نطق جنين من رحم أمّه مسترسلا: إلى الذين لا يهمهم من أمرنا قلبٌ كَلُومٌ بأحزان ودموع تتهاوى وتتناسل على خدود أهلنا، تماما كما تتناسل سلسلة يرقة. وإلى الذين لا يهمهم من أمرنا سوى وَضْع في صندوق زجاجي جيء به تمثيليا علامة وورقة، عليها رمز من وردة أو مصباح أو جرار أو كتاب، أو سنبلة نرجسية مزوقة. إلى الذين يتذرعون، في عالم مُثُلِهِم هذا، ذريعة لن ينتظرها جنين أنا ليكتمل نموه ثواني ودقيقة، أو أمه، لتكتمل فكرة توفير طبيبة توليد، ولدت(الفكرة) توتاليتالية، طبقية نزقة. إلى هؤلاء نود أن ننقر نقرة، نحن الأجنة، على أعتاب موت يختارنا، وأجندته تحفل بمئات من أسماء ضحايا الاهمال الطبي، أجِنَّة وصبية ونساءا، يتساقطن سقوط الثلوج على قمم جبالنا، فتكسوها ألما وكربة عميقة، عكس الذي ألفته، بياضا من جبروت الطبيعة وقانونها الموضوعي، موضوعة دقيقة...ولكن... أي إفادة سيضيفها صراخ جنين من رحم أمه؟ أنتم الذين أراهم من خلف الغشاء تهملون واقعي الأحادي، قبل أن أخرج لواقعكم، فماذا أوجدتم كي أنجو وتنجو معي من في بطنها همّ الوفاة؟ وما الهدف من الكتابة إليكم في زمن انحطت فيه قيم الانسانية والحقوق في واقعكم -واقعي المفترض-؟ وما الذي سيضيفه تعبير أو جملة تتشظى منها عبارات غضب من وضع ميؤوس من حاله، ما دامت رعونة مسؤول عن الوضع، ترفض الإنصات لأوجاع ساكنة جبال النسيان؟ ولَإِنِّي أرى من خلف غشاء....عندما ينسحب الحق في التطبيب الحق في الحياة ليتيح المجال للغةِ خشبٍ تَسِمُ الوضع، وتفسره على هوى من هو مسؤول عن الوضع، فتلك عين النرجسية، ونقص في المواطنة، طبعا، من خلف مكاتب مكيفة،عليها ما عليها، صور وأرشيف لزيارات تفقدية، لا تسمن ولا تغني واجبا مهنيا لمسؤول عن قطاع الصحة، أو وازعا أخلاقيا لمسؤول عن أرواح عليلي الصحة. لذا وإلى هذا المسؤول _مهما كان_ جاهلا ومجهولا، سأجمع طاقتي من السعرات الحرارية القليلة من رحم أمي، والتي تخاف أن ينال منها الموت على غرار نظيراتها في حفل زفاف فصل الشتاء، وإبان باقي فصول السنة، وذلك لأنقر- من خلف الغشاء-، أول كلمة: التهميش... لن نحاججكم سيدي المسؤول عن مفاهيم سوسيولوجيا التهميش، وسيميائية التهميش، أو أنتروبولوجيا التهميش، (وهي مفاهيم حدثني عنها فقر مشيمة أمّي التي خلت من فيتامينات ومغنزيوم) فقط لأن الصيغة العلمية لكل هذه العبارات، لا تعني من فقد أمه أو زوجته أو ابنه أو أخته في شيء، وربما لا تعني أيضا مَنْ يشاهد مِنْ على سريره، أو جنب حريمه، فيديو لامرأة حامل، محمولة على جرار، وهي تكتم آلام المخاض وبردًا كَثُرَ وفاض...، فحروف التقعيد ومعاني المفاهيم، لا تعدو أن تصير عند ضحايا التهميش غير لغة من خشب، ألفوها منذ أن سمعوا وأطاعوا صناديقا من زجاج للاقتراع، في الوقت الذي كان فيه لسان حالهم، لا يطالب إلا بكسرة خبز كريمة، وعيش كريم، وطبيبة ترسل الحامل لمنزلها، كحمامة، بين يديها رضيع سليم، وكمواطنة دون مزايدة مادية أو رمزية، بين مغرب ذاك "نافع" وهذا غير "نافع"، ودون سياسة الكيل والتقسيم... و لأن أرواحنا نحن الأجنة، وأرواح أمهاتنا، لا زالت عِهْنًا منفوشا في ديباجة مسمى ما، سمعت أنه وزارة، أو عمالة، أو نيابة صحة، فلا بأس أن يدفعنا حق التعبير الذي يضمنه سجننا الصغير، والذي لا يخضع للعمليات القيصرية -ليدفن جوارنا وجوار أمهاتنا اللواتي ينتظرننا بشوق-، لنعلن التنديد المطلق بما يحدث من خرق لأبسط حقوقنا في الحياة، نحن الذين ننتظر قطيعة نهائية مع حبل الوريد، إِنِ القدر وتوفير شروط ذلك، متوفرة جاهزة، وفي مقدمتها، طبيب(ة) توليد، تثبت العدم وجودا، في عالمكم الذي صار فيه الوجود عدما، ذلك الوجود الذي تتبدى فيه ظروف عيشكم -عيشي المفترض- مضنية، لتندرج تحت سقف واحد، ومسمى واحد، وبنية متشابكة واحدة، ونسق تفاعلي لا ينفصل فيه قطاع الصحة عن التعليم والتجهيز، وعن النقل والثقافة. فالكل عندكم -عندي المفترض- متجانس في خانة التهميش (آرْ إِتِّينِي وِييْهَا : الترجمة خيانة)...