المرحلة الأولى:هي ما قبل الحرب العالمية الأولى حيث انصب اهتمام المفكرين العرب على المؤالفة بين الديمقراطية والشورى الإسلامية ومحاولة إصلاح نظام الحكم ووضع الحلول لمشاكل الاستبداد السياسي ، وإبراز أهمية الشورى في الحكم مدعمة بأهل العقد والحل. المرحلة الثانية : هي مرحلة مابين الحربين العالميتين ، وهي المرحلة التي نادى فيها كثير من المفكرين بالديمقراطية ، وتمثلت هذه المرحلة في وضع الدساتير العربية ،وقيام الأحزاب الوطنية ومقاومة الاستعمار الغربي والنضال من اجل الاستقلال. هنا نلمس بعدين الأول : التأسيس والثاني : النقد المرحلة الثالثة: في النصف الثاني من القرن العشرين وتمثلت بظهور الحكام العرب الديكتاتوريين من عسكريين وعشائريين، وكانت هذه المرحلة مرحلة النضال ضد الديكتاتورية ، بعد إن كانت المرحلة السابقة النضال من اجل الاستقلال .(47) ان الحديث عن الحداثة في الحكم و الاقتصاد لابد من حصولها على المستوى الاجتماعي أولا وقبل كل حداثة لان الوضع الاجتماعي العربي يعاني من ركود فكري و اجتماعي له ردود سلبية على كل أنماط التحديث فهناك جملة من العادات الاجتماعية أسهمت في تخلف عالمنا العربي، و لهذا فنحن بحاجة إلى ثورة اجتماعية تتجاوز إنماط الاعتقادات السائدة و تقوم على الإيمان بحقوق الإنسان، و الممارسة الديمقراطية للسلطة بعيدا عن صور السلطة التقليدية القائمة على العشيرة او الطائفة و العرقية، كما هو الحال في المجتمع الأهلي العربي. و مرد ذلك ليس هناك تعدد في الأنساق كما هو الحال في الغرب فهناك تعدد في الأنساق حيث إلى جانب الأصولية توجد الديمقراطية إما العالم العربي فهناك نسق واحد السلطة و المعارضة معا و مرد ذلك إلى غياب الفكر النقدي، و التمركز حول الذات.في ظل هيمنة إنما? الفردية والذاتية واللامؤسسات، والقبول بهيمنة الزعيم?(48) العدد(15) ايارإشكال وأنماط تقليدية موروثة فرغم هيمنتها على السلوك السياسي الا أنها ليس حتمي بل قابل للتغير من خلال إرساء آليات جديدة ديمقراطية. فضرورة التغير الاجتماعي نابعة من تحول بعض القوى الاجتماعية إلى معادية للإصلاح وهذا مرد إلى تعارض ذلك مع مصالحها و هذا على مستوى القبلية في عادات الثأر والشرف وعلى مستوى الطائفة في الجمود عن الاجتهاد والتزمت تحت هيمنة المصلحة وانكماش على الذات ؛ لكن هذا النقد الاجتماعي لا يعني نقداً للعقل العربي بشموله ان التشميل ليس من مقومات المقولات العلمية. ان النقد الثقافي يتوقف عند العوائق دون اهمال الايجابيات و ذلك إن الواقع العربي ذاته يتسم بالتباين و الاختلاف على المستوى الاجتماعي و الاقتصادي والسياسي و درجة النمو إلى جانب اختلاف الثروات التي من الممكن ان يكون لها دور في التنمية أو التعجيل بها إلى جانب التباين في أنظمة الحكم، التي تحاول إبقاء الأمر على ما هو عليه الواقع بين? نظرية المؤامرة ? وتوظيفاتها السياسية التي أسبغت الشرعية على التسلط والقمع السياسي بحجة العود الخارجي وبالتالي أنتجت فكرا يحاول مقاومة الإصلاح وقد خلق هذا واقعا اجتماعيا متخلفا ، في ظل غياب المؤسسات الدستورية وهيئات المجتمع المدني في ظل دساتير لا تعدو أن تكون سوى برامج يلجأ ذلك العالم وبرلمان صنعته انتخابات غالبا ما تكون غير حرة في ظل منظومة قضائية مستقلة شكليا يقودها موظفون لدى السلطة .