شكلت تقارير المنظمات الدولية بشقيها الحكومي و غير الحكومي، في تعاطيها مع الإشكالات الحقوقية مرتكزا جوهريا و معيارا على أساسه يتم الاستناد على مدى احترام الدول المعنية لمضامين هذه التقارير و جديتها في تطوير تصورها في هذا المجال ، من خلال الالتزام بالاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها و التي تنص في مجملها على احترام حقوق الإنسان، من خلال تنزيلها على مستوى مصادر القاعدة القانونية و العمل على تطبيقها من خلال تكييف هذه الحقوق في جميع مناحي الحياة سواء "الاقتصادية ،المدنية،الاجتماعية،الثقافية و السياسية" و العمل على إشاعة ثقافة حقوق الإنسان في أفق دولة القانون و الحقوق و الحريات. فالتقارير الصادرة عن الجهات غير الحكومية و الجهات الحكومية تمارس تأثيرها على بلادنا من خلال ما تصدره من وثائق يتم نشرها لإثارة الانتباه للوضعية الحقوقية في المغرب 1.و التي ترتكز في مرحلة إعدادها على العديد من الآليات كتقنية الزيارات الميدانية و المقابلات و أخذ الشهادات ، و في بعض الأحيان الاستشهاد بمضامين تقارير أخرى، كما تختلف المبررات المقدمة لانجاز التقارير بالنظر إلى الجهة المشرفة، وعموما فالمنظمات الحقوقية الدولية تعتبر إعداد التقارير جزء من عملية الرصد و التتبع السنويتين المندرجة في صميم اشتغالها ، كما تغلب المنظمات الحقوقية الدولية في طريقة إعداد التقارير: البعد الزمني على الموضوعاتي في طريقة التناول و المعالجة و تؤدي بالأساس وظيفة الإخبار وفق مرجعية للتناول تستحضر مقومات الإعلانات و الشرعة الدولية 2. فاستعراضا للعلاقة بين المغرب وتقارير المنظمات الحقوقية الدولية ومدى تأثيرها سواء على المستوى الوطني أو الدولي، و مدى التعامل الدبلوماسي للمغرب مع الطرح الحقوقي لهذه المنظمات ، سنقوم انطلاقا مما ذكرناه و بالاعتماد على مجموعة من الكتابات القانونية بتحليل الموضوع اعتمادا على التقسيم التالي: أولا : رؤية المنظمات الدولية غير الحكومية للوضع الحقوقي بالمغرب, ثانيا: مدى تفاعل المغرب مع المنظمات الدولية غير الحكومية أولا:المنظمات الدولية غير الحكومية وتأثيرها على المواقف السياسية للدول تلعب المنظمات الدولية غير الحكومية دورا مهما في مجال حقوق الإنسان من خلال مراقبتها و توثيقها للانتهاكات الواقعة على مستواه ، و من خلال المداخلات التي تقوم بها لدى السلطات المعنية و لدى الرأي العام المحلي و الدولي بهدف وضع حد للانتهاكات, فهي عبارة عن جمعيات و مؤسسات خاصة ينصب جل اهتمامها على تعزيز و تطبيق و حماية مبادئ حقوق الإنسان و القيم الإنسانية المتعارف عليها عالميا و تختلف أهدافها و استراتيجيات عملها باختلاف اهتماماتها و تخصصاتها و ظروف عملها , فاضطلاع المنظمات غير الحكومية بمهمة الدفاع عن حقوق الإنسان يحتم وجود علاقة متواصلة بينها و بين السلطات أو الحكومات في بلدانها و بالتالي فالصراع السياسي ما بين الحكومات و المنظمات غير الحكومية هو صراع بين المبدأ و المصلحة و صراع بين رؤية منظمة تعنى بحقوق الإنسان للقانون كجهاز للحماية و بين رؤية الدولة لهذا القانون كأداة للسلطة و بسط النفوذ 4 ،وفي شق أخر تمارس الضغط