توطئة: ظهرت في المغرب في العقود الأخيرة من القرن الماضي وسنوات الألفية الثالثة مجموعة من المقاربات والنظريات التربوية المعاصرة، وهي نظريات إما مستوردة من الغرب، مثل: بيداغوجيا الأهداف، وبيداغوجيا الكفايات، ونظرية الذكاءات المتعددة... وإما نظريات مغربية أصيلة عبارة عن اجتهادات شخصية محضة، قد تكون صائبة أو خاطئة، مثل: نظرية الملكات لمحمد الدريج، ونظرية البيداغوجيا الإبداعية لجميل حمداوي، ونظرية مدرسة المستقبل لمصطفى محسن. وتسعى كل هذه المقاربات التربوية إلى إصلاح المنظومة التربوية والتعليمية المغربية بشكل من الأشكال، وتطوير العملية الديداكتيكية بالفصول الدراسية تخطيطا وتدبيرا وتسييرا وتقويما ومراقبة. ويعني هذا أن التعليم المغربي تتجاذبه ثنائية التجريب والتأصيل. ومن أهم النظريات التربوية المعاصرة التي سنتوقف عندها في هذه الدراسة هي نظرية مدرسة المستقبل؟ فماهي هذه النظرية؟ وماهو سياقها التاريخي؟ وماهي مرتكزاتها النظرية والتطبيقية؟ وماهي مزاياها وعيوبها؟ مفهوم مدرسة المستقبل: يقصد بمدرسة المستقبل تلك المدرسة المنفتحة على الجديد من المعارف والمعلومات، وتلك المؤسسة التربوية التعليمية التي تساير مستجدات العولمة، وتواكب التغيرات السريعة التي تحدث في العالم. لذلك، تهدف مدرسة الغد أو مدرسة المستقبل إلى تطبيق المرونة في بناء المنظومة التربوية، والتركيز على التعلم الذاتي، وتجديد طرائق العمل تخطيطا وتدبيرا وتسييرا وتقويما ومراقبة، مع الأخذ بالمعلوميات والتكنولوجيا المعاصرة، وإعداد متعلم كفء قادر على توظيف موارده ومهاراته وخبراته توظيفا جيدا، حيث يدمجها في وضعيات جديدة معقدة ومركبة. وينضاف إلى ذلك، أن مدرسة المستقبل هي مدرسة جديدة وحداثية ، تسعى إلى تحفيز المدرسين معنويا، وتشجيعهم ماديا وماليا، وتكوينهم تكوينا جيدا على أساس التكوين المستمر لتحقيق التنمية الشاملة والمستمرة، بله عن تطوير المناهج والمحتويات وطرائق التدريس ووسائل الإيضاح وأدوات التقويم والمراقبة والتصحيح. كما تعمل هذه المدرسة على الجمع بين الأصالة والمعاصرة، والإقبال على التغيير والتجديد والتحديث، مهما كان نوع هذا الجديد أو طبيعته أو مصدره. هذا، ويذهب الباحث المغربي مصطفى محسن في كتابه(مدرسة المستقبل: رهان الإصلاح التربوي في عالم متغير) إلى أن مدرسة المستقبل أو الغد هي التي تمتلك" مجمل مواصفات ومقومات الجدة والحداثة والنجاعة والجودة، مدرسة وطنية جديدة متجددة، قادرة على أن تشكل فضاء لبناء الإنسان/ المواطن المنشود، وقاطرة آمنة لإكساب مجتمعاتنا أهلية وجدارة الانتماء إلى زمن العولمة ومجتمع المعرفة وتمكنيها من امتلاك الاقتدار المطلوب لاستكمال بناء ما نطمح إلى ترسيخه من مشروع مجتمع حداثي ديمقراطي نهضوي مؤصل مستحق متفاعل، من جهة، مع مقوماتنا وقيمنا وخصوصياتنا الفكرية والروحية والسوسيوحضارية ..