة بطبيعة الحال لا يستسيغها شباب اليوم الذي يرى في فرنسا بلدا للحرية والعمل والمستقبل وليسا بلدا استعماريا؟؛ فإليكم أعمار بعض الشخصيات الجزائرية: (بعض الأسماء المذكورة في الكتاب توفيت الآن) عبد العزيز بوتفليقة (73 سنة)، الجنرال محمد العماري (75 سنة)، الجنرال توفيق مدين (72 سنة) (رئيس الاستخبارات الجزائرية منذ أكثر من 50 سنة)، جمال ولد عباس (75 سنة)، داحو ولد القابلية (وزير الداخلية الأسبق)، السفير الجزائري في فرنسا صبحي (86 سنة)، العربي بلخير توفي الآن آخر مهمة له هي سفير الجزائر بالمغرب (78 سنة)، الجنرال إسماعيل العماري (74 سنة)، الجنرال محمد بوتشين(76 سنة) وغيرهم كثير. الكتاب يتحدث كذلك عن الصراع الخفي بين أجنحة الحكم بالجزائر، وخاصة بين جناحي توفيق، وجناح الرئيس، ويظهر من معطيات الكتاب أن الرئيس الجزائري الذي تم استقدامه من جنيف في 1999 ليعوض الرئيس اليمين زروال بدأ حكمه بعقلية جهوية، أي أعطى الأفضلية لأبناء الغرب الجزائري على حساب مجموع أبناء الجزائر أي أرجع ما كان يسمى بحكم عصابة وجدة بعدما قام الشاذلي بن جديد بمحاولة تصفية مجموعة وجدة التي تمثل الإرث البومديني في الجزائر، واستبدلها المرحوم الشاذلي بمحور باتنة وسوق الاحرس. الرئيس الجزائري منذ بداية حكمه قام بمحاولة الانتقام من الجنرالات الذين منعوه من خلافة بومدين سنة 1978، ومن الساسة أعضاء جبهة الإنقاذ الوطني الذين صوتوا ضده آنذاك لعضوية الأمانة العامة لجبهة التحرير الوطني، مما اضطره إلى مغادرة البلاد والعيش كمستشار لمجموعة من أمراء الخليج وخاصة أمراء الإمارات، الكتاب يتحدث عن كيفية تزوير الانتخابات الرئاسية في ابريل سنة 1999 والتي أعطت الفوز الكاسح لعبد العزيز بوتفليقة برقم 74 في المائة. بالطبع الكتاب يتحدث عن المفاوضات التي فرض فيها بوتفليقة معدل النجاح في الانتخابات، واشترط أن يكون أكبر من جميع سابقيه، الجنرالات الذين استقدموا عبد العزيز بوتفليقة كخيار لحكم الجزائر في هذه المرحلة لم يكن اختيارهم الأول هو بوتفليقة بل كان هو محمد بن يحي، لكن رفض بعض الجنرالات ومنهم محمد بوتشين لهذا المقترح أدى بهم الى اختيار عبد العزيز بوتفليقة كوجه دولي معروف ذي حنكة ديبلوماسية مشهودة، هذا ما اعتقده الجنرالات الذين أرادوا بذلك اجتياز المرحلة الدقيقة التي باتت تعيشها الجزائر بفعل الحرب الدموية التي تلت تعطيل المسلسل الانتخابي في سنة 1992، والعزلة الدولية التي يعيشها الجنرالات المتورطون في المذابح والمطلوبون لدى العدالة الدولية، لكن الجنرالات خاب أملهم في بوتفليقة عندما انتهج سياسة الاستفراد في القرار وإضعاف المؤسسة العسكرية والاستخبارات، مما خلق مشاكل كبيرة وأزمات خطيرة تعيشها الجزائر يوميا بفعل صراع الأجهزة واستفحال الفساد والرشوة. فالجزائر اليوم تحتل الرتبة 136 من الدول الأكثر فسادا، ولعل الفضائح المستمرة التي تعرفها شركة سوناطراك وهي الشركة الجزائرية الكبرى المتخصصة في الطاقة والغاز والتي عين فيها الرئيس الجزائري أحد أصدقائه شكيب خليل والمطلوب اليوم للعدالة الجزائرية بتهم الفساد ونهب المال العام، كما أن الكتاب يتطرق بشكل كبير إلى تنامي النفوذ العائلي في المربع الرئاسي الجزائري مع صعود اسم سعيد بوتفليقة والذي يرتبط اسمه اليوم بجميع الصفقات الاقتصادية والتسلحية التي تعرفها الجزائر في السنوات الأخيرة مما أدى بالجزائريين إلى القول إن في تونس هنالك ليلى الطرابلسي، وفي الجزائر هناك سعيد بوتفليقة. الكتاب يتناول كذلك العلاقات الجزائرية الفرنسية، والعلاقات الجزائريةالأمريكية، ويتحدث عن صراع أجنحة الحكم في الجزائر على استقطاب ود كل من الدولتين رغم أن الرئيس بوتفليقة وصف دائما ومنذ أن كان وزيرا للخارجية في عهد بومدين برجل فرنسا الأول في الجزائر، لكن تصاعد الاهتمام الأمريكي بالغرب الإفريقي، وتهديدات تنظيم القاعدة للمصالح الأمريكية فرض على واشنطن اعتماد الجزائر كحليف عسكري إقليمي، واستفاد الرئيس بوتفليقة والنظام الجزائري ككل من هذه الحاجة الأمريكية للاستخبارات الجزائرية في محاربة الإرهاب بعد الأحداث التي ضربت واشنطن في 11 شتنبر 2001 لشراء صمت الولاياتالمتحدة عن انتهاكات حقوق الإنسان بالجزائر.