أين هذا من مفهوم الديمقراطية الذي يعني الترتيب المنظم الذي يهدف إلى الوصول إلى القرارات السياسية والذي يمكن للإفراد من خلاله اكتساب السلطة للحصول على الأصوات عن طريق التنافس . وتكون السلطة السياسية مرتكزة على نظرية السيادة الشعبية ويتم اختيار الحاكم عن طريق الانتخابات الحرة وليس الاستفتائية لصالح مرشح واحد وبنية الحكومة مستندة إلى التعددية السياسية وفصل السلطات هذا يعني أن تكون صلاحيات الحكام محدودة ويتمتع المحكومون بحريات عامة كحرية الرأي وحرية الصحافة وحرية الاجتماع وحرية إنشاء الجمعيات والحرية الدينية ، وكل هذا قابل لتعديل القواعد والمؤسسات استجابة للظروف المتغيرة.بين ? نظرية الانفتاح ? على الأخر- حيث الجواب الشافي- الذي يعتمد المثاقفة والمشاركة بعيدا إلحاق الثقافي من خلال تحطيم الثوابت الحضارية عبر الترويج لشعارات الثقافة القائمة على التبعية للمركز الغربي . بين تلك الوقائع هيمنة المثولوجيا والدوغمائية و الانتهازية على الحياة السياسية العربية حتى بات الإصلاح بعيد بل مستحيل حتى تشبع الواقع العربي بذهنية ? التفكير ? الأصولي أو ذهنية ( التخوين ) التي تحولت إلى ذهنية إقصاء باسم استنبات الديمقراطية وهي لا تعدو سوى وسيلة إلى تثبيت رموز سياسية خلقت حول نفسها ماضي من السرد الذي يشير إلى البطولات والمجابهات والتي يراد لها أن تنتهي بكرسي في السلطة . الديمقراطية أنها تتصف بما يلي: السلطة هي الوظيفة الاجتماعيّة التي تقوم على سنّ القوانين، و حفظها، و تطبيقها، و معاقبة من يخالفها، و هي التي تعمل على تغييرها و تطويرها كلّما دعت الحاجة: إنّها الوظيفة التي لا غنى عنها لوجود الجماعة ذاته، لاستمرارها، و لمتابعة نشاطها. من هنا بالذات، إنّها تلك الوظيفة القائمة على اتّخاذ المقررات التي يتوقّف عليها تحقيق الأهداف التي تتابعها الجماعة. ف (...) التنظيم، و التقرير، و الحكم، و العقاب، هي المهامّ التي تنتظر السلطة، في أيّة جماعة كانت. ». على أنّ هذه الوظيفة الاجتماعيّة عندما تنحرف عن مسارها الأخلاقيّ و تكرّس نفسها لخدمة فئة من أصحاب النفوذ، فإنّها تصبح المنتهِكة الأولى للقوانين، و المتجاوزة و المحرِّفة لها، بحيث تصبح هذه القوانين أداة طيّعة تخدم مصالح أصحاب النفوذ، و تضرّ بمصالح الآخرين من الطبقات الأخرى، و تستعبدهم في آن. و هنا تنفصل السلطة عن الشعب، « و تدافع عن مصالح المستغلّين بكسر الغين و هم الأقليّة في المجتمع. و يمارسها الأشخاص الذين يصبح الحكم بالنسبة إليهم مهنة (الموظفون و الجيش و البوليس.. الخ). [أمّا] المؤسسات الرئيسيّة الهامّة الملحقة بالسلطة العامّة [ف] هي المحاكم والسجون و غيرها من المؤسسات العقابيّة. »(49). 1 اختزال التجربة الديمقراطية بعزلها عن العمق الشعبي وجعلها مجرد تجربة لا تجد أي تأثير لدى القاعدة الشعبية. 2 سطحية وهشاشة التجربة الديمقراطية بوصفها نظرية سياسية في الواقع العربي، مما حولها إلى مجرد ديمقراطية شعارات استهلاكية. 3 غياب المؤسسات الدستورية، تحت وطأة الدول السلطوية الاستبدادية، التي تكرس حكم الفرد في مقابل حكم الأغلبية، وقانون الرئيس أو الزعيم أو القائد على حساب حكم الجماعة أو المؤسسة، أو الأحزاب.وهذا ما ظهر في شكل ( الكاريزما نية) 4 تأسيس الثقافة الديمقراطية وجعلها ثقافة تبشيرية للنظام الحاكم، بدل تثقيف السياسة الديمقراطية، بإسناد مهمة تطبيقها ورعايتها وتعميق مفاهيمها لدى أبناء المجتمع كي تنمي فيه روح الحاجة إلى الديمقراطية الصحيحة وتخليص الديمقراطية من كل أساليب التزييف)(50) 5 تكريس غياب الديمقراطية في الحياة السياسية العربية في استبعاد منطق التعددية السياسية بحجة ان هذه التعددية تؤدي إلى تكريس الخصوصيات في حين المطلوب دمج هذه الخصوصيات في ورقة الدولة، لكن كل المحاولات القسرية لم تؤد إلى انصهار الخصوصيات في بنية الدولة وبالتالي العجز عن تحقيق دولة المواطنة(51) . 