ومتواصل، من جهة ثانية، مع شروط ومعطيات وتحديات ورهانات لحظته التاريخية والكونية الراهنة." ويعني هذا أن مدرسة الغد أو المستقبل هي مدرسة تفاعلية تواصلية منفتحة وديمقراطية وحداثية، تؤمن بالإبداع والمرونة والتعددية والتعلم الذاتي والتكوين المستمر. والآتي، أنها قاطرة للتنمية الشاملة المستدامة، ومؤسسة منفتحة على محيطها السيوسيواقتصادي، ومدرسة توفيقية تجمع بين الأصالة والمعاصرة. كما أنها مؤسسة مسايرة للعولمة بمستجداتها الثقافية والحضارية والعلمية والأدبية والفنية والتقنية. سياق مدرسة المستقبل: تبلورت مدرسة المستقبل مع إعلان دمشق الذي ترتب على مؤتمر دمشق الذي حضره وزراء التربية والتعليم والمعارف في الوطن العربي ، وقد نظمته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بالتعاون مع وزارة التربية في الجمهورية العربية السورية بدمشق يومي27و28 من شهر ربيع الثاني سنة 1421ه(29و30 من شهر تموز/ يوليو 2000م) من أجل تكوين تصور واضح وخطة إجرائية شاملة لبناء ( مدرسة المستقبل) بناء فعالا ومستمرا . والغرض من هذا المؤتمر الثاني هو بناء تصور تربوي جديد حول مدرسة المستقبل التي ينبغي أن تكون مدرسة مسايرة لمحيطها المحلي والعربي والعالمي. بمعنى أن تكون المدرسة قاطرة للتنمية الشاملة والمستمرة، تواكب مختلف التغيرات العالمية على جميع الأصعدة والمستويات، سيما العلمية والتقنية والثقافية منها. وفي هذا السياق، يقول إعلان دمشق:" في ضوء التغير السريع في مسيرة العالم في شتى مجالات الحياة من علمية وتقنية واقتصادية واجتماعية وثقافية وسواها، وفي ضوء ما يكشف عنه واقع التربية في بلداننا العربية وما حققته من تقدم سريع وموصول خلال العقود الخمسة الأخيرة، وما واجهته وتواجهه من عقبات ومعوقات. وفي ضوء ما ينبئ به الواقع العالمي من احتمالات مستقبلية متباينة. وفي ضوء الاتجاهات التربوية المعاصرة، وما تقدمه من تصورات وحلول لمواجهة الأيام، استجابة لمطالب التغير السريع ولاسيما في الميدان المعرفي والثقافة والعلاقات بين الأمم. نعلن للشعب العربي الكريم عن عزمنا على بذل قصارى الجهود الدائمة من أجل مواكبة التغير الذي يطرأ على التربية في العالم، ومن أجل استبقاء ما سوف يعززه المستقبل في بلادنا وفي العالم من تغيرات تنعكس آثارها على نظام التربية والنظام الاجتماعي الشامل من أجل المشاركة في رسم معالم المستقبل العربي في شتى المجالات، وفي تصحيح مساره، بحيث يكون للأمة العربية في بناء المستقبل العالمي نصيب. هذا كله يستلزم القيام بجهد مستمر من أجل بناء المدرسة العربية التي تستجيب لمطالب التغير استجابة علمية، تعبئ إمكانات العمل التربوي ومقوماته ومكوناته المختلفة، سواء اتصلت بأهداف التربية أم بمحتواها أم بطرائقها أم بوسائلها أم بإداراتها وتنظيمها أو سوى تلك من جوانب العمل التربوي تعبئة جديدة متكاملة. " وعليه، فإعلان دمشق هو بمثابة تأسيس لمدرسة المستقبل المنفتحة على محيطها المحلي والوطني والقومي والعالمي والإنساني، دون الانسلاخ عن مقومات الأصالة والقيم الفطرية الإسلامية. ومن ثم، يندرج إعلان دمشق ضمن سياسة عربية وحدوية مشتركة لتأسيس مدرسة مستقبلية بناءة وهادفة، تواكب مستجدات العولمة بكل مظاهرها وتجلياتها المختلفة والمتعددة والمتنوعة. المرتكزات