على هذه الحكومات من خلال حملات محلية و دولية منظمة تحاول أن تحثها على ضرورة تحمل مسؤوليتها بشأن هذه الانتهاكات قصد العمل على تطوير مجال حقوق الانسان بما يضمن عدم تكرارها5، فالمنظمات غير الحكومية في سعيها لحماية حقوق الانسان تقوم بتنفيذ العديد من الخطوات من بينها6: ü مراقبة مدى التزام السلطات في الدولة باحترام و تطبيق الحقوق و الحريات الأساسية المتعارف عليها عالميا , وغالبا ما يلجأ إليها المواطنون لرفع الشكاوى و طلب المشورة و يجب أن يمتاز توثيقها للانتهاكات بالدقة و الشمولية لإضفاء درجة عالية من المصداقية على عملها. ü مطالبة المنظمات الدولية بتشكيل و إيفاد لجان تقصي الحقائق عند الضرورة إلى الدول التي تقوم بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان و وتصدر هذه اللجان مع انتهاء تحقيقاتها تقريرا حول حقيقة الوضع المعني , دون أن يؤدي ذلك بالضرورة إلى إحداث تغييرات على النظام القانوني للدولة المعنية لكنها تسهم على الأقل في فضح الانتهاكات و الممارسات غير القانونية. ü ممارسة ضغوط دبلوماسية على الحكومة من خلال الاجتماع بها أو التدخل لديها بشأن انتهاكات محددة, كخطوة أولى قبل الإقدام على نشر ما لديها من تقارير حول الانتهاكات. ü تنظيم حملات إعلامية حول انتهاكات محددة للفت انتباه الرأي العام العالمي و المجتمع الدولي إليها، ومطالبته بالتحرك الفاعل لدى الحكومات المعنية. ü تطوير مبادئ حقوق الإنسان و القانون الدولي و إيجاد الآليات المناسبة لوضع هذه المبادئ موضع التنفيذ إضافة إلى حث حكومات بلدانها على التوقيع و المصادقة على الاتفاقيات و المعاهدات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان. ü وأخيرا تعليم حقوق الإنسان لترسيخها في وعي ووجدان الفرد لتغدو جزءا من التراث الثقافي للمجتمع و موجها للأفراد في سلوكهم اليومي . و في إطار التطرق إلى كيفية تشخيص المنظمات الدولية غير الحكومية لأوضاع حقوق الإنسان بالمغرب، تجدر الإشارة إلى أن أهم منظمة دولية تربطها علاقة بالمغرب هي منظمة العفو الدولية التي اعتادت الإعلان و منذ وقت طويل عن انتهاكات حقوق الإنسان بالمغرب والتي نشرت أول الوثائق بخصوص أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب في أواخر السبعينات و بداية الثمانينات إضافة إلى قيامها بالعديد من المهام المتصلة بهذه الحقوق داخل المغرب منذ هذه الفترة7 ، فمن المعلوم أن معظم المنظمات الدولية غير الحكومية تقوم بإصدار تقارير سنوية وأخرى موضوعاتية ترصد الأوضاع المتضمنة لانتهاكات حقوق الإنسان من أجل تدبير تدخلاتها في الضغط على السلطات الرسمية في مختلف بلدان العالم ومطالبتها بوقف هذه الانتهاكات أو الدعوة لإصلاح التشريع المتعلق بحقوق الإنسان8، وفي استقراء لكل التقارير المتعلقة بالصحراء فإنها كلها اعتمدت نفس المنهجية و الأسلوب كل منها باستثناء تقارير منظمة العفو الدولية و هذا شئ طبيعي على اعتبار أنها تتابع أوضاع حقوق الإنسان بشكل يومي و تصوغ تقاريرها بشكل دوري يتضمن مواقفها و توصياتها وليس غريبا أن يتطابق تقرير معهد روبرت كينيدي للعدالة و حقوق الإنسان مع تقرير الخارجية