للصمت لغة قوية الحجة والتعبير والتأثير، لكني لا أفكر في الصمت كصمت، بل في كونه لغة خاصة جداً، الجميع يتقنها ولا يتقنها في ذات الوقت.. واللغة المحكية ، كما نعرفها، عربية كانت أو صينية أو فارسية إما أن تكون فصيحة قوية وبليغة، أو أن تكون عامية خفيفة يتقنها عموم الناس.. أما الصمت فلغة مختلفة، بمفردات أكثر عمقاً وروعة من أن أظلمه وأخنقه في بوتقة العامي والفصيح.. إنه صوت الفراغ الصاخب بلا حروف، بل بإشارات حسية، وإعمال خيال، وإيماءات أعين، ودقات قلب، ورجفة قلق.. وغيرها.. وكلٌّ وصمته، وكلٌّ وقصده، وكلٌّ وعمق إدراكه.. اللغة ببساطة وسيلة مواصلات متاحة للجميع، لك أن تمتطي ما شئت منها بما يتناسب وقدراتكَ على القيادة، أو بما يتناسب وإمكاناتك المادية لتطويع اللغة.. وبالتالي لا عجب في أن تجد من يتبع طريقاً طويلاً ملتفاً ومتعرجاً وممتلئاً بالمطبات، أو أن تجد آخر يحلق في سماءك بسرعة البرق، فتصيب صاعقته الهدف فيشتعل وتشتعل معه.. أما الصمت فهو شأن آخر.. إنه ضالة منهكي الألسن، ومنكسري الأقلام ، ومتكسري الأجنحة.. لا يحتاج لرحلة ولا راحلة، ولا زاد، ولا لزمان أو مكان.. إنه يقتات على الصبر ممن تحدثه، أو بتعبير أكثر دقة، إنه يلتهم الصبر، ويستنفذ قواه فيصيب غريمك في مقتل.. إنه باختصار لغة تفوق في بلاغتها الفصحى، وأكثر سلاسة من العامية..