النظرية: تستند مدرسة المستقبل- حسب إعلان دمشق- إلى مجموعة من الأهداف الأساسية التي تتمثل في التصورات النظرية التالية: التأكيد على أهمية تزويد الطلاب بالمعرفة والوعى اللازمين لتمثل عطاء ثقافتهم القومية وتراثهم المشترك، وإدراك جوهر تلك الثقافة وقيمها الروحية ومدلولها الحضاري ومعاني وثمرات التواصل بينها وبين ثقافات العالم. العمل على سيرورة المعلوماتية، والأخذ بالثقافة في مناحي المنظومة التربوية استجابة لروح العصر ومواكبة لمتطلباته. بناء النظام التربوي المرن في أبنيته ومراحله وأنواعه وسنوات الدراسة فيه وأعمار المنتسبين إليه ومناهجه وتقنياته وسائر مقوماته. تجديد التربية تجديدا دائما عن طريق التربية المستمرة، وتأكيد أهمية العناية (بالتعلم الذاتي)، وإجادة أساليبه وتقنياته. العناية بتربية الإبداع في مؤسساتنا، والتركيز على كيفية التفكير. الاهتمام لدى الطلاب بتكوين المواقف والاتجاهات الايجابية الفعالة التي تمكنهم من مواجهة التغيير أيا كان وأنى كان، والتكيف مع الجديد، وامتلاك مهارات الإبداع وكفاياته. العناية بالمعلم إعدادا وتدريبا من أجل تعزيز مكانته، وتغيير دوره من نقل للمعرفة إلى منظم لنشاطات الطلاب، ومدرب لهم على أساليب تحصيل المعرفة ووسائل معرفتها، ومكون لمواقفهم واتجاهاتهم وقيمهم، وتنمية لقدراتهم الذاتية وللفكر الناقد لديهم. وذلك كله في إطار العناية الأساسية بتكوين روح المواطنة لدى هؤلاء الطلاب وروح المسؤولية والقدرة على الحوار والتضامن والعمل المشترك من أجل بناء غد عربي أفضل." ويبدو لنا من هذا الإعلان العربي المشترك أن مدرسة المستقبل أو مدرسة الغد هي مدرسة إبداعية بامتياز، تشجع الطلبة على الجمع بين الأصالة والمعاصرة، والانفتاح على الجديد حبا واستحسانا و مسايرة ، ومواكبة مستجدات المحيط العالمي، والتمسك بالتكوين المستمر، والتركيز على التعلم الذاتي، وتشجيع الإبداع، وبناء المنظومة التربوية على المرونة والتدريج ، والعناية بالمعلم باعتباره مرشدا وموجها ماديا ومعنويا ، مع العمل على تكوينه باستمرار. ومن ثم، فمدرسة الغد أو المستقبل ليست مقتصرة على دولة عربية واحدة فقط، بل هي بمثابة مشروع عربي قومي يتأسس ضمن فلسفة الوحدة العربية. وفي هذا الصدد، يقول الإعلان:" ومن أجل ذلك كله، نؤكد عزمنا على جعل التربية هما وطنيا وقوميا مشتركا، وعلى فسح المجال لمشاركة المؤسسات غير الحكومية وسائر قطاعات المجتمع في تجويدها وتمويلها، مع التأكيد على أن الدولة تظل هي المسؤولة الأولى عن تربية الأجيال. ونعلن بعد هذا كله عزمنا على تفعيل العمل العربي المشترك في هذا المجال، بحيث يكون الرافعة المشتركة لعملية التجديد والتغيير التي تستلزمها " مدرسة الغد"، وذلك عن طريق متابعة توصيات هذا المؤتمر متابعة موصولة، ورسم الخطط والوسائل المشتركة التي تعجل في إنفاذها" وفي السياق نفسه، يذهب تقرير التنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - الذي أعده البنك الدولي بواشنطن عام 2007 م- إلى أن بناء مدرسة المستقبل تتطلب ثلاثة شروط أساسية هي: إجراءات