، وإذ أسمع ألسنتكم تردد: كفى وكفى، فلأن قلوب "آيت حديدو" و"آيت يحيى"، ومن على شاكلتهم، قد ضاقت وصارت بركانا قابلا للانفجار في أية لحظة، فلن تبردها الثلوج ولن تخنقها الرواسي، لأن الفجاج لن تتضامن مع من كرّس في المنطقة أكوام المآسي. ويا لسخرية القدر عندما أخبرتني ورقة الإحصاء، تلك الورقة التي سألت أمي عن عدد الدجاج والنعاج، أن دائرتكم -دائرتي المفترضة- تتشكل من خمس جماعات قروية، وبساكنة تقدر بأكثر من ثلاثين ألف نسمة. ومع هذا العدد الغير القليل من الساكنة، نتيجة ارتفاع معدل الخصوبة، عجزت الدولة في قطاعها المسؤول، عن توفير طبيب(ة) للنساء الحوامل !!!، ولنا نحن الأجِنَّة، الرّضع المفترضون. دعونا ساخرين سخرية الصبيان: إن وزارة الصحة قد وجدت في الثلج والمعاناة عاملا طبيعيا (وبشريا) للتقليص من هذه الكثافة السكانية، فلا قيمة للرأسمال البشري في عالمكم عالمي المفترض ، والذي لا ينتج غير البطاطس واللفت والتفاح!!!، وما إحساسي بالبرد، رغم دفء العضلات، إلا دليل على غلاء معيشة نعاجكم، إذ لم يعد فلاحكم قادرا على نفقة ثمن جورب من صوف. هو الذي لا يعلم أن تغييب (وليس غياب) الأطباء عن خدمة هكذا عدد من الناس، قد يكلف الدولة ملايينا وملايينا. أولم يصرحوا أنهم ينتظرون -في السنة الماضية- مباراة توظيف ليوفروا لنا ذا وزرة بيضاء يهتم بنا- بكم- بها-؟ نعم، هوذا ظاهر الأمر، إذ يبدو أن استقراركم في هذه المناطق وليد اليوم، واللحظة، وكم تمنيت لو كان استقرار أمّي بحي ً"الرياض" في عاصمتكم التي سمعت منها احتجاج طبيب، يفرض علينا، نحن الأجنة، انتظار توظيفه، أو مباراة تخرجه، أم هكذا سمعت أمّي، تحكي عن مسؤول الصحة حكاية "مريم بنت آل عمران". وكأن موت مثيلاتها بسبب المخاض، لم يكن منذ زمن بعيد، أما خطط الاحتياط والاحتراز من وضعنا الميؤوس منه، فلا بأس أن نضع مروحياتنا لخدمة أهل اليمن وفلسطين وسوريا والكونكو، وأهلنا في الجبال القاحلة، "أرواحهم أرواح قط عبر سبع شعاب" (موش انضون سبع ن تيغزين)، أما اليوم، وفي هذه السنة، فالتبرير بادي شاف شفاف: "الأمر غير ميسر لحد الآن"، يقول وجه مسؤول، وما عليكن -علي- غير انتظار ميزانية سنة 2019 لتوفير المعدات والتجهيزات والأدوية الضرورية، لكن بشرط أن يعطون لوالدي مهلة للتفاوض مع ملك الموت (عْزْرايْلْ) كي يدع النساء الحوامل حتى يكتمل نصيب الميزانية !!! أولم يعلموا أن قرنا من الزمن قد اقترب من الكمال منذ أن دافع أجدادي الأولون، بالغالي والنفيس في أولى معارك "آيت حديدو، وآيت يحيى ومن معهم" ضد المستعمر بدوار "آيت ايعقوب"؟، فأنا أعرف هذا، لأن جيناتي تحمل هذا الحمض النووي، لذلك أنتفض بين الشعيرات الدموية والأعصاب، وأركل أمي ركلا باقتضاب. ألا تسمعون أني أريد الخروج؟ ولكن إلى أين؟ إلى هذه المنطقة التي قاوم من أجل كرامتها أشداء الماضي، فقط ليلوذوا بنسيم الحقوق والمواطنة في وطن لا زالوا ينتظرون فيه أطباءا لحواملهم وطرقا لمداشرهم وبيطريا لأبقارهم!!! ، منتظرين رحمة مَنْ هو قادر على أن يسوي خروجي سالما، في غفلة من طبيب قد يأتي وقد لا يأتي، لأن الوعود التي ألفوها وآمنوا بها، لا تنقذ صباهم من الموت، إلا في أحلام صبية فقدوا أمهاتهم، وأمهات فقدن صبيانهن، وفي قلوب أناس لم يفقدوا أمل المشعل الذي طالما ألمعوا به (أمل) غياهب الموت....فهل سأخرج والطبيب"ة" يشهد الحضور ويشهد نهاية كبوات تتناثر أكثر فأكثر؟....