في أفق اقتحام المؤسسات التربوية للأنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي (...) تلميذتان على طاولة أحد الأقسام الدراسية تتبادلان قبلا بإيحاءات شاذة، ومجموعة من التلميذات بوزراتهن البيضاء يتحدثن في مواضيع إباحية بطريقة تحمل الكثير من الجرأة والوقاحة. وتلميذ وتلميذة منزويان هنا وهناك في حديث حميمي، وأشياء أخرى. ومجموعة من المراهقات في لعبة رقص ماجن يحرصن على [عبد الفتاح شهيد-] عبد الفتاح شهيد- إظهار ما خفي من مفاتنهن بحركات مثيرة. وصور و"سكوبات مثيرة"، ومحادثات ماجنة، لمراهقات ومراهقين في وضعيات ومواضع مختلفة(...) ليس هذا إلا القليل مما ينتشر على شبكة الأنترنيت، في الشهور الأخيرة على الخصوص، لمراهقات ومراهقين يفترض أن يكونوا في مقاعد الدراسة أو مدرجات الجامعة، لا أبطالا في مقاطع فيديو يتسابق عليها صانعو اللذة وطالبوها... وما يجعل من كل هذا كوارث كبرى، تدق لها نواقيس الخطر، وتستدعي رفع حالة "التأهب التربوي" قبل "التأهب الأمني" إلى حالته القصوى، هو توثيق اللحظات العابرة– في ظروف معينة- بكاميرات الهواتف المحمولة. وتسريبها – في ظروف مختلفة- إلى أيدي فاعلي السوء الذين يعملون على نشرها على اليوتوب ومواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا الفايسبوك. مما تكون له نتائج بالغة السلبية على المراهقين والمراهقات، ممن يتلهفون لتتبع هذه المقاطع على الأنترنيت وتناقلها على هواتفهم المحمولة. ونتائج نفسية واجتماعية أكثر خطورة على الذين يكونون أطرافا في هذه المقاطع. ولا شك أن للمدرسة دورا كبيرا في مواجهة ما يجري، أو الحد منه ومن تداعياته. ليس فقط لأن هؤلاء المراهقين والمراهقات يصورون بعض المقاطع في فضاءات المدارس ومحيطها، وليس فقط لأن أصحاب "السكوبات" ينسبون التلميذات إلى مدارسهن قبل بيوتهن. ولكن لأن المدرسة هي المتدخل الأساسي في تقويم السلوكات والانحرافات وتعزيز النجاحات والتفوقات... وهي التي لها القدرة، بما أوتيت من إمكانات تربوية ولوجستيكية، ورؤية مستقبلية لاستشراف المشكلات والتنبؤ بها. ثم احتضان آمال المراهقين، وامتصاص صدمات آلامهم ومشكلاتهم. وردعهم ومعاقبتهم، إن اقتضى الحال، لحمايتهم من أنفسهم، وتحصينهم ضد كل من يتربص بهم. فأول دور يجب أن تضطلع به المدرسة بكل مكوناتها التنظيمية الهيكلية والتربوية التأطيرية في مثل هذه الظروف، هي التوعية والتحسيس. لكن بطرق غير تقليدية تتجاوز الخطابات النصائحية العمودية،إلى مراقبة ومواكبة مستجدات الساحة التكنولوجية، ومشاركة المتعلمين همومهم التقنية الجديدة، وفضاءاتهم المغلقة. وتمرير خطاب تربوي فعال من خلال القنوات الجديدة التي تشغل بال وأوقات متعلمي اليوم، وتشكل مكمن الجاذبية لديهم. ويمكن أن تشكل مادة الإعلاميات حجر الزاوية في هذا المجال، بجعلها فضاء لتبادل الخبرات والمعلومات التقنية. وبتلقين المتعلمين من بين ما يلقن لهم، وسائل حماية الخصوصيات، وتعرف مخاطر عوالم الأنترنيت المحدقة. و خلق حس أمني معلوماتي لديهم، تجاه كل خصوصياتهم ومعلوماتهم التي يضعونها على كل جهاز موصول بالشبكة، يمكنهم من أأمن الوسائل للإبحار في عوالمها المترامية. فإلى متى تبقى الإعلاميات مادة يتعلم فيها التلاميذ بعض المبادئ الأولية، وحين ينفردون بأنفسهم في مقاهي الأنترنيت أو حواسيبهم الخاصة، يصنعون ما لا يخطر ببال المتخصصين؟ ! كما أنه أصبح من اللازم على المؤسسات التعليمية والأطر التربوية أن تنخرط فيما يمكن أن نسميه بالتكنولوجيا التفاعلية المتفاعلة مع المتعلمين، المستجيبة لحاجاتهم المتجددة. بدل مراكمة دروس "البويربوانت" الجامدة والمملة في الكثير من الأحيان. وبدل صيانة "قاعات جيني" المستمرة، التي جعلها بعض الإداريين كالمعابد، التي يحتاج ولوجها إلى الكثير من الطقوس والأدعية والمساطر المعقدة. كما أن توظيف التكنولوجيات الجديدة في الحقل التربوي أضحى يستدعي البحث عن وسائل لتحقيق نوع من التقارب والتوازن بين البرامج والمبادرات التكنولوجية للوزارة والهموم التكنولوجية المستجدة للمتعلمين. فقد تجاوزنا اليوم مرحلة "الدهشة" التي كانت قبل سنوات، ولم تعد المشكلة هي التوظيف فقط، بل طرق هذا التوظيف، وجدواه، ومدى استجابته لآفاق انتظار المتعلمين المتجددة والمتطورة باستمرار، دون الإخلال بمقاصد التربية وغاياتها الكبرى. وذلك حتى لا تبقى مبادرات الوزارة "كلام مدارس" تمحوه الساعات الطويلة أمام الحواسيب الخاصة في الغرف المغلقة، وتحت رحمة لصوص الإثارة وتجار اللذة. و أهم خطوة لتحقيق هذا التوازن والتقارب هو اقتحام المؤسسات التربوية وأطرها للعوالم الافتراضية على الأنترنيت، وحجز "مساحات عمل" (فاعلة وحاضرة باستمرار وليس في المناسبات فقط)، على المواقع الإلكترونية والمدونات ومواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا الفايسبوك. لأن في هذه المواقع اليوم تشكل العقليات وعبرها تمرر القيم والسلوكات، وتأثيرها يفوق تأثير ما يجري في الصفوف الدراسية بكثير. ومن شأن هذا الحضور التنبؤ واستشراف آفاق ما يجري ومحاصرة الظواهر السلبية المستجدة، والبحث في طرق مواجهتها، وامتصاص آثارها النفسية والاجتماعية. ثم تعزيز الظواهر الإيجابية، والبحث في وسائل المحافظة عليها (...). والأولى من كل ذلك خلق جسر آخر، مهم وفعال للتواصل والتقارب وإذابة الجليد بين المربين والمتعلمين... في وقت لا تلبث المسافة بينهما تزداد اتساعا مما يتمظهر في العنف والعنف المضاد اللذين تحبل بهما الساحة التعليمية في السنوات الأخيرة. فقد تصنع الحوارات والتوجيهات الافتراضية الاختيارية ما لا تصنعه الخطابات المباشرة الإجبارية، وقد يتحقق عبر شبكة الأنترنيت الشاسعة، ما لا يتحقق عبر شبكات التقويم الصارمة. وفي انتظار ذلك تظل الإجراءات الاحترازية ضرورية لتجنب "الارتجاج الاجتماعي" و"النزيف النفسي" اللذين تسببهما الصور ومقاطع الفيديو على الضحايا كما على الجلادين والمتتبعين. حيث يجب أن تمارس "المؤسسة