الهندسة التي تتضمن وجود المدخلات الفنية السليمة واستخدامها بكفاءة. الحوافز اللازمة لتشجيع تحسين الأداء والاستجابة من جانب من يقدمون الخدمات التعليمية. المساءلة العامة للتأكد من أن التعليم كسلعة عامة يخدم مصالح أوسع نطاق من المواطنين. ويتوصل التقرير إلى الاستنتاج التالي بأن" الأنشطة التعليمية في المنطقة يجب أن تسلك مسارا جديدا للإصلاح. ولهذا المسار الجديد سمتان الأولى هي اتباع نهج جديد للإصلاح ينصب التركيز فيه على الحوافز والمساءلة العامة، إلى جانب توفير مدخلات للأنظمة التعليمية، والأخرى تشدد على سد الفجوة بين المعروض من الأفراد المتعلمين وبين الطلب الداخلي والخارجي على الأيدي العاملة. " وخير من يتبنى نظرية مدرسة المستقبل في المغرب نذكر الباحث التربوي والاجتماعي مصطفى محسن الذي كتب مؤلفا تحت عنوان (مدرسة المستقبل : رهان الإصلاح التربوي في عالم متغير)، و يرى في المبدإ الأول من تصوره النظري أن هذه المدرسة تنبني على "رؤية مستقبلية حداثية للإنسان والمجتمع والتاريخ، للذات وللآخر، ولمتغيرات اللحظة الحضارية بما تتسم به من تحديات ورهانات وتغيرات وآثار". أما الملمح الثاني من مشروعه النظري، فيتمثل في ضرورة إصلاح مناهج التعليم وتحديثها وعصرنتها لمواكبة المستجدات المعرفية والتقنية، مع تجديد" مضامينها المعرفية والمهنية والقيمية واللغوية والعقدية والاجتماعية بما ينسجم ، من جهة، مع مطالب وحاجات المجتمع في المجالات المختلفة، ويتفاعل، من جهة أخرى، مع مستجدات ظرفية العولمة وإكراهاتها وتداعياتها وقيمها الجديدة. ولعل من أهم ماهو مطلوب في إصلاح مناهج التعليم في نظمنا التربوية هو تخليصها من طابعها المعلوماتي الكمي اللاوظيفي في مجمل الأحوال، وجعلها وظيفية لا تقف عند حد التركيز على كم المعارف، بل تهتم أكثر بتلقين ما يكسب المتعلم ملكات وكفايات التحليل والتركيب والتساؤل والنقد والإبداع والابتكار فكريا ومهاريا." وثالثا، الاهتمام بتقنيات التعليم والتعلم، والاستعانة بالتكنولوجيا والمعلوميات في التبليغ والتكوين والتدريس، والتركيز على ثقافة الصورة، وحوسبة المؤسسات التعليمية، وتعزيز تقنيات وأساليب التوجيه والإعلام المدرسي والمهني والجامعي... رابعا، تجديد وتحديث أساليب التقويم والاختبارات ، والنظر إليها في تكاملها الشمولي، سواء فيما يتعلق بالتقويم الفردي أم الجماعي أم المؤسساتي أم للنظام العام، و" يتطلب تدعيم ذلك بتوفير مجمل الشروط والظروف البيداغوجية والنفسية والاجتماعية للتفهم والتقبل والتعامل بإيجابية مع مختلف عمليات التقويم من طرف كل الفرقاء المعنيين ، والارتقاء بها إلى مستوى التقويم الموضوعي الملائم في كل أنماطه ومراحله وآلياته وظروف إجرائه." خامسا، تأهيل خريج مدرسة المستقبل، " فقد أصبح مطلوبا أن تتوفر فيه مجموعة متكاملة من المواصفات والمقومات المعبرة عن تمكنه من المعارف والمهارات والقيم الفردية والجماعية المستهدفة من كل ما ذكرناه أعلاه من كفايات وقدرات نوعية تمكنه من مواكبة التحول والتجدد، ومن التكيف مع معطيات ومطالب العصر. " وتنبني