قرعت طبول المهرجان المتوسطي بالناظور وأعلن عن خوض نسخة جديدة من هذه المحطة الثقافية لرابع مرة بالإقليم، ف"سخن الطرح" وبدأ الكل في الإستعداد على طريقته، فئة بادرت للإجتهاد وإنجاح التظاهرة "باش مايشمتوش فيهم العديان" وأخرى أخرجت أقلامها ودفاترها ولقمت أسلحتها لخوض معركة النقد و"الإسقاط"، وأنا جالس أتابع حرب الشد والجذب لا من هؤلاء ولا من هؤلاء. وكانت النقطة التي أفاضت الكأس هي تأكد خبر حضور المطربة العالمية ميريام فارس لأول مرة إلى الناظور، فباشرت عناصر مكافحة "الفساد" مهمتها بالهجوم يمنة ويسرة، خاصة وأن الفنانة اللبنانية معروفة بأزيائها الجريئة الكاشفة للمفاتن، فتسلح المنتقدون على شبكات التواصل الإجتماعي، وبصفتي كائنا فايسبوكيا فقد عاينت كما من الإنتقادات نالته المسكينة ميريام وجمعية المهرجان تجاوز بكثير ما ناله بشار الأسد في سوريا أو القذافي في ليبيا.
مرت الأيام وانطلق المهرجان المتوسطي للناظور ، فقلت مع نفسي كم هم مساكين أعضاء جمعية المهرجان عندما سيتفاجأون بالأعداد القليلة التي ستحضر نشاطهم الفني، فقصدت شارع 80 متر بمنطقة الناظور الجديد على متن الحافلة المجانية رفقة "أولاد اشعب" لحضور السهرة الأولى، لأتفاجأ بالعديد الكبير من المتفرجين الذين حجوا لمعاينة نجومهم المفضلين عن قرب، قلت ربما هو الهدوء الذي يسبق العاصفة خاصة وأننا مجتمع محافظ كما يقال.
عدت إلى المنزل فتناولت حاسوبي وبدأت أجول على صفحات الفايسبوك، فاستغربت من جديد للعدد الكبير من الإنتقاد والتهجم على فناني الأمسية ومنظمي المهرجان، قرأت التعليقات وأعدت قراءتها فربما لم أفهم جيدا ما كتب، لأنني قادم للتو من منطقة مكتظة بآلاف المتفرجين حضروا السهرة "ونشطوا مزيان" وها أنا أشاهدهم ينتقدون ويسبون ويغرقوننا آيات قرآنية وأحاديث نبوية عن الغناء و"الفساد"، فقلت دعنا ننتظر باقي السهرات لنحكم.
يوم السبت، وبحكم كونه يوم عطلة، فقد قضيت عشيته في المنزل أتصفح مواقع الأخبار المحلية وأتجول في التعليقات والمواضيع على الفايسبوك، وكان الشغل الشاغل لأهل الناظور هو "مريام فارس هنا" "مريام فارس هناك"..فخاطبت نفسي "لامجال للشك فالليلة سيمنى منظمو المهرجان بهزيمة كبيرة وسيجرون أذيال الخيبة بعد أن يعاينوا غياب الجمهور ومقاطعته لسهرة سيدة المسرح"،خاصة بعد الهجوم الكاسح الذي شنه المناهضون ل"الغناء الماجن"،وفتيات ينتقدن ملابس الميريامة وهن كلهن عاريات في شوارع المدينة.. وكم كانت دهشتي كبيرة بالليل عندما شاهدت المنطقة المحيطة بمنصة ميريام ممتلئة والجمهور منتشر بكثرة على طول شارع 80 متر، فاندهشت ولم أفهم شيئا، خاصة وأن المنتقدين هم أنفسهم حاضرون، آلاف الشباب ومثلهم من الفتيات والنساء يرقصن ويغنين كاع كاع أزبيدة وأغاني شرقية..فعرفت القصة ونسيت أن المغاربة لطالما عرفوا ب"جوج وجوه" و"أنا مع الرابح"، حتى أصبحنا نردد ما نسمعه لنندمج مع المجتمع ونصبح مقبولين، لأن المجتمع المغربي بكبعه رافض للإختلاف حتى ولو على حساب سعادتك.
لقد نجحت ميريام فارس في كشف حقيقة مرة لدينا لطالما تحاشينا الحديث عنها، إنها ازدواج الرأي لدينا، فالمنتقدون هم أنفسهم من حضروا المهرجان، ومناهضي الفساد اليوم هم أنفسهم من تغنى بمهرجانات أمس..ولم تكن سهرة ميريام فارس إلا جزءا صغيرا من المشكلة، فكم هوجم مناصرو الحرية الفردية للأشخاص وانتقد الداعين إلى الحرية الجنسية للأفراد، وتناسى الجميع أن الشعب المغربي يعيش هذه الأمور بشكل يومي إلا أن خوفه من الإعتراف دفعه إلى "الرفض" والإنتقاد حتى أصبحت حياته عبارة عن متناقضات كثيرة يتردد في الإختيار. يعرف أحد المحللين النفسيين النفاق الإجتماعي على أنه " ظاهرة مَرَضية نفسية؛ حيث يُظهِر الشَّخص عكس ما يبطن، يُبدي رأياً خلاف قناعاته، ومتى ما اختلف مظهَر المرء عن جوهره، وقولُه عن فعله، وسرُّه عن علانيته، حتى يعيش دوامة من التردد والخوف الداخلي من ردة فعل الآخر.".. فشكرا ميريام فارس لأنك كشفت مرضا نفسيا مزمنا نعاني منه. للتواصل : www.facebook.com/mighis.elwalid