لماذا نضطر للعنف في حياتنا؟ العنف تعبير عن ماذا؟ ما هي أسبابه وجذوره؟ إن كل شيء غير منظم ومنضبط وغير مرتبط بالعقل، هو قريب إذا من الحيوان فينا ومن السيبة واللاعقل واللانظام. وهناك أنواع مختلفة من العنف؛ العنف المادي المتمثل في الحروب والتعذيب والضرب، والعنف المعنوي، كما هناك العنف الرمزي. لكني سأركز ها هنا على العنف الذي نعيشه في تفاصيل حياتنا وفي عاداتنا اليومية العادية والتي نقوم بها بكل عفوية وتلقائية كجزء منا ومن حياتنا الطبيعية. و سنحاول في هذا الموضوع تسليط الضوء على مجموعة من أنواعه وتجلياته التي نعيشها في اليومي المغربي وعلى مختلف الأصعدة من خلال عدة "فلاشات" أو صور عابرة، أو لقطات تحصل لنا كل يوم: - العنف البصري من حيث بشاعة المنظر العام لشوارعنا، حيث تجد نشازا في شكل تركيب أعمدة الإنارة العمومية، ولافتات إشهارية في أماكن غير مناسبة، وإعلانات للمحلات التجارية كثيرة ولا تؤدي مع ذلك دورها الإشهاري، و أسوار تركت بملصقات انتخابية أو إعلانية سابقة... - المشي وسط الشارع من طرف الراجلين، وصعود للدراجات فوق الأرصفة. - العنف في المقاهى من خليل الضجيج المتعالي و أدخنة السجائر . - العنف في حواراتنا ومناقشاتنا حتى أن من يرانا من الأجانب نتناقش بشكل عاد يخالنا نتقاتل حول شيء ما . - العنف من خلال استهزاء العقلاء بالحمقى والمجانين في الشارع العام. - العنف عند تسجيل أحد اللاعبين المغاربة لهدف وطريقة الفرحة التي تصل إلى حد "لكم" وضرب زملاءه. - العنف اللفظي من خلال الكلام الفاحش في الشوارع وفي الشواطئ، يجعل من الصعب ارتيادها مع أفراد العائلة. - العنف في التربية داخل الأسرة من خلال تعنيف الأب أو الأم لأولادهم والذي لا يؤدي إلا إلى خلق طاقة صاعدة ونامية من العنف مستقبلا. - العنف من خلال السمفونية العارمة من الغبار والأدخنة من الفرارين والسيارات. - العنف في المدرسة والجامعة يمارسه الأستاذ عبر التهديد بالقلم الأحمر، لغة القمع والفرض وليس لغة الحوار والمشاركة. - العنف من خلال البرامج التلفزية التافهة والإشهارات الساذجة والفكاهة البليدة والمسلسلات المكسيكية... والتي لا تمت مضامينها للثقافة المغربية بصلة. - العنف يظهر في مراقبتنا المستمرة لبعضنا البعض وحشر أنوفنا في خصوصيات الآخرين تحت مسميات؛ التحنزيز والتبركيك والتابعة والحضية. - العنف الذي يمارسه المغاربة على بعضهم من حيث التجهم والبحلقة، بدل الابتسامة والبشاشة كباقي شعوب العالم. - العنف يظهر من خلال استعمالنا للكلاكصونات في الشارع. - العنف من خلال البصاق في وجه المارة في الشوارع وعلى الأرصفة. - العنف في ركلنا لكل ما صادفته أرجلنا في الشوارع. - العنف يظهر في عدم الوقوف في طوابير منظمة في الإدارات. - العنف من خلال التقاتل خلال صعود الحافلات والقطارات وسيارات الأجرة. - العنف يظهر في تعاملنا مع قمامات الأزبال وركلها وقلبها. - العنف يظهر في تكسيرنا لعلامات التشوير وللمنشآت العامة. - العنف يظهر من خلال طريقة سياقتنا الأنانية، العشوائية والقاتلة. - العنف يظهر في تخريب الحدائق والدوس على أزهارها. - العنف يظهر في طريقة اللاعبين في الاحتجاج على قرارات الحكم، و في طريقة التعبير عن الفرحة بتسجيل الهدف بطريقة عصابية. - العنف يتمظهر في الحضرة والجذبة في احتفالاتنا الصوفية والدينية والموسيقية. - العنف يظهر من خلال احتفللنا بطوقوس عاشوراء من خلال إشعال النيران (شعالة)، و سكب المياه على المارة وضربهم باليض! - العنف في أعراسنا من خلال ضجيج الأجواق في أعراسنا حتى مطلع الفجر. - العنف من خلال العويل والنحيب في جنازاتنا حد تقطيع الثياب. - العنف ينبعث فجأة حين يمس أو يحتك أحدنا بالآخر في الرصيف أو الشارع، فتنشب معركة لهذا السبب التافه، ولما نتأمل الشعب الصيني كيف يسير في شارع واحد، بأعداد هائلة وفي سلام ودون تشابك أو صدام نعرف مدى ضحالة ثقافتنا وأخلاقنا. فهل يستمتع المغاربة بالسيبة و"الهندقة" والضجيج و"الجذبة" حتى يسقطون صرعى في مستنقع وبركة "الخصوصية المغربية"! ولماذا كل هذه الطاقة الجسمانية والعقلية والنفسية المهدورة في مثل هذه الأمور التافهة بدل توظيفها في الأمور الجادة التي يمتلأ بها يومنا داخل الحياة؟ أليس هذا دليلا على ضحالتنا الفكرية، ودليلا قاطعا على فشل التواصل وعلى ضعفنا العقلي وعلى تربيتنا السيئة والعنيفة. أليس دليلا قاطعا على فشل العقل وانتصار الحيوان بداخلنا، أليس دليلا على انهزامنا في أن يحل العقل مشاكلنا وينظم لنا حياتنا. أليس العنف دليلا على انهزامنا ودليلا على وجود خلل فينا علينا الالتفات إليه وتصحيحه. أليس العنف لغة للجبناء وحجة دامغة على فشل العقل عن إدارة الأمور. فكفانا هدرا للزمن الضائع، وهدرا لطاقتنا في ما لا يفيد... قليلا من العنف، ومزيدا من التواصل...