"ألمو أبوري" ، أو" المرج الخلوي"،(إن صحت هذه الترجمة) ، قرية نائية وديعة، تحتضنها المرتفعات الشماء ، و تقع على بعد حوالي 65 كيلومترا ، إلى الشمال الغربي من " كرامة" ، عند ملتقى الحدود الترابية الإدارية، التي تفصل الجماعة الأم لهذه الأخيرة ، عن جماعة "النزالة" ،وكلتاهما تنتسبان لنفوذ إقليم ميدلت ، و عن جماعة "بومريم" التابعة إداريا لإقليم "فكيك" ،و جماعة "ويزغت" المنضوية تحت لواء إقليم "بولمان". يعتمد معقل قبيلة "أيت بنعلي"، على زراعة معيشية ضئيلة المردود، يزاولها أبناؤه، في حقول صغيرة ، تنتظم على ضفتي نهر ينساب في سفح جبل "إيش أولمو" الشامخ ، و تنتج الحبوب و بعض الخضروات على وجه الخصوص... كما يهتمون -- جريا على عادة الأسلاف-- بتربية الماشية، خصوصا الغنم و الماعز، و برعاية النحل ، وتسويق عسل ذي جودة عالية ، ومصداقية لا تشوبها شائبة . هذه الانشغالات وغيرها، لم تمنعهم من التحلي بسمة فريدة ميزتهم ،عن باقي فروع المجموعة القبلية الكريمة :"أيت سغروشن"، وتكمن في تشجيع الكثير من فلذات أكبادهم، لينهلوا من العلم و العرفان، من خلال التردد على المدارس الدينية العتيقة ، لحفظ كتاب الله وتحصيل علوم الفقه والحديث، وهو ما يجد له تفسيرا في عدد الأئمة المنتسبين للقرية.، والذين يعمرون بيوت الرحمان في مناطق مختلفة... ولم يغفلوا في نفس الوقت ، تحفيز الآخرين على الالتحاق بالمؤسسات المعاصرة، لضمان حصولهم على وظائف في دواليب الدولة...... غير أن تردي الأحوال الاجتماعية و الاقتصادية و التنموية --- المرتبطة في مجملها بسياسة اللامبالاة ، التي مارستها الحكومات المتعاقبة ضد أهالي الأعالي، إضافة إلى العوامل المناخية القاسية جدا ، والتي طالما عزلت القرية عن العالم الخارجي --- أجبرت شريحة واسعة ، من شباب هذه الربوع المهمشة،على المغادرة نحو المدن والمراكز الحضرية ،بحثا عن حياة أفضل..لدرجة أن شمال البلاد –على سبيل المثال— أضحى القبلة المفضلة للعديد منهم ، جراء فرص العمل التي يوفرها …..... أما أولياء أمورهم ، ومعهم كل الذين لا حول لهم ولا قوة ، سواء منهم المقيمون أو الرحل ، فلم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام الواقع المر الذي يعيشونه مع أسرهم ، إذ طرقوا جميع الأبواب ، وسلكوا كافة السبل القانونية، بل واستعملوا شتى الأساليب المشروعة للفت انتباه المسؤولين الحكوميين، والنواب البرلمانيين و دفعهم لتنفيذ وعودهم المعسولة التي طالما ادعوا بأنها تروم كهربة المدشر، وتزويده باللاقط الهاتفي ، و تعبيد المسالك الطرقية، و بناء المستوصف ، وإصلاح السواقي، و دعم الكساب ، وخلق المشيخة ، وإراحة المواطن المغلوب على أمره من عناء مسافة تناهز400 كيلومتر،يقطعها ذهابا و إيابا ، إبان انقطاع السبل ،بسبب تساقط الثلوج، أو حدوث الفيضانات، مرورا بتراب قيادة"تالسينت" لجلب كيس دقيق من "كرامة"......و ما إلى ذلك من الكلام العذب الكاذب ، الذي ألفوا استعماله كسلاح لاستمالة القرويين البسطاء ........ وهكذا نظم هؤلاء، مسيرة أولى مشيا على الأقدام ، إلى عاصمة الإقليم ، و أخرى صوب تراب إقليم فكيك...... ثم قاطعوا بعد ذلك الانتخابات الجماعية الأخيرة بصورة لم يسبق لها مثيل...وأخيرا توجوا نضالهم في خريف سنة 2013، بوقفات احتجاجية عارمة ببلدة "كرامة"، دامت زهاء عشرة أيام ، شارك فيها المئات من سكان المركز و المداشر، وتناقلتها مختلف الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي... مما استوجب إحضارعدد هائل من أفراد الدرك و التدخل السريع ،مدججين بالعصي و الهراوات......... أما من الناحية السياسية ، فلن نبالغ إذا قلنا بأن"أيت بنعلي" جربوا حظهم منذ استقلال البلاد، في الاستحقاقات التشريعية المتتالية، مع مختلف التيارات و الأفكار ، أملا في رؤية بصيص من النور في نهاية النفق ، فصوتوا مرات عديدة لليمين،الذي طالما عزف على وتر اللغة والعرق...... ظنا منهم بأن الأعيان و ما أوتوا من مال و جاه ، سيحدثون تغييرا ما ، لكن هيهات.........ثم جاءت أواخر التسعينيات ، فحولوا الوجهة نحو اليسار ، واختاروا بأغلبية ساحقة ،( إن لم نقل بالإجماع )،أن يساندوه محليا ووطنيا، لاسيما وأنه كان يقود تجربة حكومية ، رأوا فيها خير منقد و مغيث....غير أن أحلامهم تبخرت ، وآمالهم ذهبت أدراج الرياح ، فصبت شريحة منهم جام غضبها على مناضليه ، قبل أن تكتشف بأنهم مجرد ضحايا بعيون بصيرة ، و أياد قصيرة....واليوم لا يخفي العديد من الشباب تعاطفهم مع التيار الإسلامي الذي يسير قطاعات الدولة،انطلاقا من قناعتهم بأنه الحل الأمثل ، بل أكد بعضهم وعلى نطاق واسع ، بأن السيد رئيس الحكومة ، أثناء مقامه بمدينة الرشيدية مؤخرا ، تم وضعه شخصيا، في صورة الأحوال الصعبة لقرية "ألمو أبوري"، وما كابده سكانها شتاء، من محن و مآس تجاوزت أصداؤها كل الحدود، وأن سيادته، وعد بالتحرك العاجل لتحسين الوضع ، و أن..... و أن.....بيد أن الحقيقة الساطعة هي أن دار لقمان بقيت على حالها لحد الآن..... وهو ما دفع أحد الظرفاء إلى القول و بمرارة : "لقد صبرنا ست سنوات تقريبا بلا نتيجة ، و صمدنا- قبل ذلك- ستة عقود عجاف ظلماء..... فما علينا اليوم- أحببنا أم كرهنا- إلا أن نواصل انتظار الذي قد يأتي وقد لا يأتي..............