استعمل المغرب القوة لفك مخيم أكديم ايزيك بضواحي العيون. المخيم أنشأه محتجون للتعبير عن سخطهم على الأوضاع المعيشية المزرية التي يعيشونها. والمثير للانتباه أن المغرب يلجأ دائماً الى القوة في تعامله مع مطالب اجتماعية واقتصادية صرفة. وعليه نطرح السؤال ألا توجد لدى الدولة المغربية بدائل أخرى للتعامل مع كذا أوضاع؟ فاستعمال القوة لفك اعتصام أو قمع احتجاج لا يحل المشكلة وإنما يصب المزيد من الزيت على النار خصوصا في منطقة حساسة كالصحراء. ثم لماذا لا يعمد المغرب الى فتح تحقيق نزيه ومسؤول في مسببات وظروف نشوب كذا أحداث؟ على ألا يكون التحقيق شكلي ويُطوى الملف بدون تحديد مسؤوليات كافة الأطراف. إن سياسة عدم تحديد مسؤولية كل طرف في كل ما يحدث في المغرب ستلحق ضرراً بالغاً بالمصالح المغربية، إن كانت هناك فعلا مصالح،وسيظل الوضع كماهو طالما أن النظام المغربي لم يحسم في اختياراته وطالما أنه ينتهج سياسة عدم المساءلة والإفلات من العقاب.فأحداث العيون أبانت عن خلل كبير في الادارة المغربية التي لم تستطع، حسب ما صرح به المحتجون، توفير ظروف عيش كريم لمواطنين لا يتجاوز عددهم المائتي ألف رغم الثروات الهائلة التي تزخر بها المنطقة وبهذا الخصوص صرخت امرأة أمام وسائل الإعلام أن النظام المغربي يجوعهم أي الصحراويين. ونجم عن عملية التدخل في المخيم أعمال تخريب وشغب في وسط مدينة العيون بسبب الفراغ الأمني الحاصل نتيجة ذلك. إن سبب ما وقع في كل من العيون وصفرو وسيدي إفني هو نتيجة لسياسة فاشلة وفاسدة قائمة على المحسوبية والزبونية وعدم المساءلة. مع ذلك يرفض النظام المغربي الاعتراف بأخطاء تُقترف في حق الشعب ويعتقد واهماً بأن سياسة العصا هي الحل لمشكلاته المزمنة وأن ذلك يضمن الحفاظ على مصالحه. وواهم إن اعتقد أن بإمكانه التعتيم على ما يقع على أراضيه من انتهاكات لحقوق الانسان بسبب التطور التكنولوجي السريع والمذهل الذي حول العالم الى قرية صغيرة. وفي حديث مع أحد المحتجين قال لم يعد بامكان الصحراويين تحمل السياسة الكارثية التي تنتهجها الرباط منذ أكثر من 35 سنة. لكن هذه السياسة لم تقتصر على المناطق الصحراوية التي هي موضوع نزاع وانما تشمل كافة التراب المغربي، مما ينم عن ضعف في الرؤية السياسية لدى "المسؤولين" الذين لا يربطهم بالمسؤولية سوى الاسم، بحيث أنهم يتصرفون في المناصب التي يحتلونها كأسياد في ضيعاتهم الخاصة ولا يضعون شيئاً اسمه مصالح الوطن في عين الاعتبار ولا يستشعرون خطورة الظروف التي يمر بها المغرب. بالتالي أصبح ضرورياً وملحاً أن يغير النظام سياسته لأنها لا تؤدي الا الى مزيد من الكوارث والضرب بيد من حديد على الفاسدين والمفسدين الذي مكنوا المغرب من احتلال الرتبة الثالث في افريقيا كبلد تُهرب منه الأموال وفق آخر تقرير صادر عن هيئة السلامة المالية الأمريكية. فهذا التسيب والارتجال في الادارة وانتشار الرشوة على نطاق واسع وغياب الشفافية