المشروع التعليمي لا يمكن ان يكون الا تعبيرا عن المشروع السياسي والاقتصادي والفكري لنظام معين، وأزمته ذات التمظهرات المختلفة، من أمية وتوقف مبكر عن الدراسة، وبطالة وتدني مستوى الذوق والسلوك العام، وقلة الاهتمام بالفكر والعلم والثقافة وسيادة العنف بمختلف أشكاله، وتراجع الفنون الراقية وكل اشكال التعبير السامية ... ماهي الا صورة للوجه القبيح لسياسات لا شعبية متراكمة وممتدة في الزمان والمكان ذهب ضحيتها أجيال من المغاربة منذ الاستقلال. فكيف يمكن أن يؤسس لنظام تعليمي ديمقراطي في بلد اقتصاد الريع والنهب وتبذير المال العام واستباحته من قبل بيروقراطية إدارية لا يهمها الا كراسيها مستظلة برحمة عفا الله عما سلف ... قبل تحليل بعض بنود "التدابير ذات الأولوية " ننبه الى خطورة خطاب النقد الذي بدأ يدمنه مسؤولو الدولة وهم يريدون أن يلعبوا جميعا دور المعارضة بل يتقمصون شخصية الثوري كأنهم ليسوا مسِؤولين ولا حاكمين ولا مدبرين ولا مهندسي التدمير الممنهج الذي لحق هذا البلد ، انهم يمارسون مهمة خلط الأوراق وذر الرماد في العيون وجعل الشعب هو المسؤول والضحية في نفس الوقت . من أهم محاور هاته التدابير المزعومة : · فتح أقسام المسالك الدولية للباكالوريا المغربية بغالبية المؤسسات التعليمية العمومية في اللغات التالية : الفرنسية والانجليزية والاسبانية. انها سياسة اشبه بتقسيم المغرب بين دول استعمارية ، وتنكر لتاريخ بلد عريق يمتد الاف السنين كأننا أمة مصطنعة تبحث لها عن هوية مفقودة بين الاسبان والفرنسيين والانجليز ، هاته البلدان ذات التاريخ الاستعماري المقيت ، بهذا الاجراء سيصبح النظام التعليمي المغربي هجينا بدون ملامح ،فاقدا استقلاليته وتحت رحمة اللغات الأجنبية الثلاث ، متخبطا في مشاكل لغوية لا حدود لها ويستحيل معها سن سياسة لغوية وطنية ، وكيف يمكن لهاته الدولة أن تجد الأطر الكافية والكفاءة بأكثر من ثلاث لغات أجنبية في تخصصات علمية لا حدود لها ولعددها وتتوالد باستمرار وتتضاعف الاكتشافات العلمية وتنتج النظريات و المفاهيم باستمرار ؟ هل إسرائيل أو اليابان دول غبية لأنها تدرس تعليمها الجامعي بلغاتها الاصلية وهي تنشئ معاهد للترجمة لتواكب كل مستجدات العلم بلغتها ؟ ان هاته السياسة لا يمكن أن يستفيد منها سوى أبناء هؤلاء السياسيين وخدامهم التكنوقراطيين الذين يدرسون أبناءهم في المعاهد الدولية ويتكلمون لغة يرضعونها من حليب أمهاتهم وهي طبعا ليست لا العربية ولا الأمازيغية ،هاته المعاهد التي وعدنا وزير اللاعدالة واللاتنمية أن يفتح لها أبواب المغرب على مصراعيها وهاهي كليات الهندسة والطب تفتح ، وليذهب أبناء الفقراء الى التكوين المهني ... · تخصص السنوات الأربع الأولى لتعليم المعارف الأساسية في اللغة العربية والحساب وأنشطة التفتح. ما معنى الأساس باللغة العربية ولاحقا المسالك الدولية؟ أنتم أبناء الفقراء تعلموا القراءة والكتابة باللغة العربية ليسهل تدجينكم إعلاميا واصطيادكم اشهاريا، وتعلموا أوليات الحساب وليس الرياضيات التي هي فن التفكير، مصطلح الرياضيات اختفى نهائيا من قاموسهم واستبدلوه بالحساب، فأنتم مشاريع عمال في أحسن الأحوال، وأوراش التكوين المهني في انتظاركم، لتستأنسوا بالمنشار والمطرقة ... أما التعليم العالي فلن تحلموا الوصول اليه الا من رحم ربي وأظهر نبوغه بإتقانه للغات الافرنج وهي مهمات شبه مستحيلة مادام الأساس عرب ... · أنشطة التفتح: بشرى لأبنائنا فستفتح المسارح والقاعات السينمائية، وستبنى الملاعب الرياضية والمسابح وقاعات الرياضات المختلفة وحتى رقص البالي سيجد له مكانا في مدارسنا وسيتعلمون الموسيقى وسيحفظون السولفيجوسيتعلمون الرسم ويدرسون مختلف مدارس هذا الفن ...ان غدا لناظره قريب! · تحسيس التلاميذ منذ التعليم الابتدائي بأهمية الأنشطة المهنية عبر اكتشاف الأنشطة المهنية عبر اكتشاف المهن، برمجة أنشطة تطبيقية مرتبطة بالمهن مع تدخل المهنيين... لا تحاولوا فهم عبقرية مهندسي هذا الإصلاح والا ستصابون بالجنون لا محالة، فلكم أن تتصوروا تلاميذ المدارس القروية يزورون "امزيلن" ويزورون «أبردعي" ليستأنسوا بعملهم ويتعرفون عن كثب كيف تصنع المناجل والسروج ... · التعليم الأولي . لا مكان له داخل المدرسة العمومية عكس ما كان يقال سابقا عن تعميمه، فهو هدية للقطاع الخاص ، ودجاجة تبيض ذهبا . · تعزيز دور القطاع الخاص من 12% الى 20% مع دعمه من قبل الدولة . نعم دعم الدولة ،رغم الأرباح الخيالية التي يراكمها، وانعدام الجودة و الاستغلال البشع للأطر التربوية، وتبضيع وتسويق الخدمات التعليمية واستنزاف موارد الأسر المغربية وخلق المزيد من مقاولات النهب وضرب تكافؤ الفرص... · أما أنتم نساء ورجال التعليم فترقيتكم رهينة بمردوديتكم، كلمة حق أريد بها باطل، فلا غرابة فأنتم مشجب كل إخفاقات مهندسي الإصلاح الفاشلين، وأنتم الحائط القصير الذي لا يتردد رئيس الحكومة ووزراؤه في القفز عليه، ووداعا لكل المكتسبات فأنتم في نظر هؤلاء لا تستحقون الا كفاف العيش... أما سؤال كيف يمكن توفير أستاذ لكل 25 تلميذ ومؤسسات مجهزة بكل الوسائل البيداغوجية والفنية والرياضية والمكتبات والتغذيةوالمضمون الشعبي والعلمي والثقافة الإنسانية المستنيرة والعقل والتفكير النقدي والتعليم الموحد والمجاني ...فهي مؤجلة الى اصلاح أخر! وكل اصلاح وبلدنا بألف خير.