تفكيك خلية إرهابية موالية لتنظيم 'داعش' بالساحل في إطار العمليات الأمنية المشتركة بين الأجهزة المغربية والاسبانية    صفعات الجزائر وصنيعتها تتوالى.. بنما تعلق علاقاتها الدبلوماسية مع "جمهورية البوليساريو" الوهمية    زنيبر يبرز الجهود التي تبذلها الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان لإصلاح النظام الأساسي للمجلس    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني شي جين بينغ في زيارة تاريخية للمغرب    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    الأحمر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء        تراجع معدل التصخم في المغرب إلى 0.7%    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    دفاع الناصري يثير تساؤلات بشأن مصداقية رواية "اسكوبار" عن حفل زفافه مع الفنانة لطيفة رأفت    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    انهيار سقف مبنى يرسل 5 أشخاص لمستعجلات فاس    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    استئنافية طنجة توزع 12 سنة على القاصرين المتهمين في قضية "فتاة الكورنيش"    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    كيوسك الجمعة | إيطاليا تبسط إجراءات استقدام العمالة من المغرب    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    السلطات الجزائرية توقف الكاتب بوعلام صنصال إثر تصريحات تمس بالوحدة الترابية لبلده    أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسس الإرهاب ومنطلقاته وهل يتم فعلا تجفيف منابعه وما دور قوى اليسار في ذلك؟؟

مرت سبع سنوات على أحداث 16 ماي 2003 التي عرفتها الدار البيضاء تخللتها أحداث متفاوتة الخطورة من الناحية الأمنية: كلها تدل على أن شروط الإرهاب لمٌا تزال قائمة، وتحاول تجديد نفسها وآليات حضورها، ولم تستطع أن تحد منها نهائيا المقاربة الأمنية فمن سلسلة المحاولات لسرقة الأسلحة والتي امتدت إلى المؤسسة العسكرية، إلى تفكيك خلية "أنصار المهدي" والتي ارتبطت بالجيش والطيران... وليس انتهاء بواقعة 11 من مارس 2007 بمقهى الانترنيت بالبيضاء، والمتبوعة بأحداث حي الفرح، وما تلاها بشارع مولاي يوسف بالبيضاء وما لحقها من تقص وتتبع عن عناصر تلك الجماعات الإرهابية المحتملة... وبالجارة الجزائر التي عرفت مرحلة طويلة من الإرهاب الدموي الذي يعد ضحاياه بعشرات الآلاف، وصولا إلى أحداث العاصمة الجزائرية حيث السيارات المفخخة والانفجارات الدموية الرهيبة وآخرها التي وقعت يوم الأربعاء 11 أبريل 2007 مخلفة عشرات الضحايا... كل ذلك ينم عن ملامح حرب دينية تتشكل هنا وهناك... هدفها الاستيلاء على السلطة وإقامة الدولة الدينية (الثيوقراطية) والأوتوقراطية نموذج دولة (طالبان).
وتتفاوت هذه القوى من حيث العنف والقوة والتنظيم من بلد إسلامي إلى آخر حسب ظروف كل بلد وشروط بروز وتشكل تلك القوى الإرهابية، المسماة بالجماعات التكفيرية أو الجهادية أو الظلامية او الجماعات الدينية
أو جماعات الإسلام السياسي أو تنظيمات القاعدة...إلخ
فما الدروس التي يمكن ان نستخلصها مما حصل ويحصل؟
فما أسس ومنطلقات الفكر الإرهابي؟
وما المطلوب من القوى الديقراطية اليسارية في تعاطيها مع مصادر وأسس هذا الفكر؟
وهل تكفي المقاربة الأمنية لاجتثات الإرهاب وتجفيف منابعه؟
كانت هذه مجموع الأسئلة التي طُرحت علي كي أتناول ظاهرة الإرهاب المتسترة تحت مختلف تلك التسميات الجهادية والتكفيرية والحركات افسلاموية ... والتي لا تكاد تنجو منها أي دولة إسلامية وتمتد لتلاحق أعداءها بالتهديد والوعيد تارة أو بالتنفيذ في كل بقاع العالم بمختلف الوسائل والوسائط التي قد تتوفر عليها وهي كثيرة ومتنوعة ...
وحتى لا نكرر نفس الاستعمالات والمبررات التي يعمد إليها في تذبذب الكثير من الدارسين والباحثين الذين يقعون تحت تأثير الإيديولوجية الدينية باعتدالها وتطرفها ...
ينبغي أولا أن نشير إلى أنه لا يخلوا تاريخ أي دين من الأديان السماوية من ممارسات إرهابية وتكفيرية مارسها باسم الدين وتأويل نصوصه وتحت تغطيتها، أولئك الذين استطاعوا أن يؤمموا الدين ويحتكروه لمصلحتهم وأن يستغلوا الحضور الديني في الوجدان الشعبي، بقصد السيطرة معتمدين طرقا انتهازية ومغامرة وانقلابية وبهتانية، وهي أساليب سياسية ورثتها الجماعات الدينية عن تجارب تاريخية وتراث سياسي حافل بالبهتان والأكاذيب كتلك التي كانت قد قامت بها بامتياز وبجدارة العديد من الحركات الدينية لغاية تضليل العامة والدهماء وقيادتها للقضاء على أعدائها أو لنصرة موقف من المواقف التي تدعو إليها...وهو نفسه الموقف الذي تتبناه الجماعات الإسلاموية التي تطلق علي نفسها اسم " المعتدلة " عندما تجد نفسها غير قادرة على القفز على كرسي السلطة، حيث تتظاهر بقبولها التداول السلمي للسلطة، وبتعدد الأحزاب، وباحترام حريات الاعتقاد، وحقوق المرأة، والتنوع الثقافي، وبالتعايش مع العالم الآخر، بل وتعمد إلى مراجعة بعض من أدبياتها متظاهرة بالاصلاح....الخ كل ذلك لامتصاص المخاوف والشكوك، وهي في ذلك لا تعلن ما تضمر ولا تصرح بما تخفي... ومن صلب هذا الاعتدال الزائف تتولد باستمرار تلك الجماعات الراديكالية، التي قد ترتد حتى على أصولها المسماة معتدلة...
وهي في ذلك كله لا تتردد اليوم في استعمال الأكاذيب والأضاليل ومختلف أشكال القذف والسباب ضد أعدائها العلمانيين والديموقراطيين والاشتركيين، لأغراض سياسية وهذا ليس جديداً، وليس حدثاً طارئاً، أو خاصا بدين دون آخر، فهو نفس الأسلوب الذي سبق للكنسيين أن استعملوه وببشاعة كبرى، حيث ساندوا الإقطاع، وقادوا الحروب الصليبية، والحروب الدينية بويلاتها، وساندوا النازية والفاشية، وكانوا وراء الحروب الكثيرة والويلات التي لحقت بالإنسانية؛ ( واعترافاً بالخطيئة؛ كان البابا قد تقدم بالاعتذار للإنسانية، عما حصل بالأمس من ويلات، ومن محاربة للعلم والعلماء...) ونفس الشيء الذي مارسته النزعة الصهيونية في الديانة اليهودية لتستولي على أرض فلسطين، معتمدة الاحتيال والابتزاز على الشعوب الأوروبية، وعلى اليهود بتزوير التاريخ، وتأويل النصوص الدينية، واستعمال معاداة السامية كتهمة ضد كل من لا يتفق معها، حتى وإن كان سامياً؛ وهو عين الشيء الذي مارسته وتمارسه الرجعية الإسلاموية من جبرية وقدرية ووهابية وصفوية وكلها نزعات ظلامية... حكاما وجماعات منذ عهود غابرة وإلى الآن ضد أي حركة للنهوض التاريخي، الفكري والعلمي والحضاري الذي أجهض غير ما مرة؛ ولقد عرف العصر الحديث الكثير من عمليات المصادرة والمنع والتكفير ضد كتاب ومفكرين وأدباء وفلاسفة وضد مناضلي الحركة التقدمية والاشتراكية العلمية، وضد القومية والعلمانية... بل طالت هذه المصادرة حتى برامج تنموية كانت تستهدف المرأة لانتشالها من الجهل والفقر والتخلف...