مدرسة المستقبل أيضا على تعاليم اليونسكو التي استوجبتها في مدرسة المستقبل في تقرير لها سنة 1995م، وتتمثل في: التعليم للمعرفة، والتعليم للعمل، والتعليم للعيش مع الآخرين، وتعلم المرء ليكون، والتكوين المستمر مدى الحياة. أما الملمح السادس من المشروع النظري، فيتمثل في أن يكون معلم مدرسة المستقبل متمكنا من آليات البيداغوجيا والديداكتيك، ومنفتحا على محيطه السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والديني. سابعا، لابد أن تتمثل الإدارة التربوية آليات التدبير والتخطيط المعقلنين، باعتماد المقاربة التشاركية واللامركزية والاستقلالية، والاعتماد على التسيير الذاتي، وتأهيل الموارد البشرية ، وتدبير الموارد المالية، والانفتاح على محيطها المحلي والوطني والعالمي...إلخ. وينضاف إلى ذلك كله، ضرورة تحديث الإدارة وعصرنتها بالمعلوميات والحواسيب وأساليب الإدارة المعاصرة. ثامنا، يتعلق هذا الملمح النظري بالبنية المعمارية الخاصة بمدرسة المستقبل، " فيجب أن يراعى فيها، تصميما وإنجازا وتجهيزات، مواصفات ومقومات الجودة والوظيفية والتنوع والانفتاح على خصوصيات وحاجات وأنشطة محيطها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي...بحيث يتجاوز النظر إلى وظائفها مجرد اعتبارها فضاء للتعليم والتعلم، وإنما فضاء مفتوحا لاحتضان أنشطة وتظاهرات اجتماعية واقتصادية وثقافية من خارجها(أنشطة مؤسسات المجتمع المدني، وجمعيات، وجماعات محلية ومؤسسات ثقافية...إلخ)، ولن يتحقق ذلك لهذه المدرسة إلا إذا تم تأسيسها في إطار تخطيط تربوي تشاركي متكامل، وبناء على خريطة مدرسية مندمجة قائمة على معايير علمية وتربوية واجتماعية عقلانية، وعلى اختيارات سياسية واضحة الأهداف والمصالح والرهانات والتوجهات.." أما في ما يخص التمويل، فلا يمكن لمدرسة المستقبل أن تحقق نتائجها إلا بتمويل هذه المدرسة عن طريق إشراك المجتمع المدني، والمؤسسات الإنتاجية، واللجوء إلى بعض أساليب الوقف، والتحفيز الضريبي الداعم للتبرع، والمشاركة الشعبية الهادفة والمقننة، ورصد تمويلات خاصة للمؤسسات التعليمية على أساس الجودة، وحفز بعضها على الإنتاج في إطار تعليم تعاوني متكامل مع قطاعات إنتاجية مختلفة..." ويلاحظ أن هذه التصورات النظرية التي يتبناها مصطفى محسن قد استفادت بشكل من الأشكال من إعلان دمشق الذي نص على مدرسة المستقبل أو مدرسة الغد، كما استفاد مصطفى محسن من الميثاق الوطني المغربي للتربية والتكوين، ومن تقرير واشنطن لسنة 2007م حول التعليم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المعنون ب(الطريق غير المسلوك)، علاوة على تقديم مجموعة من اجتهاداته الشخصية النيرة. مزايا مدرسة المستقبل وعيوبها: من الأكيد أن لمدرسة المستقبل أو مدرسة الغد إيجابيات وفوائد جلى ، مثل: إصلاح المنظومة التعليمية كما وكيفا، والتركيز على تطوير المؤسسة التعليمية والإدارة التربوية تخطيطا وتدبيرا وتقويما ومراقبة، وتطوير العدة البيداغوجية والديداكتيكية من مقررات وطرائق ووسائل، وتجديد وسائل التقويم والمراقبة والتصحيح