شاب متزوج من فتاةٍ مُقَصِّرة في الصلاة وفي البيت والأمورِ المنزلية، وهي كثيرة الصراخ والاستهزاء، حاول كثيرًا أن يصلحها لكنه فشل في ذلك، ويفكِّر في الطلاق. ♦ تفاصيل السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنا شابٌّ في الثلاثين مِن عمري، متزوجٌ مِن فتاة في بداية العشرينيات، مشكلةُ زوجتي أنها لا تهتم بالأمور المنزلية، وإذا طلبتُ منها ذلك تبدأ في الصراخ، وتُكَرِّر كلمات سيئة، ولسانُها يحتدُّ عليَّ، وإذا ناقشتُها في أي أمرٍ تَرُدُّ باستهزاءٍ ولا مبالاة! تقوم بيننا بعض المشكلات، لكن المشكلة الأكبر أنها تُطيل لسانها عليَّ وتشتم، حتى إني ذات مرة انفعلتُ عليها وضربتُها! كذلك هي مُقَصِّرة في الصلاة، وإذا نصحُتها بالصلاة، تقول: هذا شيءٌ لا يخصك، فأنت لن تحاسبني! كثيرًا ما أُفَكِّر في الطلاق وهدْم البيت، لكني أتراجَع عن ذلك، وحاولتُ أن أُكَلِّمَ أباها في ذلك، لكن لا حياةَ لمن تُنادي! أفيدوني ماذا أفعل معها؟ الجواب
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله ومَن والاه وبعدُ:
فمرحبًا بك أخًا كريمًا، وضيفًا عزيزًا، وزائرًا متميزًا لشبكة متميزةٍ، ألَا وهي شبكة الألوكة، واللهَ أسأل أن تجدَ فيها بُغيتك، وتحصُلَ فيها على طلبك، و نصل - نحن وأنت - إلى ما يُقَدِّم لك النفْعَ في الدنيا والآخرة.
شكر الله لك أخي الكريم حُسْنَ اهتمامك بزوجتك، وحِرْصك على ألَّا تهدمَ حياتك، وأثابك اللهُ خيرًا على حُسْنِ نيتِك، وعنايتك بها في كل الأمور؛ سواءٌ الدنيوية أو الأُخروية، لا سيما أمرك لها بالمحافَظة على الصلاة؛ عملًا بقول الله تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [طه: 132]، أَلَمْ يأمُرْنا الله تعالى بأن نَقِيَ أنفسنا وأهلينا النار؛ فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
فيجب على كلِّ إنسانٍ أن يَقِيَ أهله من النار؛ لأنه يحمِلُ مسؤوليتهم، فكيف يحميهم؟ وكيف يبعدهم؟ وما الطرُق التي يسلكها ليقيهم مِن النار؟
إنَّ ذلك لا يكون إلا بتعليمهم شرائع الدين، وتربيتهم على سنة سيد المرسلين، ومِن أعظم ذلك الصلاة.
بل إنَّ أول ما ذَكَر العلماء مِن حقوق الزوجة على زوجها أن يأمُرَها بطاعة الله - تبارك وتعالى، هذا الحقُّ الذي مِن أجْلِه قام بيتُ الزوجية، فإنَّ الله شرَع الزواج، وأباح النِّكاح، لكي يكونَ عونًا على طاعته، ويكون سبيلًا إلى رحمته.
وسُئِلَ شيخُ الإسلام ابن تيميَّة عمَّن له زوجة لا تُصَلِّي، هل يجب عليه أن يأمرَها بالصلاة؟ وإذا لم تفعلْ هل يجب عليه أن يُفارقها أم لا؟
فأجاب - رحمه الله -: "نَعَم عليه أن يأمرَها بالصلاة، ويجب عليه ذلك؛ بل يجب عليه أنْ يأمرَ بذلك كلَّ مَنْ يقدر على أمره إذا لم يقمْ غيره بذلك"، إذًا فالواجبُ عليك أن تأمرَ زوجتك بما أمر الله، وأن تنهاها عما حرَّم الله، وأن تأخُذَ بحجزها عن عقوبة الله.
والأدلةُ على ذلك كثيرةٌ في القرآن والسنة النبوية، ويمكنك أن تعودَ إليها إذا شئتَ في مَظانِّها.
ونأتي الآن إلى إهمال زوجتك في القيام بأمورها الحياتية، والتعدِّي عليك بالسبِّ: لا شك أن ذلك يُؤذيك، ويُوغر صدرك تجاهها، ويدفعك - كما قلتَ - إلى التفكير في طلاقها، ويجعلك تعيش في حيرةٍ مِن أمرك، فتجافيك السعادة، ويصادقك الهمُّ، ولكني هنا أخي الكريم أُذَكِّرك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً، إن كرِهَ منْها خُلُقًا رضِيَ منْها آخرَ، أو قال: غيرَهُ))؛ رواه مسلم.