وثانيا أصبحت المؤسسة التربوية التعليمية (من الكتاب إلى الجامعة) بيئة مناسبة للاحتلال الظلامي العلني، وللتنشئة العالية التشريب والمذهبة، في مجتمع فقير يفقد فيه الإنسان قيمته بفعل البطالة وشح الشغل، ويجد فيه وعلى مدار الساعة خطاباً يفضل الموت على الحياة، وأن الدنيا دار زوال وفناء، وأنه لا قيمة لها، هل يمكن لمدرسة كهذه، أن تمارس التنمية والتقدم والانفتاح والتحديث؟؟...
وينبغي ثالثا أن نؤكد على أن التاريخ الإسلامي تم تقديمه سواء على مستوى الوعظ والإرشاد، أو على مستوى المناهج والبرامج المدرسية، أو على المستوى الفني (الأفلام والتمثيليات...) على أنه تاريخ ليس للبشر بل للملائكة ولمكارم الأخلاق، كونه خال من الأخطاء البشرية ومزين ومؤثت بالأمجاد والانتصارات والحقوق المضمونة لعامة الشعب، حيث كان العدل والمساواة والتكافل ممارسة يومية...إلخ وتم إغراق البرامج التعليمية والإعلامية بمتطلبات الحزبية الإسلاموية...
ورابعا تم تسفيه الحياة وتتفيهها وجعلها فقط معبرا لا يستحق كبير الاهتمام، حيث أن الدنيا دار فناء وما إلى ذلك من تحضير للزهد والدروشة والقبول بزيف الدنيا ودناءتها. وإذا كان ذلك قد تم بغرض كبح الدينامية الاجتماعية ومتطلبات الوعي والنهوض الاجتماعي والحاجيات والمتطلبات المادية وما تقتضيه من نفقات واعتمادات والتي لم تكن الطبقات المسيطرة براغبة في صرفها... وطبيعي أن تتطور هذه التوجهات المعتمدة في السيطرة الاجتماعية والتي كانت تحمل نقيضها حيث ارتدت وترتد سلبيا بفعل شروطها التاريخية وقوانينها الداخلية... فأي جهد وعناء وبذل تستحقه الحياة أمام دعوات من هذا النوع، وأي مرونة تنتجها هذه الوضعية التربوية وأي اعتدال وتسامح؟! وأي تقدم أو حداثة يمكنها أن يهدف إليهما مع هذا النهج؟! هذا إذا أضفنا إلى ذلك الإمكانيات التأويلية، التي يوفرها النص الديني والتي استعملها أئمة السلطان! كما يستعملها اليوم أئمة الظلامية والبهتان، معتمدين شروحا وتأويلات لمضامين ومحتويات نصية اقتضتها معارك مرحلة غابرة... مستخرجين نصوصا من سياقها التاريخي، وتبثوها قاعدة وحكما، ليعودوا بالمجتمع القهقرى لمئات السنين، وكأن العملية كلها مجرد فعل إرادي، يريدونه أو لا يريدونه؛ وهذه الكارثة المحدقة بنا، لا قدرها الله؛ تأتي في سياق مهزوم متميز بالسيطرة الإمبريالية التي دعمها وساهمت في تغلغلها واستتبابها وسيطرتها على مقدراتنا الأنظمة الرجعية التي حكمت شعوبها المتعطشة للحرية والديموقراطية بالقهر والقمع...