الأمريكية سنة 2012 حول حقوق الإنسان في الصحراء ، وإذا تم استثناء الخلاصات و التوصيات فان هيكلة التقرير و التشخيص و المنطلقات و الوقائع متطابقة و حتى القضايا الموثقة المثارة متشابهة بشكل كبير, مع استثناء واحد يتعلق ببعثة "المينورسو" حيث أشار تقرير الخارجية الأمريكية أن ولايتها لا تشمل حسب اختصاصاتها مراقبة حقوق الإنسان دون أن تعلن الخارجية الأمريكية في تقريرها إمكانية مراجعة صلاحيات "المينورسو" إلى آلية أخرى لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء و تندوف ورغم ذلك سيتضح أن التقرير الأمريكي يتطابق و توصيات "مركز روبرت كينيدي"9 ، كما أن التقارير الحكومية التي تعدها الخارجية الأمريكية وفقا للقانون الأمريكي و تكون مجموعة من الدول ملزمة بأن تقدم سنويا إلى كل من رئيس مجلس النواب و لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ تقريرا مفصلا عن حالة حقوق الإنسان في الدول المدرجة من البند "أ" من قانون المساعدات الخارجية الصادر سنة 1961 الذي يعين الدول التي تتلقى معونات من الولاياتالمتحدةالأمريكية إلا أن هذه الأخيرة قد تلجأ إلى إعداد تقارير مماثلة عن حالة حقوق الإنسان في دول لا تندرج ضمن الفقرة "أ" و يكون ذلك مندرجا في إطار أهداف و اعتبارات سياسية مختلفة، وعلى ذلك و نظرا لكون المغرب مشمولا بهذا البند فانه ظل معنيا بهذه التقارير ذات الصلة بحقوق الإنسان10، فالولاياتالمتحدة باعتبارها فاعل رئيسي في العلاقات الدولية و مع إعادة انتخاب الديمقراطيين و بروز قيادة جديدة في كتابة الدولة في الخارجية، هذه القيادة المعروفة بتعاطفها مع مركز روبرت كينيدي ، وسعيا من الولاياتالمتحدةالأمريكية للحفاظ على قدرتها في المبادرة التقطت التقارير و طرحت توصيتها بضرورة توسيع صلاحيات "المينورسو" كما الولاياتالمتحدة فان دول العالم المتعددة و خاصة فرنسا و بريطانيا و اسبانيا التقطت توصية برلمان عموم إفريقيا التي تطالب الاتحاد الإفريقي بالعمل على توسيع صلاحيات "المينورسو" لتشمل ضمان احترام حقوق الإنسان في الصحراء ، فالملاحظ أن الولاياتالمتحدة و إن بشكل منفرد أسست لموقفها بمرجعية المجتمع المدني الدولي , حتى لا يظهر أن موقفها مبني على طلب المغرب بإبعاد "روس" المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء من مهامه، أو أن مبادرتها تروم رد الاعتبار لفشل مخطط "بيكر "المبعوث الأسبق للمنطقة 11،فما يقوي الحضور الوازن للمنظمات الحقوقية و يعطيها مصداقية أكثر تميزها بمتابعة الحراك الاجتماعي في المنطقة المغاربية و العربية، حتى أصبحت مصدرا ذا موثوقية لنقل المعلومة هذه المصداقية و الحضور الدائم للمنظمات الحقوقية حولها من قوة اقتراحية إلى قوة ترافعية، مساهمة في صناعة الرأي العام و مؤثرة في صياغة القرارات السياسية حيث أصبحت الدول تهتم أكثر بالقرارات و التوصيات الصادرة عن المنظمات الحقوقية خاصة و أنها أصبحت تعمل بمهنية أكبر كما يظهر تأثير و بصمة تقارير المنظمات الحقوقية في كثير من الأمثلة حتى أصبحت عامل تغيير و تحول للعديد من المواقف للدول حول صراعات و أوضاع في مناطق متعددة12 ثانيا : تفاعل المغرب مع المنظمات