من سمات الواقع العربي في المرحلة الراهنة ، تعمق التخلف والانحطاط والفساد والعفن المستشري في الدوائر والأجهزة المؤسساتية العربية . عدا عن غياب الديمقراطية وسيادة العقلية البونابرتية الاستبدادية والتسلطية القمعية والاضطهادية وكذلك تواصل الغزو الاستعماري الامبريالي الاحتلالي ضد الشعبين الفلسطيني والعراقي وتنامي حالة الاغتراب المجتمعي وشيوع اللامبالاة بين الجماهير الشعبية المقموعة والمهمشة ، وعجز قيادات المجتمعات العربية المعاصرة عن الابداع السياسي. ناهيك عن تغلغل الطائفية البغيضة والاقليمية الضيقة والسلفية الممنهجة الطاغية على الخطاب والعقل العربيين ، وانتشار القوى والتيارات المتأسلمة والحركات الظلامية التي تمارس التكفير والاقصاء والعنف والاغتيال والارهاب الفكري. بالاضافة الى استحواذ قضايا الفقر والجوع والمعاناة الاقتصادية الصعبة والخانقة ، التي تعيشها الاوساط المطحونة والمنسحقة ، وهذه العوامل بلا شك تحدد العلاقة بين الوعي والثقافة والتاريخ. أن الواقع يؤثر في الفكر والفكر في الواقع، وحل أشكالية الفكر العربي المعاصر تكمن في عملية التغيير البنيوي والتجديد الحضاري ، ولذلك فأن طريق الخلاص مرهون بوعي ودور المثقفين والمفكرين العرب وتخليهم عن النزعة النخبوية والاستعلائية واندماجهم مع الحركة الجماهيرية الثورية لأيقاظ طاقات الشعب وتحقيق أقدس أحلامه في التحرر والمساواة والعدالة والتطور الروحي والاجتماعي ، وجعل الكلمة تأخذ دورها الفاعل والمؤثر والمغيّر والعمل على اسقاط الكلمة التي تتسول على اعتاب الأنظمة والمؤسسة الحاكمة، والسمو بثقافة العقل والانتاج والابداع والحرية وادانة الواقع الرجعي المترع بالعفن والفساد العالق والسعي الى تغييره والانتقال من مرحلة التخلف والتبعية والتمزق والشلل القومي الى حالة الاستقلال السياسي والتحرر الاقتصادي والتنمية القومية الشاملة في جميع جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية . وهذا الأمر يحتاج ويستلزم الالتحام العلمي الواعي بحقائق الواقع الموضوعي وترسيخ الفكر العلمي العقلاني النقدي بشتى الوسائل التربوية والاعلامية والثقافية وأشراك الجماهير الواسعة في عملية التغيير وبناء المستقبل كونها حاملة وصانعة التاريخ والتحول الثوري الجذري العميق للمجتمع، وافساح المجال للتنوع الفكري والثقافي والتعددية السياسية ، وأحياء المجتمع الديمقراطي المدني وتفعيل المؤسسات الاجتماعية والثقافية المستقلة عن سلطة الدولة وبلورة المناهج النقدية الصحيحة لقراءة ودراسة التراث العربي والاسلامي وتشكيل رؤية معاصرة منه .وان تحقيق ذلك كفيل بانهاء الازمة الفكرية الراهنة وانجاز الفعل التغييري الشامل في الواقع العربي. (مصمص)