رغم الظروف المختلفة في دول الخليج العربية - السعودية، الكويت، البحرين، قطر، اتحاد الامارات وعُمان - كان التقدير حتى الان بانها "محصنة" بقدر كبير من احتجاج بحجم واسع. وذلك في ضوء المداخيل العالية من النفط والغاز في الدول موضع الحديث وتوزيع قسم من هذا الثراء على المواطنين في شكل دعم حكومي واسع للمنتجات والخدمات. ومع ذلك، فالخوف من ان تعصف بها الهزات ايضا، كلما تعاظم "الغضب العربي"، ليس عديم الاساس وان كان بسبب حقيقة أن بعض من "مواد الاشتعال"، ضمن امور اخرى كون الانظمة هي انظمة حكم مطلق وتقمع حقوق الانسان، توجد ايضا في الخليج وبسبب الدينامية الخاصة وقدرة "العدوى" العالية للاحتجاج الذي يبدو بعيدا عن الخبو. الحكام في الخليج استعدوا لاستقبال احتجاج محتمل بعدة اشكال: بينما بعض منهم "استجاب" لمطالب الجماهير واتخذ سلسلة من التغييرات السياسية، "تكتيكية" في اساسها، فان آخرين شددوا على الاصلاحات الاقتصادية، على أمل ان يكون فيها ما يقطع كل تنظيم في مهده. في نظر الحكام فان اتخاذ "خطوات وقائية" كهذه كفيل بان ينزع فتيل كل احتجاج محتمل ولكنه يدل اكثر من أي شيء آخر على ضائقتهم وخوفهم على استقرار انظمتهم ومن شأنها ان تزيد "شهية" الجماهير. خطوة اخرى، دارجة هي ايضا في مثل هذه الاحداث: توجيه اصبع الاتهام للتدخل الاجنبي (الاسم المستعار لايران) في تشجيع الاضطرابات. خطوات تفصيلية للانظمة المختلفة تضمنت: التضامن مع كفاح الجماهير العربية؛ اجراء تغييرات في تشكيلة الحكومات (البحرين وعُمان)، رفع الاجور في القطاع الخاص (عُمان) والحكومي (السعودية)؛ تحرير سجناء شيعة (العربية السعودية والبحرين)؛ زيادة وسائل الحراسة حول التجمعات الشيعية ومنشآت النفط (السعودية)؛ زيادة الرقابة على الانترنت؛ اعتقال متظاهرين وتشديد الرقابة على رجال الدين الشيعة (السعودية والكويت)؛ اجراء اعتقالات وقائية (السعودية واتحاد الامارات) وتشديد الرقابة على دخول المواطنين الاجانب، ولا سيما العرب، الى نطاق الدولة (الكويت). حتى الان كانت الاحداث في البحرين هي الابرز. فقد أدت المظاهرات في الجيب البحري الصغير للبحرين الى الخوف من عدم صمود نظام الاقلية السنية بل واحتمال انتقال (Spillover) الاحتجاج، ذي الطابع الطائفي الواضح، الى دول اخرى في الخليج. رغم ان الاحتجاج الشيعي ضد اسرة آل خليفة يتواصل بشدة متغيرة على نحو متواتر منذ الثورة الاسلامية في ايران، فانه في الاسابيع الاخيرة، اذا كان ممكنا محاكمة الامور حسب حجم الاحتجاج، فان الحديث يدور عن احدى ذرى هذا الاحتجاج. مخزونات النفط في البحرين هزلت وليس لها عمق استراتيجي وقوة عسكرية ذات مغزى. اهميتها الاستراتيجية تنبع بالتالي من موقعها في وسط الخليج والذي يسمح لها بان تكون مدماكا مركزيا في السياسة الامريكية تجاه ايران، في نشاطها في افغانستان وفي العراق والحاجة الى حماية نقليات النفط من الخارج. محاولة ملك البحرين احتواء الاحتجاج من خلال الشروع في مسيرة سياسية، ليس فقط لم تلقى الاستجابة من الشيعة لوقف احتجاجهم العنيف بل جعلته اكثر تواترا وحدة مع الزمن. وحتى لو كانت الاصلاحات التي انتهجها الملك بعيدة الاثر بشكل نسبي مقارنة مع العالم العربي، فان صلاحياته بالنسبة لعموم منظومة السلطة، بما في ذلك البرلمان، بقيت غير محدودة. الاحداث في البحرين ذات مغزى ايضا بسبب ما لها من آثار على استقرار الدولة المصدرة الاكبر في العالم للنفط، السعودية، "الاخت الكبرى" في الغرب. تلك التي بعثت في التسعينيات بقوات عسكرية للحفاظ على حكم اسرة آل خليفة ولمنع انتشار الاحتجاج اليها، حسب عدة تقارير ليس معروفا مدى دقتها فانها تفعل ذلك مرة اخرى وان كان "في ظل خفيض". الشيعة الذين تبلغ نسبتهم حسب التقديرات 10 - 15 في المائة من السكان في السعودية، يتجمعون في المنطقة الغنية بالنفط ولبعضهم علاقات مع السكان الشيعة في البحرين رغم أنهم ليسوا من طينة واحدة بل وبعضهم لا يرى في ايران نموذجا يحتذى، الا انهم كفيلون في ضوء الاحداث في البحرين ان يشعروا بثقة اكبر في كفاحهم طويل السنين ضد المؤسسة الوهابية. وقد هرع الملك عبدالله من سرير مرضه