وخامسا على المستوى الأمني وخلال مرحلة الحرب الباردة وفي إطار معاداة الإشتراكية ومحاربة الإلحاد تم دعم جماعات الإسلام السياسي وتركت لها الأبواب مشرعة، في الجامعات وفي المساجد وقدمت لها التساهلات المادية والأمنية، كي تمارس التصفيات ضد الحركات التقدمية، وشاركت جنبا إلى جنب في حرب تدمير أفغنستان وإقامة دولة الخلافة الطالبانية نموذج الكارثة التي تتهدد الأمة...
وجملة ساهمت القوى الرجعية الحاكمة باسم الإسلام في بناء الظلامية والأصولية بإنتاج الشخصية المهيأة باتولوجيا: المضطربة الخانعة والخائفة والمتزمتة والمنغلقة والمتخلفة، وهي بذلك وفي غير ما مبالاة كانت تحشد في مجمعات الاحتياط العاطلة المعطلة، بأحياء الفقر ودروبه، قوات جاهزة نفسيا لمناصرة التوجه الظلامي الذي سيؤطره فقهاء الإرهاب بمختلف مستوياتهم بمن فيهم العائدون من الجهاد الأفغاني (المظفر) ليبشروا العباد بدولة الخلافة المعبرة عن مشروع ثيوقراطي إقطاعي برجوازي هجين ورأسمالي بؤسوي متخلف، يمجد الملكية الفردية، ويدافع عن طبقة الإقطاع، والبورجوازية المتخلفة، والمصالح الضيقة، دون وعي بذلك، ويقاوم الديموقراطية والعلمية، وحق المرأة في المساواة والعدل، جهارا نهارا، كاتجاه يسير ضد التيار وضد التاريخ، وضد التقدم، ويناصب مختلف الأقوام اللامسلمة العداء، ويعتبرها دونية ويهددها، ويعلن ذلك على الملأ قائلا: إن أي أمة ليست بمسلمة، فهي كافرة وتجب محاربتها، مستشهدا بما يزيد عن سبعين )حديثا!( تدعو للجهاد، يؤولها كما يشاء، ويرى في حقوق الإنسان المتعارف عليها كونيا أنها احتكام إلى الكفر "وكل من احتكم إلى شرع غير شرع الله من القوانين الوضعية كالقوانين الدولية مثلا فهو كافر ومشرك بالله !! " وهو بذلك يصب واقعياً وموضوعياً في طاحونة المنع والعزل والحضر التي تتهدد شعوبنا على مختلف الأصعدة وتعطي فرصة لقوى الليبرالية المتوحشة كي تعاملنا بعدوانية وتضييق علينا، وتسد علينا المنافذ...
أمام هذه المنطلقات والأسس المجدرة والتي تعرف التباسا وخلطا يجعلها تصعب على الفهم والتي لها انتشارها الواسع بين صفوف الناس بفعل ما يلفها من قدسية وما يحيطها من طقوس حيث تعتمد النصوص القرآنية والأحاديث النبوية المؤولة والمستخرجة من سياقاتها التاريخية، وأمام الأمية المتفشية والمستويات الدراسية المتدنية، وأمام تردد الإعلام وصمته عن العديد من القضايا لتداخلاتها وتقاطعاتها العقائدية، وما تطرحه من مشكلات إيمانية قد تؤدي لاضطراب المواقف لدى جمهور المتلقين وقد ينجم عنها خلط الذي قد يؤدي لنتائج عكسية...