6 إن أدق تعريف للنظام السياسي الممارس في أدبياتنا السياسية،انه نظام لا عنوان له. فهو مزيج من العشائرية، والطائفية، والقبلية، والجهوية، والمذهبية، والسلطوية،والديمقراطية والجمع بين هذه. فالاستبداد آفاقه ممثلة في السلطوية، وغياب المراقبة على الحاكم، ومزاجية الحكام وتهميش الكفاءات وإقصاء النزهاء وغير ذلك من آفات الحكم المستبد (52). كما ان للديمقراطية عناوينها من دستور ومؤسسات ومحاكم وانتخابات ونواب وحكومات وصحافة، ولكنها عناوين أفرغت من محتوياتها وهذا الأمر إظهار لتلك البنية العصبوية التي تقوم على الإقصاء والتمويه وإبقاء الكل في حالة صراع، فهدف السلطة لذاتها داخل العصبية الواحدة،أو مع باقي العصبيات، عبر خلق تحالفات مع بعضها ضد بعضها الأخر وسرعان ما ينتهي هذا التحالف بمجازر دموية تعمق الصراع حول المناصب وتوغل في الإقصاء . لقد أقامت تلك السياسة الاقصائية بإنتاج الرفض الفكري من الكثيرين » المفكرين «الذين تم زجهم في المعتقلات لأنهم يعارضون أفكار السلطة،هذا قاد السلطة إلى إنتاج العنف المضاد الذي كان يمثل رفضاً لسياستها. لعل التكثيف الذي قدمه المفكر حسن حنفي البليغ في وصفه العلاقة بين الدولة والموطن » فالدولة في ذهن المواطن هي الشرطة،والمواطن في ذهن الدولة هو العاق أو الخائن أو العميل(53) « ويصف أدونيس حالة الشعب:»لفرط ما يعيش الناس في مجتمع مغلق، فقد غدوا هم أنفسهم مغلقين.لفرط ما يعيشون في مجتمع دونما ثقافة.. إن مجتمعا حيا لابد له من أن يكون ديمقراطياً«(54). لهذا تبحث تلك الحكومات عن الآليات والوسائل التي تمهد لها تحقيق حيازة الشرعية وهذا لا يتحقق إلا عبر صياغة رأى عام » فان الرأي العام الذي تبلوره وسائل الاتصال هو ذلك الرأي الذي تؤسسه الدولة، أي المؤسسة السياسية، وفق ما يخدم المصالح الآنية والمستقبلي) (55) وقد عمق هذا الأنموذج حالة الضياع في مجتمعنا، إذ كان المجتمع يفتقر إلى بنى عصرية، وتوزيع منطقي للثروة الوطنية، ومستوى لائق للحياة، في ظل تلك التركة والقمع البوليسي، والإقصاء، وتشويه الذاكرة الجمعية عبر التزوير التاريخي والاجتماعي بخلق ممارسات ديمقراطية زائفة وكاذبة وبخلق مخيال سياسي زائف يتخذ من الرئيس الفرد محور الرغبة،إذ يتم إسقاط كل الصفات الايجابية عليه ويسقط السلبية منها على أعدائه، وقد دخل هذا التزييف في ميدان التربية والتعليم والاعلام حتى تم تزييف الوعي لدى كثير من الذين مسخت شخصياتهم سواء بعلم منهم أو بدون علم.في وقت وصف المفكر الإسلامي(بن نبي) في عام 1960،وصف الديمقراطية خلال الإجابة على سؤال »هل في الإسلام ديمقراطية؟« مشيراً إلى أن تعريف مفهومي الإسلام و الديمقراطية بالطريقة التقليدية قد يؤدي إلى استنتاج عدم وجود علاقة بينهما من حيث التاريخ والجغرافيا، منبهاً في ذات الوقت إلى أن تفكيك المصطلح في معزل عن محموله التاريخي وإعادة تعريف الديمقراطية في أبسط أشكالها تحريراً من القيود اللغوية والأيديولوجية قد يوصل إلى استنتاج مختلف. ورأى أنه ينبغي النظر إلى الديمقراطية من ثلاث زوايا: الديمقراطية كشعور نحو ال- (أنا)، والديمقراطية كشعور نحو الآخرين، والديمقراطية كمجموعة من الشروط الاجتماعية والسياسية اللازمة لتكوين وتنمية هذا الشعور في الفرد. فهده الشروط ليست من وضع الطبيعة ولا من مقتضيات النظام الطبيعي، على خلاف ما تتصوره الفلسفة الرومانتيكية في عهد جان جاك روسو، بل هي خلاصة ثقافة معينة وتتويج لحركة الإنسانيات وتقدير جديد لقيمة الإنسان، تقديره لنفسه وتقديره للآخرين.