التعليمية" حقها في الردع والزجر وسن قوانين واضحة لخدمة هذه الغاية . مثل المنع الكلي للمتعلمين من استعمال الهاتف المحمول في فضاءات المؤسسة (فرغم أن القرار مسطر في الكثير من القوانين الداخلية للمؤسسات فهو لا يعرف طريقه للتطبيق)، تواكبه حملة واسعة للتوعية والتحسيس بأهمية القرار وإيجابياته على مصلحة المتعلمين وعلى الحياة المدرسية. وذلك لاستباق الاستعمال السلبي للهواتف المحمولة للتصوير واقتناص مقاطع الفيديو والارتباط بالمواقع الاجتماعية في فضاءات المؤسسات وحتى من داخل الفصول الدراسية. فقد أبانت بعض الاستطلاعات أن ظاهرة الارتباط بمواقع التواصل الاجتماعي من داخل الفصول الدراسية تتسع بشكل كبير. بدأت مع صفحات "التسريبات" الفايسبوكية أثناء امتحانات البكالوريا وتنامت بشكل مطرد في الشهور الأخيرة. كما أبانت الكثير من مقاطع الفيديو على الأنترنيت أن كاميرات الهواتف المحمولة كثيرا ما تستعمل داخل فضاءات المدارس لأغراض غير شريفة. كل ذلك في أفق إيجاد آليات وحلول أكثر فعالية ونضجا من المنع، الذي يظل ليس الحل الأمثل لهذا النوع من المشكلات... مع تفعيل المنع الكلي للتدخين وتعاطي المخدرات في فضاءات المؤسسات ومحيطها، وولوجها في حالة سكر، لأن الحالة غير الطبيعية التي يكون عليها المراهقون والمراهقات تجعلهم فريسة سهلة لصور ومقاطع مثيرة، تنتشر بين رواد الشبكة قبل أن يرتد إليهم وعيهم. مع تطبيق القانون بصرامة مع كل المتورطين، وعدم التساهل مهما كانت الظروف والحيثيات والدفوعات التربوية والمعيقات المسطرية. لأن التساهل يجعل هذه الظواهر الخطيرة حقا مكتسبا، ومهمة القضاء عليها تدنو من الاستحالة. وفي إطار الردع والزجر والاستباق أصبح من الضروري فتح النقاش في مسألة تزويد المؤسسات المدرسية بكاميرات للمراقبة في فضاءاتها العامة ومحيطها، ولو على مراحل وفي نقط محددة. لتجنب التخريب ومظاهر الانحراف، ومحاربة المخدرات، ورصد الغرباء الذين يتربصون بالمتعلمات والمتعلمين، ويشنون غاراتهم على المدارس ويستبيحون فضاءاتها... لأنه مهما كانت الاعتراضات على تنصيب هذه الكاميرات، فإنها ستكون آلية فعالة للردع والاستباق، وخلق نوع من التخوف لدى المتعاطين والمنحرفين والغرباء على المؤسسات التعليمية. ويمكن الاستئناس في هذا المضمار بتجارب بعض المؤسسات التعليمية الخصوصية التي دخلت منذ سنوات في هذه التجربة، ويذكر المشرفون عليها أنهم حققوا نتائج تستحق الاهتمام. فهل ستأخذ مقولة "هدم الأسوار" بعدها الحقيقي، أم ستبقى مجرد شعار للتنصل من حماية المدرسة العمومية؟! وهل ستقتحم الأطر التربوية بمهماتها المختلفة الدوائر المغلقة للمتعلمين/المراهقين على الشبكة ومواقع التواصل الاجتماعي، أم سيظل توظيف التكنولوجيات الحديثة حبيس جدران الفصول، وبالتالي حبيس توظيف تقليدي محدود لمنتوج حداثي يتجاوز كل الحدود؟! سؤالان أساسيان سنلفي صدى الإجابة عليهما مؤكدا في الساحة التربوية خلال الشهور، أو السنوات، القليلة القادمة.