الدولية غير الحكومية منذ انعقاد المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان بفيينا سنة 1993 لم تتوقف منظومة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان على التطور و على التعقد في الموازاة خاصة عن طريق تزايد عدد هيآت المعاهدات و الإجراءات الخاصة13. و انطلاقا من المواقف المختلفة التي اتخذتها المنظمات الدولية غير الحكومية اتجاه أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب أدت إلى دخول هذه المنظمات في علاقات تصادم مع المغرب حيث وجدت جذورها في طبيعة النظام السياسي المغربي السابق مع قضايا حقوق الإنسان خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي، وأحيانا أخرى في علاقات التعاون بين هذه المنظمات و الحكومة المغربية في سبيل القيام بالعديد من المبادرات الإصلاحية الرامية إلى تعزيز و احترام مجال حقوق الإنسان بالمغرب14، واستعراضا للعلاقة بين المغرب و المنظمات الحقوقية فقد مارست هذه الأخيرة ضغوطات على المغرب خلال 20 سنة الأخيرة و أثرت سلبا على علاقاته الدولية و دفعته إلى تقديم إصلاحات لبعض الملفات و منها ملف الاعتقال السياسي، ولا يمكن فصل الانفراج السياسي و احترام الدولة المغربية لحقوق الإنسان في المغرب خلال العقدين الأخيرين بمعزل عن مساهمة هذه الجمعيات في هذا الشأن, أما على المستوى التاريخي فهو ينقسم إلى مرحلتين أساسيتين المرحلة الأولى سنة 1994 و السنوات اللاحقة لها و الثانية خلال السنوات الأخيرة، وعلاقة بالمرحلة الأولى ضغطت هذه الجمعيات على المغرب بشكل كبير للغاية في بداية التسعينات و أقنعت الاتحاد الأوربي"السوق الأوربية وقتها" برفض بعض الاتفاقيات و منها الزراعية ما لم يفرج نظام الحسن الثاني عن المعتقلين السياسيين ، كما أقدم الملك الراحل على تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي تولى الإفراج عن المعتقلين و منهم مئات الصحراويين, وكان من المفرج عنهم آنذاك "اميناتو حيدر" التي ستصبح لاحقا اسما يتمتع بحضور دولي ابتداء من نونبر 2010 بعدما قرر المغرب منعها من الدخول إلى الصحراء تحت ذريعة أنها تكتب اسم الصحراء الغربية في مطبوع الدخول إلى المطار15 ، فتحديدا في 13 نونبر 2009 أقدمت السلطات المغربية على إبعاد "اميناتو حيدر" من مطار العيون الى مطار "لانثاروتي" في الجزر التابعة للسلطات الاسبانية أقدمت "اميناتو حيدر" على خوض إضراب عن الطعام استمر أزيد من شهر و الذي أدخل المغرب في مواجهة مع المنظمات الحقوقية العالمية بشكل مباشر وحتى بعد انتهاء الأزمة بعودة "اميناتو حيدر" إلى العيون استمر اهتمام المنظمات الحقوقية بل و بشكل متصاعد و كذا الإعلام الدولي بما فيه الإعلام الاسباني الذي لا يكن ودا كبيرا للرباط16، ويعتبر هذا الإجراء الذي ارتكبه المسؤولون المغاربة في الصحراء أحد أكبر الأخطاء بحيث ساهم بالتعريف بملف "البوليساريو" بشكل لم يسبق له مثيل ، و المرحلة الثانية هي المتعلقة أساسا بالصحراء و ناتجة عن توظيف ذكي و مستمر "للبوليساريو" بدعم من الجزائر لملف حقوق الإنسان17، كما تراهن جبهة "البوليساريو" على مثل هذه الأخطاء في كل مرة من أجل تأجيج