نعم حين يبدأ الاشمئزاز من النظام السائد، ويظهر الفساد ويستشري في أوصال المجتمع ويزداد الضغط على الحريات، ويجبن "المسؤولون" عن اتخاذ القرارات المناسبة والجريئة لتحسين الوضع. عندما يشتد الاحتقان الاجتماعي والسياسي وينتفض الشباب، فتعم أجواء الاضطراب، كما يحدث في مجال الميكانيكا، حيث لكل فعل رد فعل مساويا له في الدرجة ومضادا له في الاتجاه، فكلما كان الظلم الاجتماعي شديدا كلما كان الرد قويا، وما دام النظام لا يعبر سوى عن إرادته فإن إرادة الشباب ستكون في الاتجاه المعاكس، ليس لعدائية بل لأن المسؤولين لا يعبرون عن طموحاته وآماله... ويكثر في هذه البيئة المأزومة الجدال والحديث عن المسؤولية، فالمسؤولون الذين كانوا يتبجحون بالأمس أنهم سادة الميدان وفرسانه خوفا من أن تتلقفهم يد العدالة غدا للمحاسبة يحملون المسؤولية للشباب، ويصرحون بأن هؤلاء لا يملكون الكفاءة اللازمة والوعي الكافي للحراك الشعبي الملتزم والمنضبط، فكيف يتبعون أهواء شرذمة من المهرجين اللاهين؟. لكن لماذا ينسى المسؤول ( في الحكومة، في الوزارة، في الحزب، في المنظمة، في الهيئة في الجمعية أو في النقابة...) أن خيانته لمسؤولية تعليم وتأطير وتوجيه وتكوين وتدريب هذا الشباب، القلب النابض للمجتمع، المفعم بالدينامكية والحيوية هي السبب المباشر في عدم امتلاك تلك الخبرة والكفاءة؟ وهذا يفسر انعدام الثقة بينهما. ومع ذلك فهذا الشباب قد برهن على أن الممارسة الفعلية واحتكاكه بغيره أكسبه الثقة في قدراته ومنحه ما أخفقوا هم كمسؤولين أن يمنحوه له، وقد نجحوا في ذلك إلى حد بعيد. فقد حولوا دفاعهم السلبي إلى هجوم إيجابي ليس فيه للعنف محل ولا مكان. فكشفوا أزمة المسؤولين الحريصين على مصالحهم الشخصية في عدم قدرتهم على معالجة الأوضاع، كما كشفوا عورات تدبيرهم السيئ في حل الأزمات وجلوا عمق الفساد الأخلاقي والمالي وبينوا للعالم ملامح سياساتهم الفاشلة المغيبة لشعوبها في أية مشاركة فعلية بناءة ومثمرة، وكيف يتعاملون معهم كالأطفال القاصرين، فإلى متى تحمل أيها المسؤول شعار "ما أريكم إلا ما أرى"؟ ألا تدري أيها المسؤول غدا، أن الفرصة إن سنحت، فلن تعذر أحدا؟ ألا تعلم أن مصير النهر الهادئ أن يتجمع ماؤه نحو مجراه فيصبح سيلا عرما لا تنفع معه الحواجز، طوفانا يقوض كل بنيان فاسد ويهدم الركائز؟. القضية هنا ليس من المسؤول عن الأزمة؟ لأنكم تدركون وتعلمون ذلك. بل القضية أزمة مسؤولية اضطلع بها غير أهلها فضيعوا الأمانة وهي في الدنيا ملامة وفي الآخرة حسرة وندامة ولم يحسنوا الرعاية فنصبوا خيمة مهرجانات الإقصاء والتهميش. فاتركوا للشباب المبادرة في تحمل المسئولية فنواقصه ستوجهه نحو الكمال، وبالإصرار والإرادة يحقق المحال. وليعش في الحفر من لا يحب صعود الجبال.