بداية أتحفظ على تسمية الربيع بالعربي ، فالحراك الشعبي لا قومية و لا ديانة له ,هو انتفاضة ضد مختلف اشكال التسلط والقهر والحرمان والبؤس المتراكم لسنين من الحكم الديكتاتوري الذي مارسته عصابات متحكمة في الاقتصاد والسياسة و الثقافة والاعلام وسخرت مختلف اجهزة القمع للتنكيل بكل صوت حر مدوي قد ينطلق من حين لأخر. انتفاضة عفوية صنعت نفسها بنفسها بعيدا عن الاحزاب السياسية و النقابات المدجنة ، لأنها بدورها افرزت لنفسها قيادات مافيوية تتمتع بالحرية الكاملة في النهب و التسلط شان مختلف اجهزة الدولة القمعية . تولدت الروح الثورية والسيكولوجية الجمعية المتمردة من واقع البؤس و الظلم والحرمان والفاقة والبطالة والاحساس بالغبن ، والضحك على الدقون والاستخفاف بالعقول وتصغيرها وتحقيرها من قبل انظمة الاستبداد بمؤسساته الاعلامية وقنواته التلفازية المملة المطلة صباح مساء، ومبارياتها الكروية المتلاعبة بالعقول كما تتلاعب الارجل بالكرة المستديرة ، المخفية للملايير المختلسة لحفنة تشكل امتدادا لعصابات النهب البري والبحري . انطلقت الشرارة الاولى من واقع بوزبال بعد ادراكه انه يعيش في قبر يستحيل داخله تنفس هواء الحياة والعيش الكريم. انطلق بوزبال بعيدا عن ببغاوات الايديولوجيا الفارغة من الروح الانسانية وقيم الحب والجمال غير مبال بسموم واحقاد ودموية الضلاميات الرجعية ، غير مكترث بالتحزبات القومجية والشوفينية و الوصوليات القومية التي باعت تاريخها وتاريخ غيرها مقابل كرسي مسنود على ظهر السلطة. هبت العاصفة وليست الثورة ، واستطاعت اقتلاع العروش والجالسين عليها ، حاملة اياهم الى مزابل التاريخ غير مأسوف عليهم . الزمن اذن خريفا للعواصف وليس ربيعا مزهرا كما توهمته الوهابيات البترودولارية المتأمركة ، المهرولة الى قطف ثمار السلطة بخدعة الصناديق والدساتير تارة ، وبالسلاح والبنادق والطائرات والصواريخ ثارة أخرى ، في جو قاتم ملبدة سماؤه بغيوم الحرائق و الانفجارات . انها ليست ثورات ، بل هبات ومقدمات لتحول تاريخي عميق لن يرحم النظام العالمي بأكمله ، فالتصدعات و الشقوق تسبق انهيار البناء المتهالك المتآكل وهو شرط اكتمال الثورة واساس بناء عالم جديد . الذئب الامريكي الإمبريالي فطن الى خطورة الموقف ، فلم يتردد في استعمال اوراقه الرابحة بدعمه للإخوان وما دار ويدور في فلكهم لكبح جماح العاصفة ، مستغلا تلك الملايين المعذبة في الارض المجندة و المجيشة والمؤطرة بثقافة القطيع المتحركة بأوامر المرشدين والشيوخ ، وهي الفاقدة لإرادةالسيادة على نفسها ، ففي مصر اسرعت في انسحابها من ساحة التحرير الى جنح الظلام لعقد الصفقات ، وفي المغرب تخاذلت جماعة الاوهام و أحلام اليقظة و انسحبت من حركة الشارع في منتصف الطريق ، في الوقت الذي تسلل و تسلق جناح المصباح المنطفئ الى دار المخزن ليتمخزن و يتفنن في تبرير قمع الاحتجاجات ويساهم فيها من موقع السلطة بلا هوادة وبشكل لم يسلم منه حتى أحد برلمانيها ، في صورة كاريكاتورية. فلتحيا الحكومة الملتحية ! على دمقرطة القمع . هبات الشعوب وان استطاعت تحطيم الزعيم الاله المقدس واحدات ثغرة في النظام العالمي فهي ليست سوى خطوة وبداية وبواكر انتفاضة عالمية لان وحدة التاريخ العالمي اصبحت حقيقة ساطعة ، فما يحدث في بلدان التبعية لا ينفصل عن ازمة البلدان الديمقراطية التي لن تنفع معها الاصلاحات و الترميمات فالنظام العالمي استنفد طاقته الترقيعية و بالمقابل غير قادر على نهج اساليبه التقليدية المتمثلة في الاستعمار المباشر كشكل من اشكال حل ازماته الداخلية . على الشعوب اذن ان تحرر نفسها من اوهامها وتنجز ثورتها الثقافية قبل ان تخطئ موعدها مع التاريخ ثانية .