حينما تسمع النشيد الرسمي بالتلفزة المغربية "بونضيف أنا بونضيف"، فأعلم أن الصيف قد حل. فرغم أن كلمات الأنشودة تقول "بونظيف شتا وخريف" إلا أن الإعلام لا يرفع علم النظافة إلا صيفا. لقد حزمت زوجتك الحقائب منذ شهر أبريل، وأولادك يتقافزون بجوارك كالبراغيث منذ شهر فبراير وهم يسألون "متى سنذهب إلى العطلة؟". أنت طبعا قد قدمت طلب الحصول على شهر يوليوز كعطلة سنوية منذ نهاية العطلة السنوية السابقة، لأن تلك هي المدة الكافية لتضمن أن لا أحد من زملاء العمل سيزاحمك في الحجز. تقرأ لافتة تحمل عبارة من طراز: "قرض العطلة الصيفية، تبرع وأرا ليا!". تقرر أن عليك بالفعل أن تتمتع، وأن تقدم لهم ما تيسر من أجرك لأربع سنوات القادمة.. والسنة القادمة ستضيف ما تيسر إلى ما تيسر هذه السنة.. وهكذا دواليك حتى يتيسر طريقك إلى أقرب زنزانة تقضي بها ما تبقى من عطلتك السنوية. تعبئ سيارتك الأثرية بأطنان من الأواني والملابس وخيمة عملاقة، وتصنع جبلا فوق سقفها المتهالك. تتأكد أنك عبأت خزان الوقود تماما لأن سيارتك، على قدمها، من النوع الذي يشفط البنزين شفطا. تتأكد من أنك عبأت زوجتك وأولادك بالكراسي، وتأكد من أن تنطلق في الخامسة صباحا، لأن حماتك في الشقة المقابلة لا تغط في نوم عميق إلا في وقت مماثل.. إنه الوقت الوحيد الذي تتعطل فيه رادارات المراقبة خاصتها. تمشي بسرعة خمس سلاحف في الساعة، وبجانبك تمر خمس صواريخ بعلامات ترقيم أجنبية. تستنتج بصعوبة أنهم مواطنونا القانطون بالخارج، والذين يأتون ليفرجوا عن قنوطهم على حساب أعصابك. هؤلاء هم من يُستقبَلون بالأغاني ويُوَدعون بالصمت الإستراتيجي. هؤلاء هم من يدخلون البلاد محملين بأطنان من الصابون الذي سيستعمل لاحقا لزحلقتهم خارجا بعد انتهاء أرصدة عطلهم. تصلون بعد عناء إلى المصيف.. تصلون بعد أن توقفت بكم السيارة خمس مرات، وذكرتك زوجتك ألف مرة بأن عليك شراء سيارة أحدث، وذكرتها ألف مرة بأن بئر البترول خاصتك لم تبدأ بعد بتحقيق أرباح. تقاتلون لنصب الخيمة بشكل مقبول فيزيائيا، وتنزل وأولادك إلى الشاطئ بعدها تاركين زوجتك لأعمال الطبخ والكنس لأنها تستمتع بذلك كالعادة. تجاهد كي لا تفقد أصبعا من أصابعك أو أصابع أولادك في الطريق غير الممهدة التي تصرون على سلكها حافيي القدمين لأنكم في مصيف طبعا. مهمتك بسيطة الآن: يجب أن يلعب أطفالك هنا وهناك دون أن يختطفهم أحد أو تستخرج جثة أحدهم من المياه. في سبيل ذلك تسترخي في مقعدك تحت الشمسية التي كدت تهشمها وأنت تثبتها في الرمال.. تحمل جريدتك اليومية، وتبدأ القراءة بعين عليها وأخرى على الأطفال. أمامك شهر من هذا الاستمتاع، تمارس فيه دورك العائلي والوطني بمكافحة النظافة في الشواطئ، وتدمر ما تيسر من ميزانيتك. وتعود في النهاية إلى البيت سعيدا بالإنجازات التي تتفاخر بتحقيقها مع زملاء العمل.. إنجازات من قبيل سمرة اللون والصندل ذو الأصبع الذي اشتريته بنصف ثمنه الأصلي. لقد تراجع حاجز الأحلام كثيرا في هذه البلاد!