كلها عناصر تكلف الدولة كثيراً على كافة المستويات. مع ذلك لا تبذل الدولة مجهودات فعلية وناجعة لاحتواء هذه الظواهر السلبية ماعدا الشعارات الجوفاء التي لا تسمن ولا تغني من جوع أو التضحية بموظفين صغار لاعطاء الانطباع بأنها تحارب الفساد أو إنشاء مؤسسات صورية تثقل كاهل دافعي الضرائب. من المعلوم أن المناصب والمسؤوليات في المغرب لا تُسند الى النزهاء وذوي الضمائر الحية وإنما إلى أشخاص انتهازيين ووصوليين يغدق عليهم المخزن من عطاياه معتقداً أنهم يخدمونه، بينما لا يخدمون في الواقع سوى أنفسهم. وعندما تُسند الأمور إلى غير أهلها فانتظر قيام الساعة. وترتب عن هذه السياسة تكوين شبكة من العلاقات والمصالح المتداخلة مبنية أساساً على الزبونية والمحسوبية. بالتالي تصبح لدينا دولة داخل، حيث يرفض أعضاء هذه الشبكة الانصياع الى القانون وفرض قانون خاص بهم، مما يمس بهيبة الدولة. كما أن ما وقع في هذه الظرفية بالضبط وعمليات النزوح الجماعية لسكان مخيمات تيندوف الى العيون لا يمكن أن يكون مصادفة. وليس من المستبعد أن تكون الجزائر هي من خطط للعملية حتى تندس بين العائدين عناصر تخريبية وهم ما حصل بالفعل. وما يثبت هذا الكلام هو عملية الدبح التي تعرضت لها عناصر من القوات المغربية. فالعناصر التي نظمت عملية الاحتجاج أظهرت براعة في تنفيد أهدافها بتنسيق مع عدة أطراف تكن العداء للنظام المغربي. غير أننا ندين العنف أياً كان مقترفوه مع العلم بأن للنظام المغربي سوابق خطيرة بهذا الخصوص. فصفحات سنوات الرصاص مازالت لم تطو بعد بشكل كامل ومازال أزلام النظام يتجولون بكل حرية بعيداً عن أي مساءلة قانونية. لكن السؤال الذي يُطرح بإلحاح هو الأخطاء الفادحة التي ارتكبها العقل الأمني فلماذا نبت مخيم بهذا الشكل بهذه السرعة في غفلة من السلطة؟ ثم لماذا لم يتم إخضاع كافة العناصر العائدة الى تحقيق وافي لاستجلاء أسباب العودة وهويتهم؟ هل كان المغرب يعتقد بأن تسمح الطغمة العسكرية الجزائرية لهذا العدد الهائل بمغادرة مخيمات تيندوف؟ واهمون إن اعتقدوا ذلك. فالجزائر تعرف مصالحها جيداً وتصرف أموال طائلة على قضية الصحراء وبالتالي لن تسمح للمغرب بتحقيق أي فوز مهما كان. وهذا من حقها. فكل دولة لا تعترف بشيء آخر غير المصالح. السيد / بوتفليقة : اعتقد أنه في حالة رغبنا في حل قضية الصحراء على نحو صحيح، فانه يتوجب علينا التحدث بشكل صريح ومباشر.إن قضية الصحراء تُشكل سابقة في العالم وتكتسي نفس أهمية قضية الشرق الأوسط. السيد / كيسنجر : لماذا الشرق الأوسط؟ السيد / بوتفليقة : في حالة التوصل الى اتفاق بين مصر وسوريا والأردن واسرائيل هل تعتقد أن العالم العربي سيتخلى عن الفلسطينيين؟ انها نفس القضية. لا تستطيع التخلي عن الشعب الصحراوي ولا التخلي عن شعب نامبيا من الآن فصاعداً. هذا مقطع من حوار مطول دار بين السيد / بوتفليقة الذي كان آنذاك وزيراً للخارجية ووزير الخارجية الأسبق السيد/ هنري كيسينجر خلال بذل الأول كل جهوده لاقناع الولاياتالمتحدة بتبني الطرح الجزائري لحل قضية الصحراء الى درجة أن بوتفليقة طلب من كيسينجر الكف عن تقديم مساعدات للمغرب. الواضح من الحوار أن وزير الخارجية الأسبق والرئيس الحالي للجزائر الذي يأتمر بأوامر العسكر لن يدخر أي جهد لعرقلة أي حل يصب في مصلحة المغرب ومن حقه ذلك. لكن كل اللوم يقع على الجانب المغرب الذي يكرر نفس الأخطاء وينتهج نفس السياسة الارتجالية والفاشلة. مع الأسف تكون مثل هذه الأحداث المؤسفة مناسبة لاستخلاص الدروس والعبر، لكن أكاد أجزم أننا مثل من ينفخ في قربة مثقوبة لأننا النظام لا يتعظ مما وقع. مع ذلك سنظل ننفخ عل وعسى يتدارك المسؤولون الوضع ويتحركوا بشكل جدي والعمل لمصلحة الوطن والشعب وليس لمصلحة آل الفاسي لانقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان. ويبقى العمل لمصلحة الشعب مجرد أمنية ما لم تتم فعلاً مراجعة السياسة المتبعة حالياً والضرب بيد من حديد على الفاسدين والمفسدين الذي راكموا ثروات طائلة على حساب الغالبية من الشعب الى درجة أن أصبح المغربي يفكر فقط في سبيل لمغادرة بلاده التي تحولت بسبب مسؤوليها الى جحيم ليُطاق. هذا بالرغم من ذلك، يمكن ايجاد حل لكل المشاكل المطروحة على المغرب بدون تخصيص اعتمادات مالية ضخمة غالبا ما تذهب إلى جيوب المسؤولين الساميين وإنما بالصرامة في تطبيق القانون وإنشاء منظومة تربوية تعليمية سليمة تنتج فرداً مؤمناً بوطنه ومستعدأ للتضحية في سبيله وإرجاع السيادة للشعب وليس بتنظيم انتخابات للانتهازيين توصلهم الى مجالس البلدية والبرلمان ولا تغير شيئاً في الواقع. بل تأتي بنتائج عكسية مثل سرقة الميزانيات والفساد الذي يرافقها وتتيح لأميين تصريف شؤون الناس مع ما يخلف ذلك من حنق لدى الأوساط المتعلمة العاطلة بالخصوص. وهي سياسسة مقصودة من الدولة لكن نتائجها كارثية جعلت المغرب الرتبة بعد المائة في كافة المجالات. لكن المؤكد أن المغرب تلقى ضربات قوية بسبب هذه الأحداث رغم التعتيم ومنع الصحافيين من الوصول الى مواقع الصدامات وتعرض لحملة إعلامية مغرضة من بعض المنابر الصحافية العالمية لأن مسؤوليه مع الأسف لا يجيدون التواصل معها وأغلبهم لا يتكلم إلا الفرنسية المحدودة الانتشار. فوزير مغربي مثلا لا يتحدث غير الفرنسية سيكون أفيد للحكومة الفرنسية ناهيك عن النظرة الانتفاعية للمسؤولين للمناصب التي يشغلونها ولا يعتبرون أنفسهم أبداً في خدمة الوطن والشعب، بل العكس هو الذي يحصل.الحل هو الصرامة في تطبيق القانون وارجاع السيادة فعلاً الى الشعب. فهل من رجل رشيد؟ وتجدر الاشارة في الختام أن الضعف الراهن للمغرب تعمق مع سيطرة آل الفاسي على كافة المناصب السامية، إذ يحتل الرتبة الأخيرة في المغرب العربي في مجال التعليم كما أن غزة التي تعرضت لقصف عنيف لمدة شهر وتحت الحصار متقدمة علينا في المجال نفسه وإذا عُرف سبب ما وقع بطُل العجب.