وأمام المنع الذي يطول دراسات المراجعة والتصحيح ويقصر الاجتهاد في الأحكام السلفية وشروطها، علما أن الاجتهاد عملية قد يقوم بها مجمع علمي متعدد التخصصات والمشارب الفكرية بقصد إعادة قراءة التراث قراءة جديدة وتطويره وإغنائه؛ في مواجهة اتجاه الجمود والمحافظة، ذلك الاتجاه الذي يعتقد أنه يستطيع أن يوقف التاريخ؛ ويعطل تطوره، ويثبِّت قيمه البالية ويحرفه عن مساره الارتقائي ولو إلى حين، لأنه في الحقيقة لا أحد يستطيع أن يوقف التاريخ، أو يوقف تطوره إلى الأبد، ولكن الأمر يختلف إذا تم استعمال القناعات الإيمانية كآليات للتضليل لما تحمله من جزاءات وعقوبات حيث يكون حضورها النفسي متميزا بالقوة والسيطرة، وفي هذه الحالة تكون القوة الإيمانية ملتبسة حيث ينتشر بين الناس العاديين نوع من البرود والاستسلام والانتظار، كاستعمال للحياة تلقائي لأجل البقاء والتوافق، ولا يخلو هذا النهج من غباء جماعي، حيث يلجأ الناس إلى الاستسلام لتوجهات الجماعات الدينية التي تخلط السياسة بالدعوة؛ وينتشر عُصاب وتيه جماعي لفترة قد تطول وقد تقصر، حسب ما يتوفر من إمكانيات للمقاومة ومستواها، وأسانيدها المعرفية، التي تشمل (الوعي والصراع...) وإذا ما اختلت المقاومة نتيجة ضعف قوى التغيير والتجديد وعدم قدرتها على ابتداع مشروع فكري ومجتمعي متكامل، يسود التراجع المترتب عن وضعية الخلل والاهتزاز في أنظمة التوازن الاجتماعي العام وتعاود حركة التاريخ دورتها إلى حين. وقد تنتصر الاتجاهات المتطرفة، والأكثر رجعية والأكثر فظاعة، والتي قد تأخذ في الانتشار كنموذج (للطلبنة)، بخطابات متعددة تروج لمفاهيم " كالجهادية؛ والحاكمية؛ ولا اجتهاد مع النص..." في انتظار أن تستنفذ قدراتها وينفضح بهتانها وهذه وضعية لا قدرها الله على عباده ليست كما يعتقد الإنتظاريون اللامبالون والشعبويون والمترددون والمهادنون ومن لف لفهم والذين لا يرون ضرورة للعلمانية مقدمة للإصلاح السياسي والديموقراطي والذين يسقطون في مجرى القوى الظلامية إياها بتبني بعض أطروحاتها بدعوى أن الجماهير مؤمنة وقد تناصب العداء أي دعوة للعلمانية كون الدعاية تربط بين العلمانية والإلحاد وما إلى ذلك من إعراب عن القصور والتخلي عن النهج العلمي والنضالي الديمقراطي...
إن المرحلة التي يمر بها مجتمعنا لا تقبل أي شكل من أشكال التذبذب أو التراجع امام هذا المد حيث تتشكل هذه القوى الإسلاموية منتشرة في مختلف الأوساط والطبقات الإجتماعية ناشرة مظاهرها الظلامية هيئة وسلوكات، وعلى الرغم من القمع الذي طالها فإنها قابلة لأن تعاود إنتاج نفسها في تشكيلات متنوعة وبسحنات وتلاوين، ولقد تجاوزت مرحلة تأكيد الحضور وتأكيد القدرة على الفعل، سواء على المستوى العملياتي او المستوى التجييشي او المستوى السياسي وأنها من حيث الشروط والعوامل المناسبة الاجتماعية والتربوية والتمويلية والسياسية تبدو مستفيدة، على الرغم من انحسار العمليات الإرهابية، وقدرة الأمن على اختراقها وكشف الخلايا المستعدة للقيام بأعمال إرهابية ... التي تمت الإشارة لها في المقدمة، ومع ذلك فهي لما تزال تؤكد وجود استعدادات كامنة وقناعات راسخة بغض النظر للقيام بالإرهاب ...
