التراجع والتناقض دلائل الاخفاق وقصور النظر والرؤية، وهو الطريق المعبد نحو الارتجالية والتخبط، وكل هذا وذاك سمات سياسة ليست غريبة عن مسؤولي ومهندسي هذا البلد الأمين بمعجزة، ما دام الأمن الحقيقي وهو الاستراتيجي غير وارد ولم يكن على مر التاريخ. ليس كل ما يلمع ذهبا، فديباجات مهندس الطيران ورجل القانون المحامي ورئيس اتحاد كتاب المغرب السابقالمقال ومن لف لفهم، وخرجاتهمالإعلامية، وهم يتحدثون بثقة زائدة ووثوقية، لم يكن الانبياء يتحدثون بها، تتحول قبل خروجها من صفحات التقارير والرؤى الاستراتيجية الى سراب وتتبخر قبل ان يتبخر مداد أقلامهم الحبرية. سمعنا كلاما كثيرا عن مناقشات صاخبة واجتماعات ماراطونية عن الإشكالات الأزلية التي تنخر جسد وهياكل هذا النظام التعليمي ، وفعلا تفوق برلمان المجلس الاعلى ، لا في كنس أزبال المنظومة ، وانما في ايجاد خرجات وبمسميات تفننوا في نحت حروفها من مثل ، الهندسة اللغوية الجديدة، التناوب اللغوي، البكالوريا بالمسالك الدولية ... والقائمة طويلة عن مصطلحات مترجمة او مسروقة من حقول معرفية متعددة ولم تكن تربتها مغربية أصيلة ، فلا بحوث محلية علمية ، يمكنها استنباطها و استنباتها ، فالبحث التربوي في المغرب لا يتجاوز حدود الترجمة الرديئة لمؤلفين تجار اجانب . قلنا التردد، وهذا ليس كلاما متحاملا، فأين التدابير الأولية ومشروع المنهاج المغربي المنقح في نسخته التجريبية وفي حدود عشرة في المائة لكل أكاديمية، المقرر تنزيله في الموسم الدراسي الجاري؟ بحثنا عنه فلم نجد له أثرا، فكيف لهؤلاء المهندسين ان يدبجوا لقرارات ليسوا متأكدين من واقعيتها؟ أليس لنا الحق ان نشكك في قواهم العقلية العلمية وفي قدراتهم التدبيرية والتوقعية وهي أسس وأبجديات التخطيط؟ كيف لهؤلاء ان يدبروا مخططا استراتيجيا في افق ثلاثين سنة؟ صحيح انه تلك ليست سوى خطوة، لكن كيف لهم ان يقطعوا مسافة ألف ميل ان تعثروا في خطوته الاولى، فسقطة قد تدخل الإنعاش. وربما الإعاقة الأبدية. تحدثوا كثيرا عن المهننة، هذا المصطلح المستعار من القواميس الاقتصادية، وأسهبوا في الحديث عن التكوين الأساس وتحدثوا عن جريمة التوظيف المباشر، كأن ذلك فرض عليهم من قبل الاممالمتحدة او مجلس الأمن الدولي، وهم من شرعوه ودبروه،وذهبوا بعيدا في الحديث عن تكوين ثلاث سنوات فإذا بهم يفصلون التكوين عن التوظيف ويسترسلون الحديث عن تنويع اشكال التوظيف وجهوية تدبيره، دون ان ينتبهوا الى ان هذا الكلام، كل جملة فيه تناقض فيه الاخرى. جعلت الرؤيةالاستراتيجية، وهي فعلا أشبه برؤية منام، عنوانا لها مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص وفي نفس الوقت تتحدث عن توسيع التعليم الخصوصي، فكيف يمكن الجمع بين متناقضات لتحقيق غاية واحدة، فازدواجية التعليم عمومي/خصوصي لايمكن ان ينتج الا ضرب تكافؤ الفرص وتكريس طبقيةالتعليم. خطاب غريب وديماغوجية مكشوفة تلك التي تتحدث عن تعليم خصوصي في البوادي او دفتر تحملات لتدريس نسبة من الفقراء في هاته المدارس! ونحن نتاسف كل صباح باكر حينما لا تصادف في طريقك الا حافلات النقل المدرسي الخصوصي المهترئة وهي تجوب كل الازقة والشوارع تلتقط براعم هذا الوطن سارقة منهم أحلام نومهم الهادئة الممتعة وجفونهم مثقلة بالنعاس ليحشروا في منازل عفوا في مدارس خصوصية بدون ساحة ولا ملعب رياضي ولمدة قد تمتد يوما كاملا بدون موسيقى ولا ترفيه ولا رياضة. ان مستقبل النوع الإنساني المغربي في خطر، الذي قد يتعدل وراثيا وقد بدأ يستهلك الوصفة السحرية للوصول الى ذلك عبر أقصرطريق: قلة النوم، دون وجبة فطور، اكل المعلبات واستهلاك نسبة كبيرة من المواد الحافظة، محفظة ثقيلة، جلوس مطول على المقاعد في وضعية اعوجاج، الشحن والواجبات المدرسية وليلا الساعات الاضافية، وقت طويل امام الحاسوب واللوحات الالكترونية... رجل مريض في طور التكوين! ومجتمع مهدد في وجوده! تحدثوا كثيرا عن التعليم الأولي، مند الميثاق الوطني، فلم تنشئ الدولة قسما واحدا في ذلك! والآن عادت نفس الاسطوانة تغني موالها، وفي نفس الوقت يتحدثون عن مشكل التمويل وقلة الاعتمادات! فكيف يمكنهم بناء اقسام التعليم الاولي وتوفير أطرها التربوية وهم أعجز الان عن حل مشكل الاكتظاظ والخصاص في المدرسين، مع العلم انهم لا يضمنون للخريجين من مراكز التكوين التوظيف المباشر بعد التخرج! ان التعليم في حاجة الى ثورة حقيقية لن تتحقق بموظفين بيروقراطيين تكنوقراطيين،ولا بسياسةوسياسيين لا يحملون من هم أبناء الطبقات الشعبية الا هم وجود هاته الطبقات جنبهم، تفسد عنهم راحة بالهم!