والمعالجة، وتوظيف آليات التكنولوجيا الرقمية، وتشجيع التعلم الذاتي ، والأخذ بفلسفة التكوين المستمر، وإعداد المدرس إعدادا جيدا ، مع تحسين وضعيته الاجتماعية. علاوة على تطبيق فلسفة الإبداع في مجال التربية والتعليم، وحفز المتعلمين والطلبة على قبول التجديد مهما كانت طبيعته ومصدره ومكانه. لكن تبقى هذه النظرية التربوية عبارة عن مبادئ وغايات عامة مجردة وفضفاضة ، تحتاج إلى الأجرأة التطبيقية. وبالتالي، يصعب إنزالها إلى أرض الواقع لغياب الموارد المادية والمالية والحوافز المعنوية، وغياب إستراتيجيات سياسية قطرية تنفيذية إجرائية في مجال التربية والتعليم. بمعنى أن إعلان دمشق عبارة عن مشروع إيديولوجي وحدوي طموح، يحتاج إلى التطبيق والتفعيل والتنزيل الميداني، مادامت مختلف قراراته وتوصياته لم تنزل - إلى حد الآن- إلى الواقع العملي، بل ازدادت الأمية في العالم العربي انتشارا، واستفحل التردي التربوي امتدادا، وتوسعت الهوة العلمية والتقنية والإعلامية بين الغرب والشرق اتساعا. وما زال التعليم العربي - حسب تقرير واشنطن لسنة 2007م - متعثرا في هياكله وتوجهاته ونتائجه وأهدافه. ويعني هذا كله أن القرارات التي تتعلق بمدرسة المستقبل ظلت حبرا على ورق، وبقيت حبيسة أدراج المكاتب ورفوف وزارات التربية والتعليم والمعارف في الوطن العربي. خاتمة وخلاصة القول، فعلى الرغم من إيجابيات مدرسة المستقبل القائمة على التعلم الذاتي، وفلسفة الإبداع، والتعلم الذاتي، والمرونة، والانفتاح على الجديد، وتطوير المنظومة التربوية تطويرا شاملا، وتحسين وضعية المدرس تأطيرا وتحفيزا، فإن هذه القرارات الإدارية والتصورات النظرية ظلت عبارة عن آمال وطموحات مستقبلية ، تنتظر من يفعلها إجرائيا في أرض الواقع. وعليه، لا تستهويني - شخصيا- مدرسة المستقبل أو مدرسة الغد، كما يتجلى ذلك نظريا في الأدبيات التربوية الموجودة، بل أميل إلى مدرسة الإبداع أو إلى البيداغوجيا الإبداعية . وتعني نظريا أن يكون المتعلم أو المتمدرس مبدعا قادرا على التأليف والإنتاج، ومواجهة الوضعيات الصعبة المعقدة؛ بما اكتسبه من تعلمات وخبرات معرفية ومنهجية. وتتمظهر الإبداعية في الاختراع، والاكتشاف، وتركيب ماهو آلي وتقني، وتطوير ماهو موجود ومستورد من الأشياء، وإخراجها في حلة جديدة، بطريقة أكثر إتقانا وجودة . ولابد أن يكون ماهو مطور قائما على البساطة، والمرونة، والفعالية التقنية والإلكترونية، وسهولة الاستعمال. ومن جهة أخرى، تستند الإبداعية إلى الذكاء، وامتلاك الكفاءة، واستضمار القدرات الذاتية التعلمية في مواجهة أسئلة الواقع الموضوعي، عن طريق تشغيل ما استضمره المتعلم من مكتسبات وموارد ومعارف ومهارات، وما استوعبه في السنة الدراسية أو عبر امتداد الأسلاك الدراسية ، تكيفا مع الواقع الموضوعي، والتأقلم معه إما محافظة (الحفاظ على القيم الأصيلة)، وإما تغييرا (تغيير الواقع)، والتوفيق بين الأصالة والمعاصرة، والجمع بين النظري والعملي، وتمثل القيمي والعلمي معا. ولن يتحقق ذلك - فعلا - إلا بدمقرطة المجتمع على جميع الأصعدة والمستويات.