وهنا تحضربالضرورة والإلتزام ضرورة تنبيه اليساريين والعلمانيين الذين يعتقدون ضرورة تجنب الخوض في المعطى الثقافي المتمثل في الفكر الإسلامي هذا العامل الثقافي... عامل الهوية الثقافية (العقيدية) كونه عاملا رئيسيا في تشكل الشخصية الإرهابية خصوصا أمام هوية معتدة بنفسها تعتبر ماضيها لا يضاهيه ماض، وما تعتقد أنها تتوفر عليه من قدرات مدعومة ومسندة إلاهيا، وأنها تتميز بالتفضيل وبحسن الجزاء وسرعة المكافأة إذ يتم إنتقال الشهداء إلى دار البقاء حيث الجنة والخلود وحسن المكافأة...هذه الهوية المنجرحة والمهزومة علميا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وعسكريا أمام الغرب (الكافر) بكل جبروته وتكبره والذي ترى أنها تواجهه بتفوق وكفاءة بالعمليات الإنتحارية وبحرب العصابات على طريق هزمه كما حصل مع السوفيات في أفغنستان سيرا على نهج السلف حيث غلبت الفئة المؤمنة القليلة الكثرة والعدة وانتصرت عليها... هذه مجموع الشروط والعوامل السوسيولوجية والنفسية والعقائدية والميدانية التي تتحرك ضمن إطارها هذه الجماعات الإرهابية استقطابا وفعلا،
وفي اعتقادنا أن المقاربة الأمنية على أهميتها لا يمكن أن تكون هي الحل الأوحد والناجع خصوصا أن مختلف عوامل إنتاج هذه الجماعات قائمة ومصونة وتحفها ملابسات لم يحن الوقت بعد لتناولها بالمراجعة العميقة وجرأة البحث والمعالجة والتصحيح لوضع الأساس لثورة تنويرية تربوية تثقيفية تحررية تفصل بين التعليم والثقافة والتربية، وبين الدين كاستعمال إيديولوجي وسياسي حزبي، نفس الفصل الذي ينبغي أن يحصل بين السياسة والدولة من جهة والدين من جهة أخرى؛ الأمر الذي سينزع عن هذه القوى الظلامية الإسلاموية سيطرتها الدينية ومجالات نشر دعايتها الأيديولوجية والسياسية، حيث يستن المجتمع الديمقراطي مؤسسة بآليات، تسير الشؤون الدينية والثراتية، وتدبر أمور الاختلاف والخلاف العقائدي، وترعى مهام الاجتهاد والتصحيح والمراجعة...كقيادة روحية، الأمر الذي يحقق فعليا فصل الدين عن السياسة...
ومن المؤكد أن الثورة التنويرية التربوية التثقيفية هي أيضا تأسيس لمؤسسة تربوية وثقافية مغايرة، تحمل قيما علمية وحداثية وتساهم في بناء الديموقراطية، من حيث أنها تعدد وتنوع واختلاف وجدل، مؤسسة تروج لقيم المجتمع المدني والحداثة والتقدم وتمتد من الروض إلى الجامعة، ومن المهد إلى اللحد، خيارها العلم والمعرفة والحرية، تصون الفكر والإبداع وحرية الاختيار، وحرية الإيمان...
وبتحريرالثقافية والتربية، ومن خلالهما الفكر من السيطرة الإيديولوجية الثيوقراطية، حيث ستنبني بصلابة وتماسك مبادئ الحرية والعدالة والمساواة؛ وإذا كانت الديموقراطية لا تستقيم إلا بالعلمانية كأساس لحرية الاعتقاد، وللتعدد والاختلاف...فإن الطريق إلى تجنب الكارثة هو قيام ديموقراطية حقيقية تتزامن مع انطلاق المشروع التنويري الحداثي حيث تساهم الأمة في حل مختلف المشكلات التي يعاني منها مجتمعنا ضمن أطر الديموقراطية ومؤسساتها
هذه في اعتقادنا المقدمات الأساس لمعالجة عميقة وجذرية لقضية الإرهاب كظاهرة مفتوحة على كل الاحتمالات وقابلة لكل التوقعات...
بقلم:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.