ومِن ثَمَّ فإذا بحثتَ في زوجتك، فستجد فيها ما يُرضيك مِن الأخلاق، ولكن فتِّشْ عن ذلك بعين الرضا؛ كما يقول الشافعي:
وإليك بعض الخطوات التي يُمكنك الاستفادة منها في مُعالَجة ما تشكو منه من زوجتك: أولًا: حَسِّن علاقتك بالله تعالى، وكنْ دائمَ الاتِّصال به؛ فإنَّ دوامَ الاتصال بالله تعالى كفيلٌ بإسعادك وإصلاح زوجك لك، ألم تقرأ قولَ الله تعالى: ﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90]، واختلَف أهلُ التأويل في معنى الصلاح الذي عناه الله - جلَّ ثناؤُه - في قوله: ﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾، فقال بعضهم: كانتْ عقيمًا فأصلحها بأن جعلها وَلُودًا، وقال آخرون: كانتْ سيئة الخلُق، فأصلحها الله له بأن رزقها حُسن الخُلُق، وقال أبو جعفر: والصوابُ مِن القول في ذلك أن يقال: إن الله أصلح لزكريا زوجَهُ، كما أخبر - تعالى ذِكْرُه - بأن جعلَها وَلُودًا حَسَنَة الخُلُق؛ لأن كل ذلك من معاني إصلاحه إياها، ولم يخصُصِ الله جلَّ ثناؤه بذلك بعضًا دون بعض في كتابه، ولا على لسان رسوله، ولا وضع على خصوص ذلك دلالةٌ، فهو على العموم ما لم يأتِ ما يجب التسليم له بأن ذلك مرادٌ به بعض دون بعض"؛ [تفسير الطبري].
وكان أحدُ السلَف الصالح يقول: "والله إني لأعلم ذنبي في خُلُق زوجتي، وفي خُلُق دابتي".
ثانيًا: اعرفْ شخصية زوجتك، وحاوِلْ أن تعرفَ مَداخلها؛ فإنَّ لكل نفسٍ مفاتيح ينبغي أن يتعلَّمها الإنسانُ؛ حتى يعرفَ كيفية التعامُل معها.
ثالثًا: تجنَّب النقْدَ اللاذع لزوجتك، واستبدلْ مكانه النُّصح والإرشاد المحفوف برائحة المحبة والاحترام؛ لأن النقْدَ السيئ سَهْمٌ قاتلٌ للسعادة الزوجية إذا تكرَّر وانعدمتْ فيه اللباقةُ واللُّطْف؛ تقول الكاتبةُ الإنجليزية (دورتي ديكس) المختصَّة في البحث وتقصي أسباب الطلاق: "إنَّ أكثر من نصف الزوجات اللواتي يمكن أن يحظين بالسعادة يتحطَّمْنَ في العادة على صخور محاكم الطلاق، بسبب النقد وحدَهُ!".
رابعًا: تغاضَ عن صغائر الأمور، وتغافَلْ عن الأخطاء، إننا حين نتوقَّف عن تضخيم صغائر الأمور في علاقتنا الزوجية سنُقَلِّل من المشاكل، ويذهب عنا أكثرُ التوتُّر والانفعال، وحتى إن ظهرتْ بعضُ المشاكل فسيُصبح من السهولة بمكانٍ علاجُها بالرؤية المتَّزِنة للأمور، وما أجمل ما قاله ابن الجوزي في صَيْد الخاطر: "متى رأيت صاحبك قد غضب، وأخذ يتكلَّم بما لا يصلح، فلا ينبغي أن تعقدَ على ما يقول خِنصرًا - أي: لا تأخذْ ما يقول بعين الاعتبار - ولا أن تُؤاخذه به؛ فإن حاله حال السكران، لا يدري ما يجري، بل اصبرْ لفورته، ولا تُعَوِّل عليها؛ فإن الشيطانَ قد غلبه، والطبع قد هاج، والعقل قد استتر.
ومتى أخذت في نفسك عليه، وأجبتَه بمقتضى فعله، كنتَ كعاقلٍ واجه مجنونًا، أو كمفيق عاتب مغمى عليه، فالذنبُ لك، بل انظرْ بعين الرحمة، وتلمح تصريف القدَر له، وتفرّج في لعب الطبع به، واعلمْ أنه إذا انتبه ندِم على ما جرى، وعرف لك فضلَ الصبر"، فإذا كان هذا مع الصاحب والصديق، فكيف يكون الحالُ مع الزوجة ورفيقة الطريق؟!
خامسًا: اصبرْ على زوجتك، وامنحْها الفرصةَ حتى تنضجَ، وتتعلمَ من الأخطاء، واعملْ على إصلاحها بالتدرُّج والإيحاء، واستخدِمْ في ذلك الوسائل المتعددة؛ مثل: اصطحابها لحضور دروس علم في المسجد عقب الانتهاء مِن الغداء أو العشاء معًا، كما يمكنك أنْ تضعَ بعض الوريقات داخل المنزل التي فيها الحثُّ على أهمية الصلاة في حياة المسلم؛
مثل بعض الأقوال المأثورة، أو بعض الأبيات الشعرية، إضافةً إلى شراء بعض الكُتُب التي تحُثُّ على ذلك، والتي تعالج قضايا وخلافات الحياة الزوجية.
سادسًا: لا تنسَ أن تهدي إلى زوجتك هديةً مِن وقت لآخر؛ فإن الهديةَ تفعل في النفس فِعْل السِّحر؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((تهادوا تحابُّوا))؛ أخرجه البخاريُّ في الأدب المفرد.
وها هو أحدُ الشعراء يصِفُ أثَر الهدية في النفوس فيقول: