وأنا أتابع المواقع الإلكترونية الميدلتية هذا الأسبوع، الحبل السري الذي يربطني بمسقط رأسي، ألاحظ ندرة الأنشطة المتعلقة بالثقافة الأمازيغية في إعلام ميدلت مقارنة بما ألاحظه من أحداث في إحدى مدن نفس الجهة والتي تعرف حركية ثقافية وحقوقية وإعلامية لا مثيل لها، حيث عاشت أسبوعا حافلا بالأنشطة، بدءا بمحاضرة الدكتور حسن أوريد والاحتفالات بالسنة الأمازيغية الجديدة (2966) وانتهاء اليوم بالإضراب والوقفة التضامنية ضد العنف الممارس ضد أساتذة الغد. مما يجعلني أتساءل هل مدينة ميدلت أو بالأحرى هل سكان المدينة قطعوا صلتهم بالأمازيغية؟ هل المدينة تغرد خارج السرب؟ أو أن الإعلام المحلي لا يقوم بدوره؟ حتى نضع القارئ في الصورة ويتمكن من المقارنة وتفهم سبب استغرابي هذا، أعرض الأنشطة والأحداث التي شهدتها مدينة تنغير خلال هذا الأسبوع. فالبداية كانت باستضافة الدكتور حسن أوريد، يوم السبت 9 يناير 2016، لتأطير ندوة فكرية تحت عنوان "من أجل مغرب مبادر وفاعل في محيطه الإقليمي والدولي"، وذلك في إطار الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2966 وتنفيذا للبرنامج المرحلي للفرع المحلي لمنظمة الشبيبة الاشتراكية بتنغير، وبتنسيق مع جمعية أمور بمكناس. الندوة حضرتها فعاليات مدنية وسياسية مختلفة بالإضافة إلى جمع من المتعطشين، (سنعود بالتفصيل لمضمون المحاضرة في مراسلة قادمة). وفي إطار سلسلة من الأيام الدراسية التي تنظمها جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي بالجنوب الشرقي، نظمت الجمعية يوما دراسيا في موضوع " أراضي الجموع بجهة درعة تافيلالت و رهان التنمية الاقتصادية و الاجتماعية " ، يوم الأحد 10 يناير 2016 من تأطير كل من الأستاذ لحسن أيت الفقيه الذي تناول موضوع " المجالية والهوية الثقافية بجهة درعة تافيلالت "، والأستاذ مولاي امحمد بن الشريف ، النائب الأول للجماعة الترابية ببوذنيب ، و عضو الجماعة السلالية لبوذنيب، الذي تطرق إلى موضوع " أراضي الجموع و رهان التنمية الاقتصادية و الاجتماعية : بوذنيب نموذجا "، والأستاذ أحمد النعيمي ، الباحث السوسولوجي و الناشط الحقوقي، الذي كانت مداخلته حول " أي دور للمجتمع المدني في تفعيل الحكامة الجيدة في تدبير أراضي الجموع " صباح الأربعاء 13 يناير 2016، نظم التلاميذ بالعديد من الثانويات التأهيلية والإعدادية بإقليم تنغير، مظاهرات سلمية حاشدة للمطالبة بإقرار والاعتراف برأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا ويوم عطلة رسمية، وقد قاطعوا الدراسة للاحتجاج على تهميش الهوية والثقافة الأمازيغيتين باعتبارهما رافدا أساسيا من روافد الهوية الوطنية. الخميس 14 يناير الجاري تنفيدا للإضراب الجهوي الذي دعا إليه التنسيق النقابي الرباعي، نظمت المكاتب الإقليمية لكل من الاتحاد المغربي للشغل والكدش والفدش والاتحاد العام للشغالين وقفة احتجاجية أمام مقر العمالة للتعبير عن استيائهم من الهجوم الغير المسبوق الذي تعرض له أساتذة الغد بكل من إنزكان والدار البيضاء، ولرفض التدبير الأحادي لملف التقاعد من طرف الحكومة وللتنديد بحرمان بعض أبناء الإقليم من المنحة. وفي نهاية نفس اليوم نظم الاتحاد المحلي ل ك.د.ش ندوة تحت عنون "تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية" ربما الأن قد يتفهم القارئ سبب استغرابي في البداية وهنا أوجهه لكل الفاعلين السياسيين والجمعويين بمدينة ميدلت السؤال التالي: في ظل دستور 2011 الذي أعطى مكانة متقدمة للغة الأمازيغية وجعلها لغة رسمية للمغاربة إلى جانب اللغة العربية، فهل لا تستحق هذه اللغة التي صمدت لقرون اِلتفاتة بسيطة ولو ليوم في السنة؟ قد أتفهم هذا السّهو من أبناء المدينة بحكم أن سكانها حداثيين يتميزون بتسامحهم وباحترامهم لكل الثقافات واللغات، لكن الحداثة لا تعني القطيعة مع الماضي والتنكر للأصل، فمنه يسمد الفرد قوّته، وأستشهد بكلام حسن أوريد حين قال خلال محاضرته أنه لا مفرّ من التحديث ولكن في ظل الاستقرار، لأن الأمم التي تنجح هي التي تقوم على تراكمات وليس على قطائع وهي كذلك التي تعترف بأبنائها. فالاحتفال بالسنة الأمازيغية، يضيف أوريد، طقس قديم دأب الأجداد على الاحتفال به لما له من دلالات وأبعاد، والغرض منه ليس الاحتفال في حد ذاته بقدر ما هو الاجتماع من أجل قضية. فلتكن الأمازيغية قضية تجمعنا في ظل القيم الكونية، لأن الأمازيغية لن تكون ملكا إلاّ لمن يعمل من أجلها.