تقع قرية "أموكر"-- أو "موكر" كما يحلو لسكانها أن ينادوها -- على بعد حوالي 13 كيلومترا إلى الشمال الغربي من مركز كرامة ، في مضيق جبلي يستهله فج "تاغيت" الشهير، فيوحي بمنظره العام الأخاذ من بعيد، وكأن الطبيعة ترفع كفيها إلى السماء داعية ومبتهلة.........وكلمة "أموكر" بإجماع أمازيغ الأطلس الكبير الشرقي، ترمز إلى التجمع السكني المتواجد بين نهرين أو أكثر ، الشيء الذي يتطابق مع الواقع الزاهي للمداشر الثلاثة :(القصبة) و (تداوت) و (القصر الأبيض) ، التي يخترق نهرا : "زنتوار" و"كير" حقولها المعطاء وبساتينها الغناء، تماما كما تفعل أودية مماثلة في" أموكر نايت حديدو" بضواحي ( إملشيل) ، و"أموكر نايت مرغاد" على مقربة من بلدة (أملاكو).... في هذا السياق ، لن نغالي إذا قلنا بأن الموقع الجغرافي الفريد ، والاستراتيجي الهام لأموكر الكرامية، هو الذي حذا بالمستعمر الفرنسي ،إلى اختيارها لتكون مركز قيادة ، حتى يسهل عليه إخضاع كير الأوسط والأعلى ، وهو ما تأتى له بيسر ، لاسيما حين اعتمد على السياسة القمعية و الصارمة للقائد :( قاسم )،الذي لا تزال الألسن – لحد الآن -- تتداول اسمه وسلوكه العنيف ، كلما أثير موضوع عهد الحماية البغيض.....غير أن نفس الموقع الجذاب ، وما يحمله في طياته من مؤهلات ، لم يمنع—بالمقابل-- عشرات الأسر منذ بزوغ فجر الانعتاق، من الهجرة نحو الحواضر الكبرى والاستقرار بين أحضانها، بحثا عن حياة أفضل..... الحديث عن هذه الربوع الوديعة الخلابة كذلك، يجرنا للإشارة إلى نعمة ربانية حباها لها الوهاب المنان جلت قدرته.، وجعلها تنفرد بفضلها عن كل القرى المنتشرة في منطقة حوض وادي كير...إنها عين "زنتوار"، التي تنضح تحت صخور صماء، بماء زلال يتدفق رقراقا ليحول الربى والسفوح إلى رياض فيحاء ، تزخر بمختلف الغلال... حتى أن اسم "أموكر" أضحى- بفضل هذا الخير العميم - مقترنا بالاخضرار من جهة ، و بإنتاج الحبوب و أنواع معينة من الفواكه و الخضروات ، كالجوز واللوز والتفاح و الطماطم والبطاطس -على سبيل المثال لا الحصر- من جهة أخرى......و من مميزات هذا الينبوع الميمون أيضا ، أنه لم يجف يوما ، رغم السنوات الطويلة العجاف التي عانى من تبعاتها الفلاحون البسطاء في شتى الأصقاع الأخرى...كما أنه كان ولا يزال قبلة للذين يعشقون الاستجمام، بين أحضان طبيعة، عذراء، أخاذة ، تبهج النفس..و لنسوة وفتيات يقصدنه من كل حدب وصوب، لاسيما يوم الجمعة، باعتباره --حسب اعتقادهن-- مزارا للتبرك وطرد النحس.... فيمكثن داخل الأسوار المحيطة به وقتا كافيا ، يتضرعن خلاله إلى الباري تعالى داعيات وراغبات... ثم يزغردن بعد ذلك في محاولة يائسة منهن لدفع سمكة بديعة الشكل والمنظر ،إلى الظهور في المياه بشكل جلي.. وهي سمكة تزعم رواية شفهية متوارثة ، بأنها موجودة ومزينة بقرط من ذهب....... ما سلف ذكره من خيرات وإيجابيات ، لن يمنعنا من التأكيد على أن تواجد المداشر الثلاثة لأموكر، في رواب وتلال محاذية لجبال شماء، وبين نهرين كبيرين نسبيا ، جعل أراضيها المزروعة –على الدوام – عرضة لسيول مهولة ، تجرف التربة و تتلف المحاصيل.....وإذا كانت الدولة قد قامت في بداية ثمانينيات القرن المنصرم، بتخصيص غلاف مالي قيل بأنه فاق المليار سنتيم... لبناء السد التلي : "أوسروتو"، الذي تطلبت أشغال إنجازه أزيد من سنة.... فإن الأيام التي أعقبت عملية التشييد، أظهرت بأن المشروع برمته ، فاشل بكل المقاييس...فالجدران أصبحت خرابا وأثرا بعد عين، والبحيرة أضحت خاوية الوفاض، تنعق فيها الغربان......والمجرى المائي المستهدف ، واصل- بلا هوادة - تدميره وجرفه للحقول والبساتين التي يخترقها ، مما طرح ويطرح تساؤلات وعلامات استفهام كبرى......وعلى أي... فالجهات الحكومية المعنية مدعوة للتدخل الآني- مرة أخرى - لمؤازرة الفلاحين، في أفق درء مخاطر الشعاب المنسابة من المرتفعات إبان سقوط الأمطار ،وكذا لبناء حائط وقائي في جانبي نهر "كير "، لحماية المزروعات من أضرار فيضانات كارثية كالتي شهدتها المنطقة في خريف سنة 2008، حيث اجتثت المياه مئات الأشجار المثمرة ، وأتلف الحجر والحصى الرملي عشرات الفدادين إتلافا فظيعا.....فما كان من الفلاحين البؤساء- آنذاك- إلا أن شمروا على سواعدهم ، واعتمدوا على الله وعلى إمكانياتهم الذاتية المتواضعة ، لإصلاح و استصلاح ما أفسده المناخ..... قد يطول بنا وصف الخصوصيات الجذابة و اللافتة لقرى : تداوت و القصر الأبيض و القصبة ، والتي جعلت منها لؤلؤة بدوية ، ليست كبقية اللآلئ....وقد نحتاج إلى وقت كثير للإلمام باحتياجاتها ومشاكلها... لذلك سنكتفي بإشارتين، لهما ما لهما من معان ودلالات، نعلن من خلالهما على : 1)أن نخبة من مثقفي المداشر المذكورة ،أسسوا قبل عقد من الزمن ،جمعية ثقافية واجتماعية وتنموية ،استطاعت في بداية مشوارها أن تجلب إليها الأنظار، بفضل الخدمات التي قدمتها والأنشطة التي قامت بها ... 2)أن العديد من أبناء أموكر الذين يقطنون في كبريات المدن ، شدهم الحنين إلى أرض الأجداد، وشرعوا مؤخرا، في المجيء بكثافة، وفي بناء مساكن فخمة ، يؤمونها صيفا، وكلما سمحت لهم الظروف بذلك ، خصوصا بعد أن أشرفت عملية هيكلة و تعبيد الطريق بين (كرامة) و(تيوزاكين) على النهاية..