[b]بين قبلة مثيرة في مشهد فيلم كادت أن تسقط طائرة، وقبلات اليد والكتف المقدسة، وقبلة ميكانيكي لحذاء نائب وكيل الملك، تعددت القبلات المغربية والمذاق واحد ..هو خليط من طعم المرارة والوجع والذل والمهانة. وبين قبلة ساخنة في مشهد سينمائي ،أو قبلة مختلسة في ممر مظلم ، أوقبلة مرتجفة أمام حذاء العدالة ، أوقبلة خنوعة متملقة ليد نافذة ، أو قبلة للتراب الذي تخطو عليه نعال الأسياد؛ تعددت الأوصاف والمعنى واحد.. وهو أننا شعب يخاف القبل، و في نفس الوقت يعبرعن خوفه بالقبلات . [فاطمة الإقريقي] فاطمة الإقريقي كلما تملكنا الخوف من السلطة ، زاد استعدادنا النفسي للقبل .. لا نحتاج لأوامر اجبارية لنقبل ؛ قاماتنا مهيأة أوتوماتيكيا للانحناء، و شفاهنا تتقلص عضلاتها لاشعوريا ، ولعابنا يتدفق تلقائيا، ونندفع طوعيا من أجل التقبيل كلما شاهدنا رمزا للسلطة .. مبرمجون مند صغرنا على التعبير عن الولاء والطاعة بالقبلات .. نتكرم بالقبل اللامتناهية بدون سابق انذار ، نقبل الوجوه و نقلب الأيدي و نتمسح على الأكتاف و نسجد للأقدام ونشبعها قبلا ..لقد تطبعنا مع مشاهد القبل الأصيلة ،وبصورها المقربة والمرفقة بقصائد المديح المطولة .. لماذا سنثور اليوم على قبلة الميكانيكي لحذاء ممثل العدالة بمدينة ميدلت ؟، هل هي الواقعة الوحيدة في مشهدنا السياسي البئيس؟ .. حتى وان اتفقنا بأن قاضي ميدلت مذنبا ، فهل الميكانيكي بريء ؟ لماذا انتفض متأخرا؟ و لماذا تقبل في البداية الاذلال والإهانة وانحنى أرضا لتقبيل حذاء نائب وكيل الملك مرتين ؟..هل الفقر مبرر كافي لتمريغ أنفتنا وكبرياءنا تحت أحذية المستبدين ؟.. كلنا مذنبون ومشاركون في جرائم اغتصاب الكرامة تحت جنح ظلام الصمت..وكلنا ذلك الميكانيكي الخائف والخنوع وذلك القاضي المتسلط والمتجبر، ما دمنا راضين ومتعايشين بسلام داخلي وراحة ضمير مع مشاهد القبل الرسمية ومع طقوس العبودية العريقة . نحن شعب شيزوفريني في علاقته مع القبل،ننحني اجلالا لقبل الذل ، ونتمرد على قبل الحب ..نتعايش مع قبل الاستعباد ، ونهدر دم قبلات العشق .. نحتج في الأجواء العالية على مشهد قبلة في فيلم ، ونصمت على الارض أمام قبلات الولاء والطاعة والاذلال .. نختلس القبل الملتهبة في العتمات ، ونلعن غوايتها تحت الشمس.. ننتفض على قبلة مواطن فقير وخائف لحذاء رجل سلطة، وفي نفس الوقت نصنف قبلات العبودية تراثا وطنيا وتاريخيا مقدسا.. نحلل قبل التوسل والتزلف والانتهازية ،ونحرم قبلات الحرية.. في لغة القبل، ترمز القبلة على الشفاه الى الحب والرغبة، وعلى الخد هي رسالة تعاطف وامتنان، وعلى الجبين هي دليل احترام، وعلى الرأس هي طلب للمغفرة، وعلى يد أنثى هي رقي ولباقة، وعلى الهواء هي همسة شوق، وعلى الكتاب المقدس هي ايمان ومحبة لله.. وعلى اليد والركبة والقدم و الحذاء هي تعبير عن الفوارق الاجتماعية ، و ذل وعار واحتقار وعبودية..فأي القبلات أحلى ؟ وأي الوضعيات أكرم ، هل قبلة ساجدة راكعة أم قبلة بقامة منتصبة ؟.. في ديوانه الأخير، يقول الشاعر اللبناني زاهي وهبيم في تعريف القبلة بأنها : حابسة الأنفاس والثرثرة مزيلة الصداع ومسببته مفتاح السعير والفردوس معاً سببٌ من أسباب جهنم وباب من أبواب الجنان... لكنها في واقعنا المثقل بأعراف القداسة والعبودية ؛ فهي مفتاح الولاء والخضوع معا .. سبب من أسباب الترقي .. وباب من أبواب الولوج لجنان السلطة .[/B]