في المغرب وعاد ليدير شؤون المملكة. ولعل هذا دليل على خطورة الاحداث، ولكنه لعله ايضا دليل على صراعات الخلافة خلف الكواليس وعدم ثقته بقدرة سلطان، ولي العهد، على ادارة الشؤون في غيابه. حتى الان، ساعدت المداخيل من النفط عبدالله على استثمار المليارات في التعليم وفي البنى التحتية ومكافحة المعارضة للنظام حتى الابادة، ولا سيما من جهة القاعدة. ومع ذلك فان الملك الذي يتمتع بدعم المؤسسة الدينية والذي يسيطر جيدا على قوات الامن - دليل استقرار نظامه - لم يؤطر الاصلاحات، التي تبناها بعد عمليات 11 ايلول وفي اعقاب ضغط ادارة بوش. وهكذا مثلا، فان كل انتقاد يوجه للمذهب الديني الوهابي والاسرة المالكة بقي مثابة المحظور. في اندلاع ل "السخاء" نشر عبدالله سلسلة مراسيم بكلفة اجمالية تبلغ 36 مليار دولار ترمي ضمن امور اخرى الى المساعدة في ايجاد حلول للسكن، تشجيع العمل للشباب (30 في المائة من الشباب تحت سن الثلاثين عاطلون عن العمل) وتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي. حتى الان لم تترافق هذه الخطوات وخطوات سياسية الزامية، وذلك رغم الدعوة المتصاعدة لمكافحة الفساد، فصل السلطات، انتخاب "مجلس الشورى" منح مزيد من الحقوق للنساء وانتقال تدريجي للملكية الدستورية. تحد اضافي سيكون مشاركة المواطنين، ولا سيما الشباب من تحت سن الثلاثين ممن يشكلون 60 في المائة من السكان، في سوق العمل على حساب 9 مليون عامل اجنبي في محاولة لتقليص حجوم البطالة. رؤساء الدول في الخليج حذروا من سقوط البحرين ومن تدخل "دول في المنطقة" في شؤونها. وبالفعل تحاول ايران منذ بدء الاحتجاج عرضه كانجاز لها. حتى وان كانت هي نفسها كفيلة بان تكون هدفا فان الاحداث هي لحظة مناسبة بالنسبة لها: فرصة لاضعاف الجبهة السنية "المعتدلة" ونسب اليها انجازات الجماهير (بدعوى انهم كفيلون بان يحاكوا انجازات الثورة الاسلامية. وبالفعل، فان دول الخليج تخشى من ميل ميزان القوى الاقليمي الى صالح ايران، حين يهتز اصدقاؤها في "المعسكر المعتدل" والتهديدات على أمنها تتعاظم مع انهيار النظام القديم حوها. على المستوى الدولي، فان الغرب، الذي اثبت مرة اخرى كم هو موقفه يستند الى استمرار الوصول الحر الى المقدرات الطبيعية في المنطقة، يأمل ويقدر بان يبقى الحكام وينجون من العاصفة التي تعصف بهم. ومع ذلك، فان ثقة هؤلاء الحكام بالولايات المتحدة اهتزم في اعقاب الاحداث - في نظرهم، الامريكيون من شأنهم في المستقبل ان يهجروهم مثلما هجروا حليفا واضحا مثل مبارك. النخب في الخليج مزودة بادوات جيدة، نسبيا، للتصدي لموجة الاحتجاج، ولكنها ستجد صعوبة في عمل ذلك على مدى الزمن: مع استمرار الهزات في العالم العربي، لن يكون مفر من زيادة وتيرة الاصلاحات، الى اكثر من مجرد التغييرات التجميلية. والامر صحيح على نحو خاص بالنسبة لتلك الدول، مثل البحرين، التي لا تتمتع بمداخيل عالية من النفط وذات نسيج طائفي حساس. رغم وجه الشبه السياسي، الثقافي واللغوي - فان الظروف الديمغرافية، الطائفية، الاقتصادية والجغرافية السياسية تختلف من دولة الى اخرى الامر الذي يؤثر على قدرة كل واحدة منها على التصدي للاحتجاج المحتمل في نطاقها. مشوق ان نشير الى أنه حتى الان الجماهير في الخليج خلافا لباقي الاماكن، سعوا في معظمهم الى تغيير سلوك الانظمة وليس الى تغييرها هي. ليس لهم سبب يدعوهم الى عمل ذلك طالما أنهم يتمتعون بالمكاسب. ومهما كان مفعم بالمفارقة، بشكل غير مباشر، فان هذه الانظمة كفيلة ان تحظى بالمكاسب طالما ترتفع اسعار النفط، انطلاقا من الخوف في الغرب من أن يصل عدم الاستقرار اليها. وهكذا التخفيف عنها في مجال التصدي لعدم الاستقرار وعلى فرض انه بذلك يمكن "كسب" الاستقرار. في السنوات الاخيرة تصدت الدول للمطالبات بالاصلاحات السياسية - في الداخل - اساسا من خلال "ادخال اليد عميقا الى الجيب". تجاه الخارج، فان النخب، التي لم تقرر بعد في أي اتجاه ستقود المجتمعات التي تقف على رأسها، عنيت اساسا ب "اطلاق بالونات الاختبار" في افضل الاحوال أو بدفع ضريبة كلامية على الانتقاد في الغرب في اسوأ الاحوال. كل هذا كفيل بان يتغير.