يؤكد الدكتور سعد الدين العثماني، وزير الخارجية المغربي السابق ورئيس المجلس الوطني لحزب "العدالة والتنمية" الذي يقود الحكومة التي تشرف ولايتها على الانتهاء، أن لا قوى سياسية في البلد تمثل الملكية أو تجسد امتداداً لها. ويشدد العثماني، في حوار مع "العربي الجديد"، على أنه لا حظوظ لتصدر حزب "الأصالة والمعاصرة" المعارض، نتائج انتخابات مجلس النواب يوم الجمعة المقبل، مبدياً ثقته في أن "جميع المؤشرات واستطلاعات الرأي تعطي المرتبة الأولى لحزب العدالة والتنمية". وبعد أن أثنى القيادي البارز في الحزب الحاكم في المغرب على الإصلاحات الكبيرة التي قامت بها الحكومة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وعلى جرأتها في فتح ملفات "حارقة" لم تقترب منها حكومات سابقة، فقد أكد أن مواجهة ما سماه بالتحكم تعد أرضية رئيسية لدخول حزبه في تحالفات بعد الانتخابات المقبلة. * الانتخابات التشريعية على الأبواب، وهناك من تحدث عن صعود أسهم "الأصالة والمعاصرة"، خصوصاً بعد ما سمي بالغضبة الملكية على رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران؟ في البداية، هذا الكلام عن غضبة ملكية هو من الرجم بالغيب، وقد مضى الزمن الذي كان البعض يستثمر بمقولة القرب أو البعد عن الملك، فمجمل القوى السياسية والنخب الحزبية حسمت في موقع المؤسسة الملكية، ودورها الوطني الجامع، وبالتالي لم يعد هناك في الحقل السياسي قوى تمثل الملكية أو امتداد لها، وتحتكر الوفاء والولاء لها، وتعبر عن رغباتها أو عن غضب مزعوم. نحن ننظر إلى ما ينشر في هذا المجال بأنه يدخل في إطار الصراعات الانتخابية. أما عن تصدر "الأصالة والمعاصرة" للانتخابات، فهذا لا يقوله أحد ولا يعضده أي مؤشر، فكل المؤشرات واستطلاعات الرأي تشير وتعطي المرتبة الأولى إلى "العدالة والتنمية"، وهو ما تعكسه نتائج انتخابات 4 سبتمبر/أيلول 2015، حيث تصدر حزبنا نتائج الانتخابات الجهوية والتي هي قريبة إلى حد كبير من حيث نمط الاقتراع من الانتخابات التشريعية، وكذلك تصدر حزب "العدالة والتنمية"، بأغلبية مطلقة أو قريبة منها، نتائج أغلبية المدن الكبرى وكثير من المدن المتوسطة، فالمنطقي هو تصدر "العدالة والتنمية" للانتخابات. * هل تعتبرون حزب "الأصالة والمعاصرة" المعارض واجهة حزبية للتحكم بالمشهد السياسي في المملكة؟ " لا مجال لاستنساخ التجربة التونسية (تحالف النهضة والنداء) في المغرب " في سؤالك جزء من الصحة. في كل حزب أناس شرفاء، لكن أحياناً يكونون مهمشين عاجزين عن دفع هيئتهم السياسية للالتزام بالسلوك السياسي السليم، قانونياً وأخلاقياً. * هل صحيح أن هناك أصواتاً من داخل حزب "العدالة والتنمية"تطالب بترك الباب موارباً أمام أي تحالف أو مهادنة مع حزب "الأصالة والمعاصرة" في الانتخابات المقبلة؟ ليس هناك من يدافع عن التحالف مع "الأصالة والمعاصرة"، والحلفاء في المرحلة المقبلة واضحون، وقد أعلنا عنهم بشكل صريح. ونحن مستعدون كذلك للتعاون مع مجموعات سياسية أخرى نتشارك معها الحد الأدنى من الدفاع عن مصالح المواطنين والبناء الديمقراطي ومواجهة التحكم. والحديث عن وجود اختلاف حول هذا الموضوع داخل قيادة الحزب غير صحيح. " في كل بلد لوبيات وأصحاب مصالح يحاولون حماية مصالحهم " * ما رأيك في ما بدأ يروج بشأن حدوث السيناريو التونسي في الانتخابات المغربية. أي تحالف حزب "نداء تونس" مع حركة "النهضة" الإسلامية؟ أعتقد أن التجربة المغربية مختلفة عن التجربة التونسية، وسياق كل واحدة مختلف عن سياق الأخرى، وبالتالي أرى أن الحديث عن استنساخ التجربة التونسية غير وارد. * انتخابات 7 أكتوبر تُعد الأولى من نوعها التي تتم بناء على دستور 2011. ما مدى نجاحكم في تطبيق مضامين الدستور؟ أعتقد أن الحكومة التي ترأسها حزبنا استطاعت تفعيل بنود الدستور، من خلال الحرص أساساً على التعاون والشراكة الفعالة بين المؤسسات بما يحقق توسيع قاعدة الإصلاح. كما عملت الحكومة على إخراج كل القوانين التنظيمية التي نص عليها الدستور، والتي تعتبر المحدد لقواعد وآليات تطبيق الأسس التي أرساها. واليوم جميع تلك القوانين التنظيمية موجودة، بعضها دخل حيز التطبيق، وقليل منها ينتظر مصادقة البرلمان. * منتقدو التجربة الحكومية يقولون إن حزبكم فشل في تطبيق شعار الإصلاح على أرض الواقع. أين نجح حزبكم في ملف محاربة الفساد؟ حققت الحكومة نسبة مهمة من برنامجها. على المستوى السياسي نجحت الحكومة في تسيير المرافق العمومية بشكل طبيعي، وإقرار مبدأ تكافؤ الفرص في الولوج إلى الوظيفة العمومية. وعلى مستوى محاربة الفساد وإقرار الحكم الجيد، فهي تتابع أكثر من 30 ألف قضية رشوة، وهو رقم غير مسبوق، مع الإشارة إلى أن الرقم الأخضر للتبليغ عن الرشوة أسهم في محاربتها، خصوصاً بعد تفعيل نظام حماية المبلغين والشهود. كما تم إقرار نظام جديد على مستوى تتبع ثروة القضاة في كل من القانونين التنظيميين للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والقانون التنظيمي للقضاة، بالإضافة إلى تجريم الإثراء غير المشروع بالنسبة للمصرحين بممتلكاتهم. وعلى المستوى الاقتصادي استطاعت الحكومة تحسين المؤشرات الماكرو اقتصادية، فمثلا تم تقليص عجز الميزانية إلى 3,5 في المائة، وارتفعت احتياطات العملة الصعبة إلى أكثر من 7 أشهر، وكانت عند انطلاق عمل الحكومة حوالي 4 أشهر فقط. وأسهم ذلك في تدفق الاستثمارات الأجنبية إذ بلغ 146 مليار درهم، أي بزيادة 28 في المائة مقارنة مع الأربع سنوات التي سبقت وصول هذه الحكومة. وقد انعكس ذلك على التصنيفات الدولية في مختلف مجالات النشاط الاقتصادي حيث تحسن ترتيب المغرب في معظمها. وعلى المستوى الاجتماعي كانت هناك حزمة إجراءات، لائحتها طويلة. منها مثلاً إحداث صندوق التعويض على فقدان العمل لأول مرة في تاريخ المغرب، وتوسيع قاعدة الطلبة المستفيدين من المنح الجامعية ورفع قيمتها، وإقرار التغطية الصحية للطلبة، وخفض ثمن أكثر من 2700 دواء وغيرها كثير. هناك إذن مجهود كبير وإنجازات مهمة، لكن الطموح كان أكبر بطبيعة الحال، ولا يمكن لأحد أن يدعي أنه أنجز كل ما هو ضروري في بلد تحيط به التحديات في كل الاتجاهات. * يستغرب البعض من كون حزبكم الذي يقود الحكومة غامر بشعبيته من خلال إصلاح أنظمة التقاعد وصندوق المقاصة، ما أفضى إلى تدابير لم تكن في صالح الفئات الضعيفة، غير بعيد عن موعد الانتخابات. هل يمكن الحديث عن "كلفة الإصلاح"؟ الحكومة تحلّت بالشجاعة وإعلاء مصلحة الوطن على مصلحة أحزابها، وفتحت ملفاً حارقاً لم يستطع كثير الاقتراب منه. وعلى العموم نسبة مهمة ممن مسهم الإصلاح قد تفهموا الإصلاح، وعرفوا أنه لو كان غرض الحكومة المصلحة الحزبية لما باشرت الإصلاح، وفعلت مثل سابقاتها، لكن مصلحة الوطن اقتضت ذلك ولو كان على حساب شعبية الأحزاب. وغير صحيح أن الفئات الضعيفة تأذت من ذلك، فالإجراءات المصاحبة وعدد من القرارات الأخرى كانت لمصلحتها. وقد تحسن عدد من المؤشرات الاجتماعية ولو بنسبة بسيطة. * قياديون كثر في حزب "العدالة والتنمية" لم يعد لهم حديث سوى تهمة "التحكم". ما المقصود بالتحكم؟ هذا المصطلح يعني أن هناك جهات سياسية تستقوي ببعض الأطراف في الإدارة للتأثير على نتائج الانتخابات أو في القرار السياسي، بعيداً عن القواعد الديمقراطية. وهو شيء نددت به عدة أحزاب، وليس فقط حزب "العدالة والتنمية". وظهر ذلك أحياناً من خلال الضغط على مرشحين لتغيير انتماءاتهم الحزبية، أو لمخالفة التوجهات السياسية لأحزابهم. وهذا يعني أن التنافس السياسي اليوم هو بين المدافعين عن الديمقراطية واستقلالية القرار السياسي للأحزاب وإعطاء مصداقية للعمل السياسي، وبين من يسعون عملياً ضد تلك القيم والمبادئ. والفرز في المرحلة المقبلة يجب أن يبنى على هذا الأساس، وذلك لمصلحة الوطن ومستقبله. من الواضح أن المغرب قد خطا خطوات مهمة على طريق البناء الديمقراطي، لكن بعض الأصوات لا تزال تقاوم هذه التحولات وبث الوعي في المجتمع. * هل يعني "التحكم" ما يسميه البعض "الدولة العميقة"؟ هل توجد "دولة عميقة" في المغرب؟ في كل بلد توجد لوبيات وأصحاب مصالح يحاولون حماية مصالحهم ولو كانت غير مشروعة، أو بوسائل غير قانونية. * هل ترى أن المحيط السياسي الإقليمي، خاصة في دول الجوار والمنطقة العربية، يوافق تصدر حزب "العدالة والتنمية" للانتخابات؟ لا أظن أن هذا يطرح مشكلة بالنسبة لها، فطبيعة النظام السياسي المغربي يجعل مواقف المغرب وعلاقته بمحيطه في مأمن عن التقلبات، إضافة إلى أن نمط الاقتراع لا يسمح لأي حزب بتشكيل الحكومة لوحده، بل ستكون أي حكومة مقبلة ائتلافية وتتشكل من عدد من الأحزاب. " حزب العدالة والتنمية لم يخلق للحكومة فقط، وإذا اقتضت الضرورة سنكون في المعارضة " * بماذا تعدون المغاربة في حالة فوز "العدالة والتنمية" بالانتخابات البرلمانية وترؤس الحكومة المقبلة؟ ما هي المشاريع الإصلاحية التي تنوون الاستمرار فيها؟ البرنامج الانتخابي حكمته عدة مرجعيات ومنطلقات، في مقدمتها صيانة مكتسبات الحصيلة المشرفة للحكومة المنتهية ولايتها، من قبيل تعميم نظام التغطية الصحية بعدما كان يشمل فقط ثلث المغاربة، وإنقاذ المالية العامة من الإفلاس عن طريق تقليص عجز الميزانية وتأمين العملة الصعبة وتقليص العجز التجاري، والأهم التحكم في المديونية. من منطلقات البرنامج أيضاً، تعزيز مواصلة مسار الإصلاح السياسي الذي عرفه المغرب بعد العمل بالدستور، واعتماد القوانين التنظيمية، حيث إن هذه الحكومة كانت زاخرة بالتشريع والإنتاج غير المسبوق في تاريخ المملكة، بالإضافة إلى صيانة المقاربة الجديدة للإصلاحات التي تتم دون المس بالحقوق المكتسبة للمواطنين. برنامج الحزب انطلق كذلك، من الرصيد المشرف للاستراتيجيات الكبرى في مختلف المجالات، من قبيل التنمية الصناعية التي وفرت 160 ألف فرصة عمل، والطاقة التي تجاوزت الاستثمارات فيها ال90 مليار درهم. أما بخصوص محاور البرنامج، فإنه يتضمن خمسة محاور، يتعلق الأول بالحاجة الملحة إلى دعم مصادر النمو مثل المقاولة والتصدير والبناء وكذلك تنويعها، بالإضافة إلى ضرورة اعتماد برنامج تنموي جديد. ويتعلق المحور الثاني بالثروة البشرية التي تعد مصدر قوة الوطن، حيث إنه من الضروري صون كرامة المواطن، ومواصلة خدمته وضمان حقوقه في التعليم والصحة وغيرها. أما المحور الثالث، فيرتبط بالنهوض بالعدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق، في حين يتعلق الرابع بالحكم الجيد وما يرتبط به من أولويات من قبيل تعزيز الشفافية، وتعزيز مسار إصلاح القضاء، ومحاربة الفساد وتعزيز الحريات. ويتعلق المحور الخامس بإشعاع النموذج المغربي، وتنافسية المغرب. * إذا لم يتصدر الحزب الانتخابات المقبلة، هل من شروط لديكم للدخول في الحكومة، أم أنكم ستختارون المعارضة؟ حزب "العدالة والتنمية" لم يخلق للحكومة فقط، بل نحن أمضينا عقداً من الزمن في المعارضة. نتمنى أن نستمر في الحكومة بقصد المساهمة الفعالة في تسيير الشأن العام، لكن إذا اقتضت الضرورة أن نكون في المعارضة، فأنا لا اعتقد ان أن هناك مشكلة بالنسبة لنا. أما شروط الدخول في أي حكومة فهو التوافق مع مكوناتها على برنامج موحد، وأن تتوفر شروط العمل الجماعي، فما يهمنا أكثر في "العدالة والتنمية" هو الصالح العام، وليس المصلحة الحزبية. العربي الجديد