ماذا قدمت مصر للعرب؟ سؤال قد يثير حفيظة البعض، وربما يؤدي لإيقاظ نعرات قومية خاملة؟ وقد يتساءل آخرون عما قدمه العرب لمصر؟ لسنا هنا بصدد الإجابة عن هذا السؤال أو ذاك؟ فلسنا الذي طرح السؤال وإنما الأستاذ أسامة محمد عبد الحق ، والأستاذ شريف عبد الحميد مؤلفا الكتاب المثير ( ماذا قدمت مصر للعرب؟ ) والذي صدر حديثا بمعرض القاهرة الدولي للكتاب عن دار الجزيرة للنشر والتوزيع. والكتاب الذي يقع في 637 صفحة قاما مؤلفيه باستعراض الأحداث التاريخية التي تظهر جانبا إيجابيا لمصر في علاقتها مع سائر البلدان العربية في العصر الماضي والحاضر من خلال ثلاثة عشر فصلاً في الباب الأول والثاني مقسمة على البلدان العربية المختلفة بالإضافة إلى ثلاثة فصول في الباب الثالث عن الدور الإقليمي لمصر شملت الحديث عن دور مصر في حركات التحرير في أفريقيا وثورة إيران وعرب المهجر . لماذا هذا السؤال؟ بالرغم من المبررات التي ساقهما المؤلفين لتأليفهما الكتاب من خلال الإهداء الذي حمل عبارة ( إلى الأجيال القادمة .. اقرؤوا التاريخ فهذه مصر) في إشارة إلى عدم رضاهما عن الوضع الحالي ربما أو عدم إعطاء مصر حقها من التقدير من وجهة نظرهما، ومرورا بالعبارة التي كتبها المؤلف أسامة عبد الحق ( إذا كان قدرك أن تكون مصباحا فلا تشكو من وهج النيران) وهوا ما أراد المؤلفين إيصاله في المقدمة من خلال التأكيد على فضل مصر منذ مهد الحضارة وكذلك خلال الفصل الأول الذي جمع فيه المؤلفين الآيات والأحاديث الشريفة عن فضل مصر إلا أن ذلك برأيي ليس كافيا ليكون الدافع الأكبر للمؤلفين فربما تكون الأزمة المصرية الجزائرية الناتجة عن مباراة أم درمان الشهيرة حاضرة في وجدان المؤلفين وإن كنت أستبعد ذلك نظرا لقرب المسافة وضيق الوقت لجمع هذه المادة الضخمة، وقد يعود ذلك إلى الوجدان المصري نفسه الذي يحمل بين أضلعه اعتقادا بأفضلية مصرية على بعض البلدان وهي مترسبات لخلفية حكم عبد الناصر والذي سالت في عهد الكثير من الدماء المصرية على تراب شتى بقاع الوطن العربي الكبير في ظل عمله الدؤوب في مساعدتها على التحرير والاستقلال في إطار سعيه للزعامة العربية في إطار دعواه القومية. وليس بعيدا عن الأذهان المقال الناري وربما الصادم الذي كتبه الصحفي إبراهيم عيسى بعنوان هل مصر فعلاً صاحبة فضل علي البلاد العربية ؟، والذي أحدث ضجة كبيرة وكثيرا من ردات الفعل المتناقضة على مستوى العالم العربي والذي من المناسب أن يكون ردا على الكتاب الجديد وقد خلص الكاتب إلى القول في نهاية مقاله بأن مصر دولة عظيمة مرهون تألق عظمتها بشعبها، برئيسها ورجالها، إما أن يكون الشعب المصري في مرحلة ما من تاريخه يليق بهذا البلد فيرفع من مكانته ويعلي من مقامه وتقدم الأمم ويقود منطقته العربية، وإما أن يكون الشعب في مرحلة ما (مثل التي نعيشها من 28عاما) خامل الهمة خانع الروح مهدور الكبرياء منكفيا منحنيا معزولا ومنعزلا عن محيطه ومنطقته فيتراجع البلد مكانة وشأنا ويتحول إلي التباهي الممض والابتزاز العاطفي المريض، وتزوي قيمه ويصبح دوره هشيما تذروه الرياح...! ماذا قدم عبد الناصر للعرب؟ العنوان السابق قد يكون أكثر تعبيرا عن مضمون الكتاب أكثر من العنوان الذي وضعه المؤلفين، فالبرغم من تناول المؤلفين لبعض من تاريخ مصر والمحمل المصري وكسوة الكعبة والتكية المصرية في عهد أسرة محمد علي وحرب الخليج إلا أنه يعد نذرا يسيرا لا يذكر مقارنة بالمادة الضخمة التي شملها الكتاب والتي هي نتاج القومية العربية في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. ويتضح ذلك بوضوح من خلال تتبع الأحداث سواء في المغرب أو ليبيا أو اليمن أو الجزائر فالحديث دائما في الفترة التي تلت الثورة في مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر والأحداث غالبا عن قوات وجيوش وذخائر لمساعدة الشعوب العربية على الكفاح والثورة ضد الاحتلال والمراجع في الغالب يكون داخلا في تسميتها اسم عبد الناصر إذ أن الكتب التي اعتمد عليها المؤلفين هي التي أرخت لتلك الحقبة من تاريخ الزعيم القومي. المراجع بالرغم من ضخامة الكتاب إلا أن عدد المراجع الذي اعتمد عليها الملفين يبدو ضئيلا نوعا ما سيما إذا لاحظنا اعتمادهما في الغالبية على النقل المجرد من نفس المرجع لصفحات طويلة كما في الفصل الثامن مصر .. والعراق والذي استاق مؤلفيه معلومتهما من (كتاب عبد الناصر وتحرير المشرق)، والفصل الحادي عشر مصر وليبيا والذي يعد اختصارا لكتاب (عبد الناصر وثورة ليبيا) لمؤلفه فتحي الديب. وختاماً .. لعل السؤال الملح الذي ظل يراودني منذ أن بدأت في تصفح الكتاب والتنقل بين فصوله وأبوابه، لماذالم يكن هناك فصلاً أو باباً عن يتحدث الشخصيات الذين أثْروا وأثّروا إيجابا في الوطن العربي الكبير مادام موضوع الكتاب (ماذا قدمت مصر للعرب؟) فهل مصر لم تقدم علماء وأدباء وأساتذة وقادة وساسة يستحقون أن تكتب أسماءهم بحروف من نور عوضاً عن أن يكون الحديث منصبا للفخر والمباهاة بما يقتضيه واجب الأخوة برأيي بين أشقاء يجمعهم رباط الدم والدين قد يكون مدعاة لفرقة وإثارة نعرات جاهلية نحن في غنى هنا.