حربها الإعلامية و حملة التقارير الحقوقية من أجل إظهار المغرب كمنتهك لحقوق الإنسان في الصحراء وهي كمدافع عنها و تعتمد من اجل هذه الغاية على هيئات حقوقية داخل المنطقة أبرزها18: · تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان : يعد من أبرز الإطارات الحقوقية التي تشتغل من داخل الأقاليم الصحراوية و ترأسه " اميناتو حيدر" و يعرف اختصارا "بالكوديسا" و تحرص معظم البعثات الحقوقية على لقاء هذا الإطار أثناء زيارتها للإقليم كما يعقد لقاءات شبه منتظمة مع سفارات دول أوربية و أمريكية في المغرب. · الجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان: التي تأسست في ماي 2005 بالعيون و تحتل المرتبة الثانية على مستوى الهيئات الحقوقية في الصحراء · جمعية أولياء المعتقلين و المفقودين الصحراويين: وهي من أقدم الهيئات الحقوقية في مخيمات تندوف حيث يعود تأسيسها لشهر غشت 1989 و لها شبكة علاقات قوية مع نظيرتها في الأقاليم الصحراوية. فضمن حرب التقارير التي تخوضها جبهة "البوليساريو" يحرص أمينها العام وبشكل خاص منذ سنة 2009 على بعث رسائل منتظمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة"يؤكد فيها أن قوات الأمن المغربية قد ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان و أن المعايير الدولية للمحاكمات قد انتهكت" و يلاحظ أن حرص جبهة "البوليساريو" على إرسال هذا النوع من الرسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة قد تصاعد منذ سنة 2005 ليصل 17 رسالة سنة 2012 ثم 19 رسالة سنة 2013، وكما سبقت الإشارة فان الاهتمام المتزايد الذي عرفته مسألة حقوق الإنسان في نزاع الصحراء من قبل المنظمات الحقوقية الدولية,جعل هذه الأخيرة و خصوصا غير الحكومية منها طرفا في المسألة19 فلا يمكن فهم الوضع الحرج الذي يوجد عليه المغرب في ملف حقوق الإنسان دوليا بمعزل عن دور هذه الجمعيات ، وتشن هذه الأخيرة منذ سنوات حملة وسط مجلس الأمن الدولي ووسط الجمعية العامة للأمم المتحدة للتنديد بالخروقات في مجال حقوق الإنسان في الصحراء و الدفع بالمنتظم الدولي نحو الضغط على المغرب و من عناوين نجاحها: مسودة القرار الأمريكي بتكليف قوات "المينورسو" مراقبة حقوق الإنسان قبل التراجع عنها بعد تعهد مغربي باحترام الحقوق20، ومن من هنا ظهرت تجارب عديدة اختلط فيها ماهو حقوقي بما هو سياسي كزيارة وفد مؤسسة روبرت كينيدي للعدالة و حقوق الإنسان للأقاليم الصحراوية و مخيمات تندوف، وقد تعامل المغرب مع الزيارة بكثير من التوجس منذ البداية و لم يخفي تخوفه من التقارير التي ستنتج عنها و هو ما تأكد بالفعل منذ ظهور التقرير الأولي الذي وصف بالمتسرع و المنحاز وغير المحايد لهذه المنظمة في تعاطيها مع هذا النزاع المزمن, فغالبا ما تأتي توصيات التقارير موجهة أصابع الاتهام و الإدانة إلى المغرب الذي لم يستطع أن يسوق صورة بديلة "للوبي الدولي" الذي تشكل منظمات حقوق الإنسان الدولية جزءا أكبر منه، هذه الأخيرة التي يأخذ صناع القرار الدولي ملاحظاتها مأخذ الجد و الاعتبار21،لكن المغرب نهج خلال السنوات الأخيرة سياسة الرفض و المواجهة مع هذه الجمعيات,محاولا تأليب الرأي العام المغربي ضدها و خاصة بعض وسائل الإعلام من خلال اتهامها بالعمالة للجزائر و بعد الوعي بدورها القوي أصبح المغرب يفتح أبواب الصحراء لها بدون أدنى رقابة و أساسا بعد قرار مجلس الأمن 2099 في أبريل 2013 و في كلتا الحالتين لم ينجح المغرب الرسمي حتى الآن في إرساء أسس الحوار معها لتنعكس إيجابا على وضعه في نزاع الصحراء كما تم توضيحه سابقا كما يلاحظ كذلك التأثير البارز لهذه الجمعيات على المستوى السياسي الذي يتجلى في نجاحها في إقناع شركاء رئيسيين للمغرب و على رأسهم الاتحاد الأوربي و الولاياتالمتحدة في استعمال الورقة الحقوقية للضغط على المغرب و من أبرز عناوين هذا الضغط تلك النتائج المترتبة عن إصدار الاتحاد الأوربي بيانات رسمية يندد فيها بخروقات حقوق الإنسان ثم قرار البرلمان السويدي في ديسمبر 2012 بالاعتراف بما يسمى "جمهورية الصحراء " معتمدا من ضمن العناصر الرئيسية العنصر الحقوقي، وسيستمر عنصر حقوق الإنسان كواجهة ذات ثقل قوي في النزاع ومعالجة المغرب لهذا الملف هو الرفض المطلق للتدخل الأممي وأوضح الملك محمد السادس في هذا الصدد في خطاب عيد العرش يوم 30 يونيو 2013 أن الصبغة الوحيدة لمراقبة حقوق الإنسان تمر أساسا عبر المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فما يعتبره المغرب مقاومة يبقى في أعين الرأي العام الدولي استمرارا في ارتكاب الخروقات ضد الصحراويين وهذا هو الإشكال الذي ينعكس على مصالح المغرب في هذا النزاع22، فالدبلوماسية المغربية و لسنوات طويلة تمسك بإجابات لازمة وتارة تقدم نتائج التقارير الدولية بنعوت الانحياز و التواطؤ و توظف مقولة المؤامرة23 ،آخرها تقرير الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان في المغرب الذي اعتبرته وزارة الداخلية المغربية في بيانها بأنه يعتمد التضليل و الكذب لأغراض سياسية و العجيب في الأمر أن مثل هذه البيانات يجب أن تتبناها وزارة الخارجية و هو أمر يطرح تساؤلات كثيرة حول كيفية إدارة ملف الصحراء وطبيعة الأطراف المتحكمة به. فعلى اعتبار ازدواجية ملف حقوق الإنسان على المستوى الدولي وتوظيفه السياسي تارة للضغط على دول دون الأخرى من شأنه أن يبرر عدم شفافية تقارير المنظمات المعنية بحقوق الإنسان نظرا لارتباطها الوثيق بالسياسة الخارجية للدول الكبرى و تأثيرها في القرار السيادي لها و توظيفها وفق ما يخدم مصالحها ، لكن هذا لا يبرر "تعامل" "الدولة المغربية مع المنظمات الدولية و الجمعيات الحقوقية المغربية الجادة و الهادفة ، فالدبلوماسية القوية تقتضي بالأساس النقد و النقد الذاتي ومواجهة الخلل عوض توظيف مقولة "المؤامرة" ومراجعة الحسابات الحقوقية وفق استراتيجية واضحة وفعالة تتضمن التصديق على كافة العهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان و ممارستها على أرض الواقع، فالتعامل الآني للدولة المغربية مع الهيئات الحقوقية على المستوى الداخلي المتسم بالتضييق والقمع ، وردود الفعل السلبية على المستوى الدبلوماسي مع المنظمات الدولية ،كلها أسباب من شأنها أن تضع المغرب في مؤخرة الترتيب الحقوقي ،و بالتالي تقوي أطروحة "البوليزاريو" دوليا .